سيث فرانتسمان - ناشيونال إنترست - ترجمة وتحرير ترك برس

ظهر على شبكة الإنترنت في الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس رسم يسخر من باراك أوباما وهو يقول "دعوني أكون واضحا، فليست لدي فكرة عما أفعله". انتشر هذا الرسم الساخر بين أنصار وحدات حماية الشعب الكردي، وهي المجموعة الكردية التي تقاتل داعش منذ عامين في شمال شرق سوريا. كان هؤلاء غاضبين، واتهموا الولايات المتحدة "بخيانة" القوات الكردية، وبدعم التدخل التركي، حيث اشتبك الجيش التركي الآن مع قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأكراد بين جرابلس ومنبج.

في اللغز السوري حيث يوجد عدد كبير من الجماعات المختلفة التي تحارب بشار الأسد، وبوجود إيران ووكيلها حزب الله حلفاء الاسد، والمناطق التي تسيطر عليها داعش والقوات الكردية، أضاف التدخل التركي في مدينة جرابلس عنصرا جديدا إلى شبكة معقدة من المجموعات المتنافسة. بالنسبة لصناع السياسة الأمريكية فإن التدخل التركي يمثل مشكلة خاصة، لأن الولايات المتحدة حليف مقرب من تركيا، وعملت مع بعض الجماعات السنية المعارضة على مدى السنوات الأربع الماضية. وفي الوقت نفسه طورت الولايات المتحدة علاقة وثيقة وناجحة للغاية مع وحدات حماية الشعب الكردي في حربها على داعش. فكيف وصلت الولايات المتحدة إلى النقطة التي وصفت فيها سياستها بأنها: الولايات المتحدة تدعم أهداف الهجوم التركي في سوريا – الولايات المتحدة تدعم الأكراد؟

تكمن أصول الصراع في أن الولايات المتحدة لها سياستان في سوريا. في البداية صيغت سياسة الولايات المتحدة لدعم المعارضة لنظام الأسد. في شباط/ فبراير 2014 قال جون كيري في جنيف "إن نظام الأسد يعرقل عملية السلام. أظهرت المعارضة شجاعة ونضجا حقيقيا للهدف. طرحت المعارضة خارطة طريق منطقية وقابلة للحياة لإنشاء هيئة حكم انتقالية". وقد سعت الولايات المتحدة من أجل إظهار الأسد فاقدًا للشرعية، إلى العمل مع جماعات المعارضة السنية القابلة للحياة، كما وصفتها هيلاري كلينتون في كلمة لها أمام مجلس العلاقات الخارجية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

وقد تحركت الولايات المتحدة من خلال سلسلة من الجماعات المتمردة التي أملت في أن تدعم المعارضة المعتدلة للأسد. أحد هذه الجماعات التي أطلق عليها اسم "حزم" انهارت بعد عام في مارس/ آذار 2015. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف إن سقوط حزم "سيكون له تأثير على قدرات المعارضة المعتدلة في الشمال". واتهمت مجلة نيوزويك "الولايات المتحدة بدعم المتمردين الذين يقاتلون إلى جانب تنظيم القاعدة"، وهو زعم قلل من دعم الولايات المتحدة لهذه الجماعات، وزاد من محاولتها التدقيق في اختيارها مثل الكتيبة 13، وكتيبة فرسان الحق.

مع صعود داعش في عام 2014 وانتصارتها في سوريا والاستيلاء على مدينة تدمر في أيار/ مايو 2015، حولت الولايات المتحدة تركيزها إلى مواجهة تهديد داعش. لم يعد الأسد أولوية، وعُلقت الأفكار المتعلقة بإسقاطه. في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونجرس ادعى الجنرال لويد أوستن قائد القيادة المركزية الأمريكية، أن أربعة أو خمسة مقاتلين فقط ممن دربتهم الولايات المتحدة كانوا يقاتلون داعش في أيلول 2015.

عند هذه النقطة بدأت سياسات وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية ( سي آي إيه) ووزارة الخارجية تتباعد، وبدأت وزارة الدفاع تنظر إلى وحدات حماية الشعب الكردي وحربها الفعالة ضد داعش على أنها أفضل شريك لقوات التحالف ضد داعش. وإذا عدنا إلى خريف عام 2015 مع التدخل الروسي في سوريا، ونهاية وقف إطلاق النار في تركيا بين حزب العمال الكردستاني والحكومة، فقد كانت هناك نقطة تحول واضحة. كان من الصعب الضغط على المتمردين السوريين، وبدأت تركيا تقول علنا إن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب هما جماعتان إرهابيتان على حد سواء من وجهة نظرها. وقد أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علاقة الولايات المتحدة بوحدات حماية الشعب الكردي. وفي كلمته أمام غرفة تجارة أنقرة في يونيو/ حزيران 2015 قال أردوغان "إن الغرب الذي يطلق النار على العرب والتركمان يعمل، ويا للأسف، على إحلال حزب الاتحاد الديمقراطي (الذراع السياسية لـ"وحدات حماية الشعب") وحزب العمال الكردستاني مكانهم". وفي ديسمبر/ كانون الأول 2015 استولت القوات الكردية على سد تشرين الواقع على نهر الفرات، مما زاد من غضب الأتراك الذين أوضحوا للولايات المتحدة أن عبور نهر الفرات خط أحمر "لا يمكن أن تتجاوزه وحدات حماية الشعب الكردي".

وفي ربيع عام 2016 اشتبكت كتيبة فرسان الحق التابعة للمعارضة السورية المسلحة، والتي تردد أنها مدعومة من وكالة الاستخبارات الأمريكية، مع وحدات حماية الشعب الكردي بالقرب من المنطقة الكردية في مدينة عفرين. وذكرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز أن "الجماعات المتمردة المدعومة أمريكيا تقاتل بعضها بعضا. وقد أعطى ذلك كثيرا من الصدق لمقولة "آلة الحرب الأمريكية" التي تضاءل تأثيرها كثيرا في هذه المنطقة. لكن هذا الصدام بين الجماعات المدعومة أمريكيا كان ينبغي أن يكون أول علامة على ما سيحدث في مدينة جرابلس.

كانت علاقة تركيا بالمجموعات السورية المعارضة أكثر فعالية من علاقة الولايات المتحدة بها، فدعمتهم للسيطرة على المناطق القريبة من مدينة كيليس التركية، وأنقذت بعض المجموعات من الانهيار. لكن بعد إسقاط تركيا طائرة حربية روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 كان هناك قلق  تركي حقيقي من أن أي تدخل قد يؤدي إلى نشوب حرب، وأن أي عملية تحتاج غلى غطاء جوي. وبدلا من ذلك بدأت تركيا إغلاق حدودها بالكتل الخرسانية، وتوجيه المتمردين المدعومين بنيران المدفعية للتحرك شرق كيليس نحو مدينة جرابلس لإغلاق 90 كم من الحدود حيث تنشط داعش.

وبينما كانت تركيا تحشد الجماعات المتمرده قرب كيليس، بدأت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من وحدات حماية الشعب الكردي عملية في أيار للاستيلاء على مدينة منبج غربي نهر الفرات بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة. وقد بشرت وزارة الدفاع الأمريكية بنجاح العملية في حزيران، وقالت "بدأت عمليات طرد مقاتلي داعش من مدنية منبج والمناطق المحيطة بها في 30 أيار بدعم من قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للقوات العربية المقاومة لداعش. وأكدت وزراة الدفاع أن هؤلاء المقاتلين من "المقاتلين المحليين" وأن مجلس مدينة منبج هم قوة عربية أصيلة. كانت هذه مؤشرات على أن الولايات المتحدة  تعرف رفض تركيا لتواجد قوات كردية على نهر الفرات. ونقلت وسائل الإعلام التركية عن المتحدث باسم البنتاغون، أدريان رانكين غالاوي، قوله "العملية تتم وفقا لتعهدات الولايات المتحدة لتركيا".

كانت تركيا تعاني من آثار محاولة الانقلاب في 15 يوليو/ تموز عندما وقعت معارك مدينة منبج، لكن في التاسع من أغسطس/ آب التقى أردوغن بوتين، ويبدو واضحا الآن أنهما ناقشا عملية جرابلس. وبعد بضعة أيام أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن خطط لإنشاء مجلس عسكري لحكم الباب وجرابلس، وهما منطقتان كانت تركيا ترغب في أن تسيطر عليهما مجموعات المعارضة السورية. وعندما دخلت الدبابات التركية والقوات الخاصة وآلاف المقاتلين العرب من فيلق الشام وكتائب نور الدين زنكي وكتيبة السلطان مراد والفرقة 13 ووحدات أخرى، مدينة جرابلس في 24 آب، بدا أن الولايات المتحدة قد أُخذت على حين غرة. ووفقا لصحيفة وول ستريت جورنال "فإن الأتراك طلبوا أن تكون القوات الأمريكية الخاصة جزءا أساسيا من هذه العملية، لكن حذر البيت الأبيض من وجود رجال وثيقي الصلة بمقاتلين من تنظيم القاعدة كان مشكلة".

لا يمكن أن تكون الولايات المتحدة قد فوجئت بالتحركات التركية، فقد تحدث المسؤولون الأتراك صراحة منذ شهر آذار عن عملية برية، وإيجاد منطقة عازلة من جرابلس إلى كيليس. لكن ما فاجأ المسؤولين الأمريكيين هو أن الهجوم على جرابلس سار بوتيرة سريعة ليطوق قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تتحرك على بعد 12 كم من الجنوب. وقال جو بايدن، خلال زيارته لأنقرة وبعد 12 ساعة من التدخل التركي: "لقد أوضحنا تماما للعناصر التي شكلت جزءا من قوات سوريا الديمقراطيّة، ووحدات حماية الشّعب المشاركة، أن عليهم التراجع إلى الجهة المقابلة من النهر. هم لا يستطيعون الحصول، ولن يحصلوا، على الدعم الأمريكي مهما كانت الظروف، إذا لم يفوا بهذا الالتزام".

وقلل تصريح لجون كيري خلال زيارته لموسكو في 26 آب من أهمية الدعم الأمريكي للأكراد، وقال "نحن لا نؤيد التحرك الكردي لإقامة كيان مستقل. كانت هناك بعض الاتفاقات المحدودة مع جهات للمقاتلين الأكراد. ونحن نتعاون بشكل وثيق جدا مع تركيا خصوصا للتأكد من أن هناك فهما واضحا لقواعد التعاون الذي قد يحدث". وقال كيري: "منبج الآن محررة، وهناك توقعات أخرى لما سيحدث"، وقد ترك تصريح كيري كثيرا من الأكراد وغيرهم في حيرة. هل كان الاتفاق معهم اتفاقا محدودا؟ أبعد أن بشرت وزارة الدفاع الأمريكية وحدات حماية الشعب الكردي وجيش سوريا الديمقراطي بمزيد من التعاون الوثيق؟!

زادت وتيرة الاشتباكات بين المعارضة السورية وقوات سوريا الديمقراطية عندما تحركت القوات المدعومة من تركيا في اتجاه منبج. وقال المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك: "نطالب جميع الأطراف المسلحة المتصارعة بالتوقف فورا، واتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة". وأكد البنتاغون أن الاشتباكات حدثت في منطقة لم يعد داعش موجودا فيها بين قوات الجيش التركي وبعض الجماعات المعارضة من جانب وبين القوات التابعة لجيش سوريا الديمقراطي من جانب آخر. كان البنتاغو واضحا حين قال بأن الاشتباكات غير مقبولة.

كان بيان البنتاغون يستحضر خدعة تركيا بأن عمليتها تهدف إلى قتال داعش في مدينة جرابلس. انسحب مقاتلو داعش من جرابلس دون قتال، بعد أن قاتلوا من بيت إلى بيت في مدينة منبج (حيث سقط مئات القتلى من قوات سوريا الديمقراطية، من بينهم ثلاثة متطوعين أمريكيين في وحدات حماية الشعب الكردي). كانت هناك عشرات الهجمات الجوية الأمريكية لدعم عملية منبج. قُتل المتحدث باسم داعش، أبو محمد العدناني، في 30 آب في هجمة جوية على مدين الباب، وهو دليل على أنه بينما كانت قوات سوريا الديمراطية تشتبك مع المعارضة السورية، كانت هناك ضربات ضد أهداف رئيسة لداعش في مكان قريب. في تغريدة على حسابها في موقع تويتر رحبت قوة المهام المشتركة – عملية الحل المتأصل، بالهدوء الأخير بين الجيش التركي والقوى الأخرى التي تقاتل داعش في سوريا.

ليس من الواضح ما إذا كان الهدوء بين الجيش التركي وقوات سوريا الديمقراطية سيصمد. ووفقا لفلاديمير فان فيلجينبورج الصحفي المتابع للتطورات في المنطقة، تتكون قوات سوريا الديمقراطية في منبج في معظمها من كتيبة شمس الشمال. لكن الأتراك لن يقبلوا بوقف إطلاق النار مع وحدات حماية الشعب الكردية، ويعدونهم إرهابيين.

لدى السياسة الأمريكية في سوريا مخاوف متداخلة، فحلفاؤها من المتمردين السوريين يعارضون الأسد، لكنهم يعارضون الأكراد أيضا، لأنهم يعتقدون أن الأكراد يقوضون وحدة سوريا. أما تركيا فتعارض وحدات حماية الشعب وتنظر إليها على أنها مثل حزب العمال الكردستاني الذي تخوض معه حربا، وتركيا على مقربة من مجموعات المعارضة السورية. ويعارض النظام السوري أيضا تحركات وحدات حماية الشعب، ودخل معها في اشتباك، لكنه ليس في صراع مفتوح مع الأكراد. وبالنسبة للولايات المتحدة التي لديها أولوية الحرب على داعش، فإن الأكراد حليف أساسي على أرض الواقع من الناحية التكتيكية، لكن الأتراك والاتفاق مع إيران هي مخاوف استراتيجية رئيسية تتجاوز من يسيطر على قرية بالقرب من منبج.

ثمة أدلة كثيرة على أن وزارة الدفاع كانت في منافسة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية سي آي إيه للعثور على شركاء قادرين، وأن وزارة الدفاع كانت أكثر نجاحا في علاقتها مع الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية الذين هم أكثر فاعلية من عدد كبير من مجموعات المعارضة السورية. وقال مسؤول في الجيش الأمريكي لصحيفة ديلي بيست أخيرا "إن هزيمة الأسد شرط ضروري مُسبق لهزيمة داعش في نهاية المطاف". إن برنامج السعي للحصول على قوات معارضة سورية تحارب داعش كان كارثة كاملة، حيث ترى جماعات المعارضة أيضا أن إسقاط الأسد أولوية وليس داعش.

إن الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة هو إبعاد الأكراد، وانهيار قوات سوريا الديمقراطية في منبج، وهذا يعد نكسة لخطط الولايات المتحدة لتوجيه ضربة إلى الرقة، وقطع رأس الأفعى. لقد شجعت الولايات المتحدة من قبل وحدات حماية الشعب الكردي على التحرك في اتجاه الرقة، أما الآن ومع وجود مشاكل في منبج، فإن محاولة أمريكا حمل الوحدات الكردية على لتركيز على الرقة ستكون مشكلة. يعزز التدخل التركي في جرابلس من قوة المعارضة السورية، لكنه سيؤدي إلى تعقيد الخطوات المقبلة ضد داعش. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس