إسماعيل ياشا - عربي 21

أحداث الشغب التي شهدتها تركيا مؤخرا وسقط فيها ما يقارب أربعين قتيلا بالإضافة إلى إصابة العشرات وحرق المؤسسات الحكومية والمحلات التجارية، دفعت الحكومة التركية إلى التفكير في إعادة النظر في القوانين التي تحدد صلاحيات قوات الأمن والقيام بإصلاح شامل للحفاظ على الأمن الداخلي وتقديم مشروع قانون إلى البرلمان يمنح قوات الأمن مزيدا من الصلاحيات في مواجهة المخربين. 

الناطق باسم الحكومة التركية ونائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينتش أكَّد أن الإصلاحات المرتقبة ستكون في إطار معايير الاتحاد الأوروبي وأن الحكومة ما زالت تدرس الموضوع، لافتا إلى أن توجه الحكومة حاليا نحو منح قوات الأمن صلاحيات على غرار الصلاحيات التي تتمتع بها قوات الأمن في ألمانيا.

المظاهرات التي خرجت بحجة الاحتجاج على محاصرة مدينة عين العرب "كوباني" من قبل عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المعروف إعلاميا بـ"داعش" وكذلك المظاهرات التي خرجت قبلها بحجة الاحتجاج على قطع بعض الأشجار في منتزه "غزي" بإسطنبول، تحولت من مظاهرات سلمية إلى أحداث عنف وشغب وتخريب وسلب ونهب وقتل، وكان على الحكومة أن تتحرك لوضع حد لهذه الظاهرة حتى لا تتكرر وتخرج عن السيطرة لتحوِّل البلد كله إلى ساحة الاشتباكات والفوضى. 

المظاهرات السلمية حق مشروع لجميع المواطنين يكفله الدستور، ومن واجب الحكومة الحفاظ على هذا الحق، ولكنها في الوقت نفسه يجب أن تحفظ أرواح المواطنين والممتلكات العامة والخاصة من غضب المتظاهرين وعبث المخربين، لأن قوات الأمن إن لم تحفظ أرواح المواطنين وممتلكاتهم فإن المواطنين سيضطرون في نهاية المطاف للجوء إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم وسيسود  قانون الغابة في ظل غياب سلطة القانون.

المجموعات المتطرفة غالبا هي التي تقوم بالتخريب والحرق والقتل مستغلة وجود عدد كبير من المتظاهرين، وعناصر تلك المجموعات يخفون أنفسهم إما بارتداء الأقنعة أو التلثم حتى لا يتعرف عليهم أحد سواء أثناء خروج المظاهرات أو بعد انتهائها من خلال كاميرات المراقبة. وقد يتسلل أيضا بين المتظاهرين عملاء أجهزة استخبارات أجنبية متلثمين أو مرتدين أقنعة ليقوموا بتحريض الجماهير على التخريب والقتل والاشتباك مع قوات الأمن.

القانون الجديد يجب أن يضع حدا لاستخدام المتظاهرين الأقنعة أو خروجهم للتظاهر متلثمين لإخفاء هوياتهم، وكذلك لا بد من تجريم استخدام الزجاجات الحارقة خلال المظاهرات واعتبارها قانونيا مثل القنابل التي تشكِّل خطرا على الأرواح والممتلكات، لأنه من الواضح أن الذي يخرج إلى الشوارع ملثما أو مرتديا القناع ومدججا بالمولوتوف ومختلف الأسلحة البيضاء لم يخرج للاحتجاج السلمي وليس هدفه التعبير عن رأي.

المخربون الذين يستغلون المظاهرات السلمية يقومون بتخريب الممتلكات العامة والخاصة مخلِّفين وراءهم في بعض الأحيان عشرات الملايين من الخسائر المادية. ويخرج عدد من المخربين الملثمين ليحرقوا سيارات المواطنين ويكسروا محلاتهم التجارية، ثم يواصلون حياتهم اليومية دون أن يدفعوا ثمن جرائمهم. ولكن هذا الوضع يجب أن يتغير مع الإصلاحات الأمنية المرتقبة وأن يدفع كل من قام بأعمال التخريب ثمن الخسارة المادية التي تسبب فيها، لأنه ليس من العدل أن يدفع المواطنون بضرائبهم ثمن جرائم المخربين بينما يفلت المخربون أنفسهم من المعاقبة المالية دون أن يدفعوا قرشا واحدا. ومما لا شك فيه أن كل من تسول له نفسه العبث بالممتلكات العامة والخاصة سوف يفكر ألف مرة قبل الإقدام على ذلك إذا علم أنه سيدفع من جيبه ثمن الخسائر المادية سيلحقها وسيكون هذا رادعا له.

ليس هناك خوف من تحول تركيا إلى "دولة بوليسية" أو من "قمع الحريات" كما تروجها أحزاب معارضة، لأن الحكومة تشدد على أنه لا رجعة عن تعزيز الحريات وأن الإصلاحات الأمنية سوف تتم في إطار المعايير الأوروبية، كما أن هناك حاجة واضحة إلى سد الثغرات القانونية التي يستغلها المخربون ومن يقفون وراءهم في محاولاتهم لإشعال البلد. والمطلوب من الحكومة أن توازن بين الحفاظ على الحريات والحقوق الديمقراطية والحفاظ على أرواح المواطنين وممتلكاتهم. ويجب الحذر أيضا من منح قوات الأمن صلاحيات قد يتم استغلالها من قبل خلايا "الكيان الموازي" المتغلغلة في أجهزة الأمن لضرب الثقة بين الحكومة والمواطنين.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس