محمد عبد العظيم - خاص ترك برس 

لن تقرأ يومًا عن انقلابات عسكرية إلا وستقرأ وراءها مباشرة عن أنهار من الدم واكوام من الأشلاء بسبب هذا الانقلابات فالانقلابات العسكرية هي الوجه الآخر للاحتلال ففي الفترة الأخير وبالأخص بعد سقوط الخلافة العثمانية 1924م بدأت الدول القوية تغير استراتيجيتها في السيطرة على مقدرات الشعوب عن طريق صناعة العملاء في الدول التي يرغبون في السيطرة عليها ولأن هذه القوى تعرف كيف تختار عملائها جيدًا فقد اتجهت إلى من يملك القوة ''السلاح" وبالتأكيد من يملك القوة هم العسكر ولذلك لن تجد انقلابا عسكريا في أي من الدول النامية أو المتخلفة إلا وستجد خلفه قوة خفية دعمته بالمال والتخطيط وماكان من العسكر إلا التنفيذ والسيطرة على الحكم لتنفيذ أوامر من خططوا لهم لينقلبوا على شعوبهم ولن ترى عبر التاريخ انقلابا عسكريا إلا وسترى شلالات من الدم نتجت عن هذا الإنقلاب والنماذج كثيرة أذكر بعضها لتعرفوا ماذا تصنع الإنقلابات بالشعوب وأختمها بما حدث في مصر.

  انقلاب الجزائر والعشرية السوداء: في السادس والعشرين من كانون الثاني/ ديسمبر عام 1991 أجريت الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الجزائرية وقد فاز في هذه الجولة جبهة الإنقاذ الإسلامية فوزًا ساحقا وهذا النتيجة بالطبع لم تكن على هوى جنرالات العسكر الذين لم يتوقعوا فوز جبهة الإنقاذ بهذه النتيجة الكبيرة ولذلك قرروا أن يرفضوا هذه النتيجة ولكن بطريقتهم الخاصة ففي الحادي عشر من كانون الثاني/ يناير لعام 1992 انقلب العسكر على الحكم في الجزائر واجبروا الرئيس الجزائري حينها ''الشاذلي بن جديد'' على الإستقالة ثم أعلنوا إلغاء المرحلة الثانية من الانتخابات والتي كان من المقرر لها أن تنعقد في السادس والعشرين من يناير لعام 1992 وتم تشكيل مجلس رئاسي برئاسة أحد القادة التاريخيين الذين شاركوا في الثورة الجزائرية ''محمد بوضياف'' وبدأ العسكر المرحلة الثانية من الانقلاب ''مرحلة تصفية الخصوم'' وبما أن القوة التي تم الإنقلاب عليها هي جبهة الإنقاذ الإسلامية فكان من الضروري للعسكر أن يسحقوا هذه القوة تماماً حتى يخلو لهم الطريق وبدأت سلسلة عنيفة من الاعتقالات تبعها عمليات قتل وتصفية بدأت باغتيال الرئيس الجزائري محمدا بوضياف في التاسع والعشرين من حزيران/ يونيو عام 1992 واستمرت المجازر والمذابح بحق المدنيين وبدأ الرد من الجماعات الإسلامية ودخلت الجزائر فيما يعرف تاريخيًا بالعشرية السوداء من 1992 حتى 2002 والتي قتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين الجزائريين.

تركيا وسلسلة من الإنقلابات المتوالية

تعتبر تركيا من أكثر الدول التي عانت من ويلات الإنقلابات العسكرية عبر تاريخها فقد مرت بأكثر من انقلاب حيث وقع الإنقلاب الأول في 27 أيار/ مايو عام 1960 عندما انقلب جمال جورسيل قائد الجيش التركي على حكومة عدنان مندريس وتم القبض على مندريس رئيس الوزراء التركي حينها وحكم عليه بالإعدام كما تم القبض أيضا على رئيس الجمهورية جلال بايار وحكم عليه بالسجن مدى الحياة وقد كلف هذا الانقلاب تركيا خسائر فادحة في الأموال والأرواح . ولم تكد تركيا تتعافى من الانقلاب الأول حتى وقعت عدة انقلابات جديدة كان أبرزها وأخطرها انقلاب كنعان إيفرين في 12 أيلول/ سبتمبر 1980 والتي أعقبه بسلسلة من الإجراءات البشعة والتي تمثلت في الاعتقالات وقتل ألآف المدنيين وتغيير الدستور وظلت تركيا تتقلب في جحيم الإنقلابات العسكرية قرابة نصف قرن من الزمن حتى ظهور حزب العدالة والتنمية وفوزه في انتخابات 2002 وتشكيله للحكومة.

الانقلاب العسكري في مصر

 لم تكن مصر بعيدة يوما من الأيام عن هذه المعاناة وهذه الجرائم التي يرتكبها العسكر فقد ظن المصريون أنهم بمجرد زوال الحكم الملكي 18 يونيو 1953 سيعيشون في نعيم ولكن الحقيقة الصادمة كانت غير ذلك تمامًا فما أن تخلص المصريون من عنصرية النظام الملكي حتى اصطدموا بطغيان وجبروت الحكم العسكري فبعد أن تولى العسكر الحكم تجرع المصريون المر ورأوا الويلات ثلاث أنظمة عسكرية مرت بهم مصر حتى قامت ثورة يناير والتي رأى فيها المصريون الخلاص من هذا النظام المجرم الذي جثى على صدورهم عقودًا طويلة. ولكن ما هي إلا ثلاثة أعوام حتى عاد العسكر من جديد بانقلاب عسكري على الرئيس المدني محمد مرسي لتدخل مصر من جديد على خط الدم بسلسلة من المجازر البشعة والتي بدأت بمجزرة الحرس الجمهوري في الثامن من يوليو عام 2013 ثم تلتها مذبحة المنصة في السابع والعشرين من تموز/ يوليو عام 2013 ثم بعد ذلك المذبحة الفاصلة والتي تعتبر من أبشع المذابح في العصر الحديث مذبحة رابعة والنهضة في الرابع عشر من آب/ أغسطس لعام 2013 والتي قتل فيها الألاف دون تمييز بين طفل وشيخ وامرأة مذبحة إن دلت على شئ فإنما تدل علي إجرام لا مثيل له من هؤلاء العسكر الذين خانوا شعوبهم ولم يراعوا حرمة لدين أو عرض قتلوا الأبرياء ودنسوا المساجد وحرقوا الجرحى واعتقلوا عشرات الآلاف ليعودوا بمصر عشرات السنين إلى الوراء . هكذا تفعل الإنقلابات العسكرية تنتقل بالشعوب من الاستقرار إلى الجحيم .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس