إرول غوكا – صحيفة يني شفق ترجمة وتحرير ترك برس

عندما دعيت قبل عام ونصف، لأكون ضمن "هيئة العقلاء" لتحقيق عملية السلام، ذهبت إليها مهرولا، ولو كانت أي حكومة وأي نظام يدعونني "لوقف إراقة الدماء" لهذبت مجددا بنفس الحماس، لأنني هنا أعتبر أنّ هذا الموضوع أهم من الداعين إليه.

لا شك أنّ الحقوق والقضاء لا يكفيان أبدا لإدارة شؤون الدولة، ولمنع الإجرام، كما لا تكفي القوة العسكرية لتحقيق ذلك، فالأساس في بسط سيطرة القانون والحقوق والأخلاق، وأساس سير المجتمع بصورة سليمة وصحيحة، هو "المسؤولية المشتركة" بين المواطن والدولة، فحتى لا تنتهك الحرمات ولا تزهق الأنفس، يجب على المواطنين التحلي بالأخلاق ومعرفة حقوقهم وواجباتهم، وعلى الدولة مساعدتهم في تحقيق ذلك.

في تلك الأثناء –أي قبل عامين- احتكمنا للشارع، وانتشرت الغيبة والنميمة، وبدأت حملات الفتنة والفساد، ونثر بذور الكراهية والحقد وسط أبناء شعبنا. ونحن في الهيئة، صبرنا، ووضعنا على الرف كل ما كان يُلقى علينا من المعارضة وغيرها من الأطراف المعادية لعملية السلام، وواصلنا مسيرتنا، لنحقق في النهاية المطلوب منا، وقدمنا تقريرنا في شهر تموز/يوليو عام 2013.

وبعد مدة، ظهرت ثمار هذه الدراسة والأبحاث والتقييمات التي قمنا بها على عملية السلام، وبعد مرور ما يقارب على 15 شهر، طلبت الحكومة مجددا عقد اجتماع مع "هيئة العقلاء" يوم الاثنين الماضي (19-10)، وكننا ننتظر عقد هذه الاجتماع خصوصا بعد الأحداث المشئومة التي حصلت في الفترة بين 6-8 تشرين الأول/أكتوبر، وهذا ما حصل وقد شاركت في الاجتماع المذكور.

كان اجتماعا مطولا، تخلله حديث رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي ما أنْ استمعت إليه حتى تذكرت المرحوم "علي عزت بيغوفيتش" الملقب ب"الملك الحكيم"، فمع أن كلاهما –داود أوغلو وبيغوفيتش- ليسا بملوك، إلا أنهما –بلا شك- يشكلان نموذجان مثاليان للحكماء في عصرنا الذي يعاني من قلتهم.

ربما يعتبر البعض أنني أصدرت حكما مستعجلا على داود أوغلو، لكنني اعتقد أنّ كل من يعرف داود أوغلو عن قُرب يدرك هذه الحقيقة، وسيدرك عامة الناس ذلك مع مرور الوقت وفي المستقبل القريب.

تحدث داود أوغلو عن أهمية الحفاظ على عملية السلام من التأثيرات المحلية، والمحيطة، والخارجية، وكان في خطابه يتحدث عن كون عملية السلام، عملية متكاملة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية وجيوسياسية.

وبعد حديثه وخطابه، استمع لرؤية كل شخص في الهيئة ولوجهة نظره، دون أن يظهر عليه أي كلل أو ملل أو تعب، فلقد استمع في ذلك الاجتماع إلى آراء 52 شخصا، وأنا كنت من بين المتحدثين، وقد أثنيت على  تمسك الحكومة بعملية السلام، وذكرت بأنّ الأحداث الأخيرة قد أحدثت جرحا غائرا في مساعي السلام، وأشرت إلى تصرفات البعض من الأكراد الذين يعادون عملية السلام، من خلال القيام بأعمال عنف متعددة طيلة الفترة الماضية، انتهاء بأحداث الشغب والفوضى التي قاموا بها متذرعين بالأحداث الجارية في عين العرب "كوباني".

في نهاية الاجتماع تحدث رئيس الوزراء مجددا، ليؤكد على تمسك الحكومة بعملية السلام، وعزمها وإصرارها على تحقيقها، وأنهم سيتخذوا كل السبل الممكنة لتعزيز الديمقراطية والحرية، وأنهم لن يتراجعوا قيد أنملة عن ذلك. وتحدث بصورة مفصلة عن الأحداث وردات الفعل التي جرت من قبل الأكراد ممثلين بحزب الشعوب الديمقراطي، وطلب من الهيئة أن تصحح أي أخطاء تراها في تصرف الحكومة دون حرج، وطلب منا أن نكون عادلين منصفين ومحايدين، وأنه ينتظر تحقيق مبادرة جديدة من قبل هذه الهيئة.

في أثناء حديثه كان مقنعا جدا، ولا شك أن قوّة الإقناع والإصرار على العمل هي موهبة من الله، لكن لم يكن داود أوغلو ليصبح كذلك لولا ما حصل عليه من تعليم، ولولا تراكم تجاربه وخبراته. ومصدر خبراته، هي ما قام به من تناول لمسائل هامة وصعبة وحرجة جدا في العالم، خلال جلسات الأمم المتحدة، منها مسألة البوسنة والهرسك مع الصرب، والمسألة السورية وكذلك القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا الحساسة.

وندرك اليوم تماما أنّ عملية السلام،وكما كانت بالأمس، هي اليوم في أيادٍ أمينة.

عن الكاتب

إرول غوكا

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس