د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس
تفاجأت الغالبية العظمى من السوريين خاصة المقيمين على الأراضي التركية من التطورات السياسية الأخيرة التي طفت على سطح المشهد السياسي في تركيا، كما تفاجأ غيرهم من الأتراك والعرب وفي العالم أجمع. لكن للسوريين خصوصية يدركونها أكثر من غيرهم من تداعيات هذه التطورات التي وصفها البعض بالزلزال الذي ضرب وسط حزب العدالة والتنمية الذي يدير دفة الحكم في البلاد التي يقيمون فيها، لذلك بدأ الكثير منهم يتخوفون ويراقبون عن كثب فيما إذا كانت ارتدادات هذا الزلزال ستضربهم وتؤثر على استمرار وجودهم في تركيا سلبًا أم إيجابًا.
لا شك أن السيد " أحمد داود أوغلو " - مشكورًا - قدم الكثير للسوريين وللقضية السورية بشكل عام على المستوى الدولي والإقليمي وحتى الداخلي، وهذا يندرج في إطار السياسة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية تجاه القضية السورية وملف اللاجئين السوريين على الأراضي التركية منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وتفاوتت هذه ما بين الدعم السياسي والإنساني والاجتماعي ضمن ما عرف بتركيا بسياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين ومبدأ "المهاجرين والأنصار" في التعامل مع ملايين السوريين الذي وصلوا إلى الأراضي التركية هربًا من الحرب البربرية التي يشنها "بشار الأسد" وداعميه ضد الشعب السوري .
التخوف الذي أبداه الكثير من السوريين تجاه هذه التطورات مبرر، خاصة وأن التطورات السياسية والأمنية والعسكرية داخل بلدهم وعلى المستوى الدولي وضعتهم في حالة من اليأس والإحباط جعلتهم يتخوفون من أي تطور قد يزيد مأساتهم ومحنتهم التي لا توجد بارقة أمل لنهايتها على المدى المنظور.
فهل ستكون لهذه التطورات ارتدادات سلبية على السوريين المقيمين في تركيا وهم شريحة واسعة ناهز عددها نحو ثلاثة ملايين شخص من كافة الأطياف والمشارب، وعلى السياسة التركية المستقبلية تجاه التعامل مع القضية السورية بشكل عام.
قد يبدو من المبكر الحكم على تداعيات هذه التطورات، لكن من خلال متابعتنا الحثيثة وجدنا الكثير ممن يتربصون بالدولة التركية وبحزب العدالة والتنمية وشخص الرئيس "رجب طيب أردوغان" يحاولون استغلال هذه التطورات للطعن بالسياسة التي اتبعها وإظهار خطأها تجاه الملف السوري، وأن الأيام المقبلة ستشهد تقاربًا أو على الأقل إعادة النظر في هذه السياسة التي قد تفضي في نهاية المطاف إلى إعادة العلاقات مع النظام السوري وأن خمس سنوات من القطيعة فشلت في اسقاط نظام "بشار الأسد" وقد حان الوقت لتغييرها وعودة المياه إلى مجاريها ما قبل عام 2011 وتحميل السيد "داود أوغلو" مسؤولية هذه الأخطاء. ولا شك أن هؤلاء يتمنون بداخلهم أن تسير الأمور على هذا النحو إرضاءً لغرورهم وإيمانهم بنظرية المؤامرة الكونية لتدمير سوريا التي روج لها "بشار الأسد" ويعتبرون تركيا جزء من هذه المؤامرة.
لكن واقع الحال يشير إلى عكس ما يتمناه هؤلاء، فسياسة حزب العدالة والتنمية تجاه القضية السورية لن تتغير بل على العكس من ذلك ربما ستتوضح بشكل أكبر وستتعامل بديناميكية أكثر مع الملف السوري خلال الفترة المقبلة خاصة إذا ما نجحت عملية التحول إلى النظام الرئاسي الذي يطمح إليه الكثير من الأتراك، حيث ستولد حكومة متناغمة ومنسجمة بشكل أكبر مع السياسة الداخلية والخارجية التي رسمها "أردوغان" منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 2014.
ما يؤكد كلامنا الكثير من الوقائع لا مجال لذكرها في هذا المقام لكن سنذكر بعضها على سبيل المثال فيما يتعلق بوجود السوريين على الأراضي التركية، فقد أصدر الرئيس "أردوغان" خلال السنتين الماضيتين العديد من القرارات لتنظيم وضع السوريين على الأراضي التركية لكن الحكومة عرقلة تنفيذها لأسباب ربما قانونية أو إدارية أو لحسابات تتعلق بالتخوف من موقف المعارضة التركية تجاه هذه القرارات وأحياناً تذرع الحكومة بعدم وجود بنية تحتية كافية لتنفيذ هذه القرارات، وتتراوح هذه القرارات بتسهيل حصول السوريين على الجنسية التركية، ومعادلة شهاداتهم، وتسهيل حصولهم على فرص عمل في المؤسسات التركية، ومزاولة بعض المهن المحظورة على غير الأتراك.
في السابع من كانون الثاني/ يناير 2015 عقد مجلس التعليم العالي اجتماعًا بطلب من "أردوغان" حضره شخصيًا إلى جانب رؤساء ثماني جامعات تقع في المدن الحدودية مع سوريا لمناقشة حل مشكلة عدم قدرة الطلاب السوريين على متابعة دراستهم الجامعية بسبب أحداث العنف الدائرة في سوريا، ونتج عن هذا الاجتماع إقرار فتح برامج باللغة العربية في هذه الجامعات لاستيعاب كافة الطلاب السوريين المنقطعين والجدد، وكان من المفترض أن يتم تنفيذ هذا القرار في العام الدراسي الذي شارف على الانتهاء، إلا أن تنفيذه هذا القرار اصطدم بعراقيل كثيرة من الحكومة حالت دون تنفيذه واقتصر في نهاية المطاف على فتح بعض الأقسام في جامعة غازي عنتاب برسوم مرتفعة خلافًا للقرار الذي طالب بتقديم التعليم للسوريين مجاناً وباللغة العربية.
ما نعتقده جازمين أن حزب العدالة والتنمية سيتجاوز هذه الأزمة وسيفوت الفرصة على جميع المتربصين به وسينتج حكومة أكثر انسجاماً وتناغماً مع ما تقتضيه تطورات المرحلة الحرجة والتهديدات التي تواجهها الدولة التركية والشعب التركي على حد سواء. وبالنسبة للسوريين نستطيع طمأنتهم بأن الحكومة المقبلة ستكون أكثر تفاعلاً مع قضيتهم ومع المشاكل والعقبات التي تواجههم خلال وجودهم في تركيا حتى يقضي الله أمر كان مفعولا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس