محمد زاهد غول - أخبار تركيا

من الأخطاء الشائعة عند المعلقين على المواجهة العسكرية التي تقع في بلدة عين العرب كوباني، تصوير المعركة بأنها ضد الأكراد فقط،وأن العالم بأكمله سعى لمناصرة الشعب الكردي باستثناء الحكومة التركية، التي تمتنع عن المساعدة وهي الأقرب لهم جغرافياً، والأقدر على المساعدة بما تملكه تركيا من إمكانيات عسكرية وسياسية وبحكم أنها دولة مشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ويتم تصوير الأمر أن الأكراد يستغيثون بتركيا بينما تركيا تفكر بمشاكلها الخاصة مع الأكراد ولا تستجيب لهم، بل تمنع المساعدة عن الشعب الكردي وتمنع المتطوعين الأكراد من الذهاب إلى عين العرب كوباني للدفاع عن إخوتهم الأكراد. فهذه معلومات معروفة ولكنها بحاجة إلى إضافات ضرورية حتى يتم الإلمام بالمشهد القائم في عين العرب كوباني، ومعرفة من هي الجهة المقصرة، وهل لتركيا دورٌ في التقصير في حماية الأكراد في سوريا وكوباني؟ أم أن الأكراد أنفسهم يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية في حماية أنفسهم. ولماذا لا يتم التفكير بالموقف التركي بأنه يحمي الأكراد من التورط وحدهم بحرب كبيرة، والتحالف الدولي يتفرج عليهم.

بداية لا بُد من القول بأن الأزمة ليست بين الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، كواجهتين مختلفتين، لأن الدولة الإسلامية عملت على السيطرة على هذه المنطقة الجغرافية في العراق وسوريا بغض النظر عن القوميات التي تسكن هذه المناطق، فهي لم تسيطر على هذه المناطق لأن فيه الأكراد، وسيطروا على أماكن في العراق فيه عرب وتركمان، وبالتالي فإن من ضخّم معركة كوباني وحصرها بمأساة أو مذبحة يتعرض لها الأكراد في هذه المدينة، كان يمارس تغطية إعلامية تحرف مسار الرؤية عن الواقع القائم الخطير ويقوم بتحجيمه بمأساة بلدة صغيرة لم يكن يزيد سكانها عن مائة وخمسين ألف مواطن، جميعهم أصبحوا الآن في الأراضي التركية، فالأكراد وقعوا ضحية الإعلام العالمي الذي ضخم أزمة كوباني، وجعلها مأساة إنسانية غير حقيقية، لأن المواطنين الأكراد المدنيين أصبحوا خارجها 100%، بالمفهوم العسكري، وهم في الأراضي التركية تحديداً، أي ان المأساة الإنسانية هي في المخيمات التركية التي فتحت لجميع اللاجئين إليها وليسوا في كوباني، ولكن أمريكا أرادت من بلدة عين العرب كوبانيأن تكون أرض معركة برية مع تنظيم الدولة، وحاولت أن تدفع بالدولة التركية إلى أن تحارب داعش في حرب برية في كوباني بحجّة حماية الأكراد، بينما أمريكا نفسها لا تريد أن ترسل جنديا واحداً، فلما رفضت الحكومة التركية الدخول في الأراضي السورية دون تغطية قانونية دولية، وطالبت أن تكون الأراضي في شمال سوريا أراضي آمنة ومنطقة حظر جوي، أرادت بذلك حماية الشعب الكردي في شمال سوريا بطريقة صحيحة وسلمية، بحيث يكون كل طيران التحالف الدولي قادراً على حماية الأكراد في كل شمال سوريا وليس في عين العرب كوباني فقط.

هذه المعادلة التركية هي أفضل للأكراد من الحل الأمريكي، الذي يريد قيام معارك برية مع الدولة الإسلامية وعلى أرض عين العرب كوباني تحديدا، وهنا ينبغي التفكير السليم، ومن هو الأصوب في هذا التصور والتحليل، ومن يعمل على تدمير عين العرب كوباني، هل هي تركيا أم أمريكا، فالذي يخطط لجعل أرض عين العرب كوباني أرض معركة هو الذي يريد تدمير عين العرب كوباني، والقيادة الأمريكية الوسطى تقول بأن عين العرب قد تسقط بأيدي الدولة الإسلامية، وتريد من شعوب المنطقة الأتراك والأكراد والعرب أن ينخرطوا في حرب برية مع الدولة الإسلامية دون ضمانات دولية لمآلات هذه الحرب، ولذلك فإن رفض تركيا دخول هذه الحرب في عين العرب كوباني هو لصالح الشعب الكردي قبل غيره، بل قبل حماية تركيا نفسها، فالهدف التركي حماية كوباني من حرب مدمرة.

لذلك لما تأكدت أمريكا بأنها لم تستطع مخادعة الحكومة التركية بمحاربة الدولة الإسلامية في عين العرب كوباني، وكذلك امتنع العرب تقديم هذا الدعم لأسباب كثيرة، اضطرت أمريكا إلى توسيع توريط الشعب الكردي لدخول عين العرب كوباني سواء كانوا من الأكراد السوريين من كوباني أو من الرقة أو من الحسكة أو من دير الزور أو من الأكراد العراقيين، فهذه المساعدة تتفهمها تركيا ولكن تدرك أنه توريط للأكراد في حرب مهلكة مع وجود إمكانية لحماية الأكراد من أن يكونوا وحدهم ضحايا داعش في عين العرب كوباني، وبالأخص إذا كان التحرك العسكري من التحالف الدولي نفسه، وترفض الحل التركي الذي يحمي الشعب الكردي.

ولذلك من الخطأ النظر إلى المواقف التركي على أنه معادٍ للموقف الكردي لأنه ينظر إلى مصالحه مع الأكراد داخل تركيا فقط، أو أن الحكومة التركية تتخوف من انتقال الأسلحة التي يتم تزويد للأكراد إلى داخل تركيا،أو أن تستعمل ضد الشعب التركي، فهي مخاوف تركية موجودة ولكنها ليست هي الأصل في الموقف التركي، وإنما الأصل والأساس عدم استبدال الحلول الصحيحة بحلول خاطئة، ولأن الحلول الخاطئة سوف يكون الأكراد أول وأكثر الخاسرين منها، وهذا ما سوف يظهر بعد أن اتخذت القيادة الأمريكية الوسطى خطوة مستقلة عن الأتراك بنقل أسلحة ومعدات ومساعدات لوجستية من كردستان العراق إلى عين العرب يوم 20/10/2014 وألقيت من الجو بواسطة الطائرات الأمريكية، فهذا السلوك سوف يزيد المعارك اشتعالاً دون أن يحقق النصر للأكراد، ولذلك فإن أمريكا رفعت عن نفسها المسؤولية والمساءلة على هذه العملية العسكرية، بان أصدرت القيادة الأمريكية الوسطى بيانًا أعلنت فيه أنها قامت بذلك بطلب من رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني، وأنها لم تسلك في هذه الطائرات المجال الجوي التركي، وذلك يدل على أنها تتنصل من المسؤولية عن هذه العملية وعن عواقبها في المستقبل، وفي نفس الوقت أكد البيان الأمريكي أن تركيا لم تشارك في هذه العملية ولو في توفير أجوائها الجوية.

وما صدر عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أغلو بأن تركيا سوف تقدم تسهيلات للأكراد الذين يريدون أن يقاتلوا في عين العرب كوبان، فهذا رأي سبق للحكومة التركية أن تحدثت عنه، وهو السماح لكل السوريين الذي دخلوا الأراضي التركية خلال الشهر الماضي وقبله سواء كانوا من عين العرب أو غيرها، فطالما هم سوريون فان تركيا لن تمنعهم من العودة إلى بلادهم وهم أحرار أن قاتلوا في عين العرب كوباني أم لم يقاتلوا، فالأتراك سوف يقدمون هذه التسهيلات للأكراد السوريين الانضمام لإخوتهم في عين العرب كوباني، وما كان ممنوعاً هو السماح للأكراد الأتراك أو غير السوريين، سواء كانوا أكراداً أو عرباً أو اتراك، فهذا ممنوع بقرارات دولية، وهو عدم السماح للمقاتلين الأجانب الدخول إلى أراضي النزاعات العسكرية.

وإذا وجد خصوصية بالسماح للأكراد من البشمركة العراقية فهو خاص بالبشمركةالعراقية، لأن دخولهم إلى عين العرب كوباني سوف يكون ضمن الضمانات السياسية والعسكرية التي تطالب بها تركيا، فالأكراد العراقيون البشمركة سوف يكون دخولهم محدوداً ولمهمات خاصة ومتفق عليها بين الحكومة التركية ورئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الذي يرتبط بعلاقات حسنة وممتازة مع الحكومة التركية، فإذ وجد من تسهيلات تركية فهي تلبية لطلب البرزاني فقط، ولا بد أن ذلك ضمن تفاهمات بين الحكومة التركية وإقليم كردستان، ومن المؤكد أنهم لن يتحولوا إلى قوات مناهضة للدولة التركية، ومع ذلك وإن كانت تركيا تستجيب للمطالب البرزانية إلا انها تعتبر ذلك ليس هو الحل الأفضل، أي أن الحكومة التركية لم تغير موقفها وإنما تثبت حسن نية لحكومة إقليم كردستان.

ومن الخطأ القول إن تركيا تتمنى رؤية سقوط عين العرب كوباني بأيدي داعش، بدليل أن تركيا وافقت على طلب السيد مسعود برزاني لإرسال البشمركة عراقية للقتال في عين العرب كوباني، فهذا دليل على أنها تتمنى أن ترى صديقاً لها يسيطر على شمال سوريا وكل سوريا بدل النظام الأسدي القاتل، وبدل الأحزاب الكردية الإرهابية التي اضطهدت الشعب الكردي في سوريا اكثر من النظام الأسدي نفسه، ففي ظل سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي نزح إلى تركيا مئات الألوف الأكراد هرباً من استبداد وظلم حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الكردي، الذي سلمه النظام السوري المناطق الكردية الشمالية دون قتال حتى يقف في وجه المعارضة السورية ويقاتلها بالنيابة عنه، فالعبرة بالمواقف الكردية المتناقضة فيما بينها وخضوعها لسياسات متناقضة أيضاً لدول الجوار.  

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس