وما هي الإجراءات القانونية المطلوبة لمواجهة القنابل الحارقة الروسية؟

د. وسام الدين العكلة - خاص ترك برس

قد لا تكون مجرد أمنية أن يرى السوريون الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ورئيس النظام السوري "بشار الأسد" داخل قفص الاتهام في المحكمة الجنائية الدولية، بل هناك فرص لو تم استثمارها بالشكل الأمثل من قبل القضاء الجنائي الدولي ومجلس الأمن والمنظمات الدولية المعنية لرأينا على الأقل "بشار الأسد" و"حسن نصر الله" و"قاسم سليماني" وباقي عصابتهم ينالون جزاءهم العادل عما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري طوال السنوات الماضية.

لكن الأمر يبدو للوهلة الأولى ضربًا من الخيال، فمن سيحاكم هؤلاء والمجتمع الدولي والأمم المتحدة في أضعف حالاتهما ولا يستطيعان إدخال سلة غذائية إلى مدينة محاصرة في سوريا قد تنقد حياة عدة أطفال من الموت جوعًا دون موافقة نظام "بشار الأسد" ومن يقف ورائه، إلى جانب ذلك فالتوازنات في ميدان العلاقات الدولية ومصالح الدول قد تحول دون ذلك على الأقل في المدى المنظور.

أسلحة جديدة محرمة دوليًا

تنفذ قوات الاحتلال الروسي في سوريا منذ عدة أيام حملة شرسة ضد المدنيين في حلب وإدلب ودير الزور ومناطق أخرى من سوريا مستخدمة أنواع جديدة من الأسلحة لم يعتدها المدنيون هناك خلال المرحلة السابقة مثل الخراطيم المتفجرة والنابالم والقنابل العنقودية والقنابل الحارقة والفوسفور الأبيض المحرم دوليًا، وهناك تقارير غير مؤكدة عن استخدام قنابل "اليورانيوم المنضب" التي تشكل خطرًا كبيرًا ليس فقط على الإنسان، إنما على البيئة الطبيعية بكل مكوناتها وقد تمتد نتائجها الاشعاعية والكارثية لعشرات السنوات القادمة.

وتتفنن الطائرات الروسية بقتل المئات من الأطفال والنساء والشيوخ يوميًا من خلال استهداف الأسواق الشعبية أوقات الذروة، إلى جانب استهداف الأعيان المدنية كالمشافي والمراكز الطبية ومراكز الدفاع المدني والبنى التحتية دون مراعاة للمعاهدات والاتفاقيات الدولية ولأبسط القيم الإنسانية.

موقف القانون الدولي

من الناحية القانونية تعتبر القنابل العنقودية والنابالم والفوسفور الأبيض والقنابل الحارقة من أسلحة الدمار الشامل واستخدامها محرماً في الكثير من المعاهدات الدولية وعلى رأسها اتفاقيات لاهاي لعام 1899 و1907 واتفاقيات جنيف لعام 1949 التي تعتبر أساس القانون الدولي الإنساني وبروتوكولاتها الملحقة، وعلى الأخص الاتفاقية الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن النزاعات المسلحة، ومعاهدة حظر الأعمال العدائية والحربية التي من شأنها أحداث تغييرات في البيئة لعام 1977، والمبدأ المعروف في القانون الدولي الإنساني القائـل بـأن حـق أطـراف الـنزاع المـسلح في اختيـار أسـاليب الحـرب أو وسـائلها لـيس بـالحق غـير المحـدود، إضافة إلى القواعـد الـتي تقـضي بـأن تميـز أطـراف الـنزاع في كـل الأوقـات بـين المـدنيين والمقـاتلين، وبـين الأغــراض المدنيــة والأهــداف العــسكرية وأن توجــه بالتــالي عملياتهــا ضــد الأهــداف العــسكرية.

كما تعتبر هذه الأسلحة محرمة وفقًا لـــ "اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر" والمعروفة بــ (اتفاقية الأسلحة التقليدية أو اتفاقية جنيف لعام 1980) وتعتبر هذه الاتفاقية من أهم المعاهدات في القانون الدولي وقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني كونها تقيد استخدام أنواع معينة من الأسلحة التقليدية التي تأتي بآثار غير إنسانية أو يمكن اعتبارها غير إنسانية في ظل القانون الدولي وتعتبر روسيا طرفاً أساسياً في هذه الاتفاقية منذ عام 1982 وبالتالي يقع عليها احترام أحكامها بشكل كامل.

كما يعتبر استخدام القنابل الحارقة والفوسفور الأبيض ضد المدنيين وضد الأهداف العسكرية التي قد تقع ضمن تجمع سكاني محظورًا بموجب البروتوكول الثالث الخاص "بحظر أو تقييد استعمال الأسلحة المحرقة" الملحق بالاتفاقية المذكورة (اتفاقية 1980).

ووفقًا لهذا البروتوكول فإن القنابل الحارقة هي "أي سلاح أو أية ذخيرة، مصمم أو مصممة في المقام الأول لإشعال النار في الأشياء أو لتسبيب حروق للأشخاص بفعل اللهب أو الحرارة أو مزيج من اللهب والحرارة المتولدين عن تفاعل كيماوي لمادة تطلق على الهدف، وقد تكون الأسلحة المحرقة، على شكل قاذفات لهب، وألغام موجهة لمقذوفات أخرى، وقذائف، وصواريخ، وقنابل يدوية، وغير ذلك من حاويات المواد المحرقة". ونصت المادة الثانية من هذا البروتوكول على حماية المدنيين والأعيان المدنية والبيئة من آثار هذه الأسلحة عندما قررت أنه:

1- يحظر في جميع الظروف جعل السكان المدنيين بصفتهم هذه، أو المدنيين فرادى، أو الأعيان المدنية، محل هجوم بالأسلحة المحرقة.

2- يحظر في جميع الظروف جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفًا لهجوم أسلحة محرقة تطلق من الجو.

3- يحظر كذلك جعل أي هدف عسكري يقع داخل تجمع مدنيين هدفاً لهجوم بأسلحة محرقة غير تلك التي تطلق من الجو، إلا حين يكون الهدف العسكري واضح الانفصال عن تجمع المدنيين وتكون قد اتخذت جميع الاحتياطات المستطاعة لكي تقتصر الآثار المحرقة على الهدف العسكري ويتفادى ويخفف إلى الحدود الدنيا في أية حال، ما قد ينجم عنها عرضًا من وقوع خسائر في أرواح المدنيين أو إصابتهم بجروح أو تلف الأعيان المدنية.

4- يحظر أن تجعل الغابات وغيرها من أنواع الكساء النباتي هدف هجوم بأسلحة محرقة إلا حين تستخدم هذه العناصر الطبيعية لستر أو إخفاء أو تمويه محاربين أو أهداف عسكرية أخرى، أو حين تكون هي ذاتها أهدافًا عسكرية.

ورغم أن روسيا طرف مصدق على هذا البروتوكول إلى جانب 112 دولة أخرى، وملتزمة بأحكامه من الناحية النظرية إلا أنها تنتهك قواعده وأحكامه يومياً الأمر الذي يرتب عليها مسؤولية قانونية وتعتبر أفعالها بذلك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري وتدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر بمثابة القضاء الجنائي الدولي المسؤول عن معاقبة مرتكبي مثل هذه الجرائم.

غير أن الإشكالية القانونية تكمن في تحويل هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية الدولية للنظر فيها ومعاقبة مرتكبيها لأن روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي الناظم لعمل هذه المحكمة، وبالتالي لا يمكن للمدعي العام للمحكمة أن يحرك الدعوى من تلقاء نفسه. كما لا تعتبر سوريا أيضًا طرفًا في نظام روما الأساسي باعتبارها الدولة التي وقعت على إقليمها هذه الجرائم وبالتالي لابد من تحويلها إلى المحكمة بقرار من مجلس الأمن الدولي بموافقة جميع الدول الأعضاء دائمي العضوية في المجلس وهنا تكمن المعضلة الأساسية، وهنا لا بد من التذكير بأن روسيا سبق وأحبطت في عام ٢٠١٤ مشروع قرار تقدمت به فرنسا لإحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية باستخدامها حق النقض "الفيتو" .

لكن المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة تقول إنَّ الدولة التي تعتبر طرفًا في النزاع لا يمكنها التصويت في المسألة عند مناقشتها من قبل المجلس، وهنا تبدو نقطة مهمة يمكن استغلالها لإحالة ملف هذه الجرائم إلى المحكمة الجنائية والتفويت على روسيا حق استخدام "الفيتو" لإحباط مثل هذا القرار خاصة وأن أغلب الدول اليوم شبه متفقة على أن القوات الروسية باتت طرفًا في النزاع السوري وتقف إلى جانب النظام، لكن الأمر يحتاج لإرادة دولية قوية وتوافق تام بين جميع الأعضاء في المجلس وعلى الأخص دائمي العضوية.

أما بالنسبة للذخائر العنقودية فقد تم تحريمها بسبب تأثيرها العشوائي واسع النطاق، والخطر طويل الأجل الذي تمثله على المدنيين، وتم تحريم استخدام هذه القنابل بموجب "اتفاقية حظر الذخائر العنقودية" التي دخلت حيز التنفيذ منذ آب/أغسطس 2010، وتفرض الاتفاقية حظرًا شاملًا على استخدام وتخزين ونقل الذخائر العنقودية وتشترط تدمير مخزوناتها، وتطهير المناطق الملوثة بمخلفاتها، ومساعدة ضحايا تلك الأسلحة، وتعتبر الاتفاقية جزءًا من القانون الدولي الملزم لكن لم تصدق روسيا ولا نظام "بشار الأسد" على هذه الاتفاقية حتى تاريخه بالرغم من مصادقة نحو 119 دولة عليها.

في موازاة ذلك لم تنص الاتفاقيات والمعاهدات المعنية بحظر استخدام الأسلحة النووية أو التقليدية ذات التدمير الشامل بشكل مباشر على تحريم استخدام أسلحة "اليورانيوم المنضب" كونه من الأسلحة الحديثة نسبياً، وظهر استخدامه خلال العقدين الأخيرين في العراق ويوغسلافيا وفي فلسطين (قطاع غزة ). لكن النتائج التدميرية الوحشية لاستخدامه وتأثيراته على الكائنات الحية والبيئة يمكن أن تكون حججًا كافية لاعتباره محرمًا طبقًا للمبادئ والأسس الواردة في المواثيق الدولية، واتفاقية حظر إبادة الجنس البشري، والإعلان العالمي لحقوق الانسان والعهدين الدوليين الملحقين به، ومبادئ القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

قانون الأقوياء

الحقيقة الصادمة للقانونيين على مستوى العالم أن القانون الدولي هو قانون الأقوياء وقانون المنتصرون وتطبق أحكامه ضد الضعفاء وخير دليل على ذلك محاكمة الولايات المتحدة للرئيس العراقي الراحل "صدام حسين" ومعاقبته على مزاعم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الأكراد في ثمانينيات القرن الماضي في حين لم يتم معاقبة أي من المسؤولين الأمريكيين الذين استخدموا أنواع أكثر فتكًا من هذه الأسلحة ضد الشعب العراقي كالنابالم والفوسفور الأبيض في معركتي الفلوجة عام 2004 وغيرها من أسلحة اليورانيوم المنضب التي يدفع العراقيون ثمنها حتى هذه اللحظة، كما سبق أن استخدمت القنابل النووية ضد اليابان في الحرب العالمية الثانية ولم يعاقب أي مسؤول أمريكي في حين تمت محاكمة الضباط الألمان واليابانيين في محاكمات نورومبرغ وطوكيو. كما لم يُعاقب أي مسؤول إسرائيلي عن استخدام الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وكذلك استخدام القوات الروسية لهذه الأسلحة خلال حربها في الشيشان في تسعينيات القرن المنصرم.

ما هو المطلوب لمواجهة الجرائم الروسية

منذ نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي والقوات الروسية تستخدم الأراضي والأجواء السورية حقلًا لتجريب أسلحتها الجديدة الأمر الذي تسبب بسقوط آلاف الشهداء والجرحى وارتكاب العديد من المجازر بحق المدنيين والأطفال والأطقم الطبية والإنسانية وتدمير البنى التحتية دون أي رادع قانوني أو أخلاقي أو إنساني. لذلك يتوجب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة لإيقاف العدوان الروسي ومن هذه الإجراءات:

- تنظيم حملة دولية تشارك فيها جميع المنظمات الدولية وعلى رأسها الامم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر المعنية بمراقبة تنفيذ قواعد القانون الدولي الإنساني وغيرها من المنظمات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان للضغط على مجلس الأمن للتصدي لمهامه في حفظ الأمن والسلم الدوليين ومعاقبة المجرمين ومنع افلاتهم من العدالة ووقف استخدام هذه الأسلحة المفرطة الضرر وعشوائية الأثر كونها لا تميز بين مدني أو عسكري أو تجمع سكاني وهدف عسكري.

- تحرك دبلوماسي واسع تقوده الدول العربية والصديقة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان لإدانة الجرائم الروسية في سوريا.

- الطلب من منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية ارسال فريق أو لجنة تقصي حقائق للذهاب فوراً إلى سوريا للتحقيق في استخدام أسلحة "اليورانيوم المنضب" وأخذ عينات من البيئة والتربة وتقديم تقرير مفصل عن حجم الاشعاعات وآثارها السلبية على الإنسان والنبات والحيوان على المدى المتوسط والبعيد وما قد يترتب على ذلك من خلل جيني وتشوهات خلقية وأمراض سرطانية.

- يتوجب على المعارضة السورية إعداد تقارير متكاملة عن هذه الانتهاكات وإعداد قوائم بأسماء الضحايا لتقديمها للمحاكم المختصة والمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم.

- تشديد الحظر من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول العربية على الشركات والمؤسسات الروسية وغيرها التي تدعم الحرب في سوريا.

عن الكاتب

د. وسام الدين العكلة

دكتوراه في القانون الدولي العام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس