ماكسيم يوسين - صحيفة كوميرسانت - ترجمة وتحرير ترك برس

أُلغيت الهدنة التي اتُّفِق عليها يوم الأربعاء، والتي كان من المفترض أن تُمكن المعارضة والمدنيين من الخروج من المدينة للهروب من القصف، وهو ما دفع بالدول الغربية وتركيا إلى توجيه اللوم لنظام الأسد وحلفائه بسبب خرقهم لاتفاق وقف إطلاق النار.

هذا يشير إلى أن أزمة حلب أصبحت تمثل تحديا جديدا في العلاقات  التركية الروسية؛ إذ أن الدبلوماسيين الأتراك لم يخفوا تنديدهم وعدم رضاهم تجاه السياسة الروسية بعد خرق الهدنة. وقد دارت مكالمة هاتفية بين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان مساء الأربعاء، تم خلالها مناقشة التطورات الأخيرة في حلب.

توقف إطلاق النار لكن لم يدم طويلا

معركة حلب أو ما يسمى بالمعركة الرئيسية في الحرب السورية التي تقترب نهايتها، تعد القضية التي تشغل في الفترة الأخيرة العالم كله. وقد وافقت الأطراف المتنازعة على وقف إطلاق النار، تحت رعاية تركيا وروسيا، يوم الثلاثاء الماضي، وكان الاتفاق ينص على توفير ممرات تسمح لآخر المدافعين عن الأحياء الشرقية بمغادرة المدينة بسلام.

وقالت السلطات السورية إنها خصصت 20 حافلة لنقل المعارضين إلى شمال غرب البلاد، بمحافظة إدلب التي ما زالت تحت سيطرة المعارضة السورية، إلا أنه ورغم هذه التعهدات وقع خرق الهدنة واستئناف القتال.

وعلى ضوء هذه التطورات، شنت كل وسائل الإعلام الدولية حربا على النظام السوري، على خلفية الانتهاكات المتكررة وغير الإنسانية التي ترتكبها قواته في حق سكان وأطفال حلب. وتجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الغربية ساهمت في فضح ممارسات النظام وفي تحريك عواطف المجتمع العالمي، حيث نشرت الكثير من القنوات العالمية "رسائل وداع" لسكان حلب، إشارة إلى عمليات الإبادة التي يواجهها سكان المدينة في حال استمرار القتال داخل مربع ضيق ومكتظ بالمدنيين.

كما تحدثت العديد من القنوات التلفزيونية عن معاناة سكان شرق حلب؛ ودعت العالم لإنقاذ السكان من عمليات القتل الجماعي؛ كما حثت المجتمع الدولي على الاحتجاج أمام السفارات وأمام مقر الأمم المتحدة.

الدور التركي

فشل الهدنة أدى إلى تبادل التهم بين الأطراف المتنازعة. وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية التركي "جاويش أوغلو" عن استيائه. كما ألقى اللوم على دمشق وحلفائها بما في ذلك روسيا؛ قائلا إنه يرى الآن أن "النظام السوري ومن يدعمه يحاولون منع تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار". وقد قصد الوزير التركي بحديثه روسيا وإيران والمليشيات التي تدعمها إيران.

 كما طالب جاويش أوغلو بفتح الممرات على الفور في شرق حلب لخروج المدنيين. أما الشعب التركي فقد عبّر عن دعمه لوزير خارجيته وعن رفضه لما يحصل في حلب عن طريق الاحتجاج أمام القنصلية العامة لروسيا في إسطنبول، للتنديد بممارسات موسكو في سوريا وبمسؤوليتها في "تدمير حلب".

وبهذا يكون الوضع في حلب قد وضع العلاقات الروسية التركية تحت الاختبار من جديد، وهي التي بدأت بالتعافي للتو، بعد الأزمة التي اندلعت على إثر حادثة الطائرة التي جدت منذ سنة تقريبا، وفي هذا الخصوص تحدث كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي خلال مكالمة هاتفية جمعتهما عن الأوضاع الراهنة التي تعيشها مدينة حلب.

وناقش وزير الخارجية التركي في الوقت نفسه موضوع حلب مع نظيريه الإيراني جواد ظريف والأمريكي جون كيري، ومن بين البلدان التي صرّحت بدعمها للمعارضة السورية ضد نظام الأسد الدكتاتوري، كانت تركيا في صدارة هذه القائمة، حيث أنها لعبت دور الوسيط الرئيسي في المفاوضات.

ومع ذلك عبرت موسكو على رضاها التام بالوضع، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الجهود المشتركة بين موسكو وأنقرة يمكن أن تكون "أكثر فعالية خلال المفاوضات المعمقة التي ستُجرى مع الولايات المتحدة الأمريكية".

برلين تتحدث عن عقوبات

بينما اكتفت أنقرة بالانتقاد والتنديد الذي عبر عنه ديبلوماسيون أتراك، أعرب ممثلو الدول الغربية عن انتقادهم بطرق أكثر حدة، إذ أن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية، "شتيفين زايبرت"، صرح بضرورة فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، على خلفية ما قامت به قواتها في حلب.

كما أفاد بأن مسألة العقوبات على رأس جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، وقال: "نحن نعلم أن الدمار الذي وقع في حلب كان من المستحيل أن يحدث دون المساعدة العسكرية التي حظيت بها سوريا من قبل روسيا، التي لم تمنع الجرائم التي ارتُكبت في حق سكان حلب في الأيام الأخيرة، على الرغم من قدرتها على ذلك". مشيرا بذلك إلى الاتصال الهاتفي، الذي جمع فلاديمير بوتين بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الذي دعته من خلاله إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن.

كما ندد وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون بما قامت به القوات النظامية بالتعاون مع القوات الروسية والإيرانية، قائلا إن "الديكتاتور بشار الأسد فعل أسوء ما يمكن القيام به، جنبا إلى جنب مع حلفائه؛ روسيا وإيران، وكانت نتيجة ذلك حدوث المجزرة الأكثر دموية في القرن الواحد والعشرون".

وقد رد وزير الخارجية الروسي غيابيا على نظيره البريطاني، حيث نفا تقارير وسائل الإعلام الغربية حول "الإبادة الجماعية" ضد سكان حلب، قائلا: "أنا أعرف تقييم المنظمات الإنسانية المستقلة عن كثب، ولا أحد يؤكد البيانات التي تزعم بارتكاب النظام لفظائع في حلب الشرقية"، نافيا بذلك كل التهم الموجهة لبلاده.

حلب بالمقارنة مع رواندا وسربرنيتشا

وخلال اجتماع طارئ لمجلس الأمم المتحدة في الولايات المتحدة الأمريكية في نيويورك، حصلت العديد من المشادات الكلامية على خلفية خرق الهدنة المتفق عليها في حلب، حيث قدم الممثل الدائم لفرنسا لدى الأمم المتحدة، فرانسوا ديلاتر، تقارير موجزة عن إعدامات تمت في حق سكان حلب نفذتها قوات النظام السوري، كما حث المجتمع الدولي على القيام بردود فعل ناجعة "أمام أكبر كارثة إنسانية عرفها القرن الحادي والعشرون".

وصرح الممثل الدائم للولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة؛ بأن الوضع في سوريا يحاكي أبشع الأحداث التي مر بها التاريخ وأكثرها تعبيرا عن الشر، إذ تكاد تشابه أحداث حلب هجوم الغاز الذي نفذه نظام صدام حسين ضد أكراد العراق سنة 1988؛ والإبادة الجماعية التي حصلت في رواندا سنة 1994؛ فضلا عن مذبحة سربرنيتشا التي ارتكبتها قوات من الجيش الصربي وراح ضحيتها قرابة 8 آلاف مسلم من البوسنيين الذين يقطنون بلدة سربرنيتشا في سنة 1995.

وأضاف موجها حديثه لنظيره الروسي، فيتالي تشوركين، الممثل الدائم لدى لأمم المتحدة، إن "نظام الأسد وروسيا وإيران هم من يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم، بالتعاون مع مليشيات يحركونها كالدمى، حيث أن القنابل والقذائف والضربات الجوية مكنتهم من تطويق الآلاف من المدنيين ومن سحب رقابهم إلى حبال المشانق"، معتبرا أنه "يجب على روسيا أن تخجل من ذلك".

ولم يكن رد تشوركين أقل حدة، حيث قال إنه لا يريد التذكير بما يتعلق بدور الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة في تشكيل تنظيم الدولة، بعد غزو العراق في سنة 2003، بالإضافة إلى دورهم في تفاقم الأزمة السورية. كما رد ساخرا على الخطاب الذي قدمه نظيره الأمريكي قائلا: "إن البيان الذي قدمه الممثل الأمريكي ذكرني بالأم تيريزا، أيمكن أن تذكرني بالبلد الذي تمثله؟ أرجو أن تنظر إلى السجل الحافل لبلادك ثم لنتحدث من وجهة نظر أخلاقية".

وفي خضم التراشق بالتهم بين جميع الأطراف في المجتمع الدولي؛ تبقى أنقرة مصرّة على رأيها فيما يخص دعمها للمعارضة السورية وتنديدها بممارسات النظام السوري تجاه المدنيين والعُزل في حلب التي كانت سابقا تحت سيطرة المعارضة السورية.

ونظرا لتورط موسكو في هذه الجرائم التي أدانها المجتمع الدولي، فمن الممكن أن تشهد العلاقات الروسية التركية اختبارا جديدا صعبا ربما يؤدي إلى انتكاسها من جديد، خاصة وأن موسكو تصر على دعمها لبشار الأسد رغم كل التهم الموجهة إليه، بالإضافة إلى أنها المسئولة الأولى على نقض الاتفاق الذي ينص على وقف إطلاق النار بصفة كلية في شرق حلب بالنسبة لأنقرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!