علي فايز - نيويورك تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس 

المنافسة الدائرة اليوم بين تركيا وإيران هي أحدث تكرار للعبة النفوذ القديمة، صراع بدأه الأسلاف البيزنطيون والفرس للسيطرة على بلاد ما بين النهرين، العراق وسوريا اليوم. وفي حين ظل التنافس بينهما قائما خلال تحول البلدين من إمبراطورية إلى دولة قومية، فقد تمكنا من الحفاظ على السلام بينهما ما يقارب مائتي عام.

لكن تركيا وإيران في الوقت الراهن تسيران في مسار تصادمي، بسبب مشاركتهما بوصفهما القوتين السنية والشيعية الرئيستين في المنطقة، في الصراعات الطائفية المتفاقمة في العراق وسوريا. إن عدم قدرة البلدين على التوافق يحمل في طياته احتمال تقويض العلاقات القوية التي تطورت على مدى العقدين الماضيين أو تراجعها، حيث إن اقتصادهما صار متداخلا تداخلا متزايدا.

كيفية اختيار البلدين نشر قواتهما، وما إذا كان بمقدورهما التغلب على خلافاتهما هي أمور ذات أهمية حيوية في تحديد مستقبل الشرق الاوسط . تشير الديناميات الحالية إلى التوجه نحو مزيد من سفك الدماء، وتنامي عدم الاستقرار، ومخاطر أكبر نجو مواجهة عسكرية حنى لو كانت غير مقصودة.

التدخل العسكري التركي في تركيا والعراق في جزء منه يأتي ردا على الاعتقاد بأن إيران تعتدي على نحو متزايد على مناطق نفوذها التاريخي، ولا سيما حول ساحات القتال في حلب والموصل بالقرب من حدودها الجنوبية. التدخل التركي أيضا هو محاولة لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي "بي واي دي" التابع للعدو القديم حزب العمال الكردستاني، من الاستيلاء على مزيد من الأراضي.

تتقدم المعارضة السورية المدعومة من الجيش التركي حاليا ياتجاه الجنوب، بعد أن طردت تنظيم الدولة الإسلامية من بلدات جرابلس والراعي ودابق بالقرب من الحدود التركية بين شهري آب/ أغسطس وتشرين الأول/ أكتوبر. تقف المعارضة السورية الآن على أبواب مدينة الباب، وصار الجو مهيأ للمواجهة. يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدينة الباب ذات الأهمية الاستراتيجية، لكن المدينة تعد مطمعا لآخرين: حزب الاتحاد الديمقراطي المدعوم من الولايات المتحدة من الشرق، والجيش السوري والقوات المتحالفة مع إيران من الجنوب. وقد زعم بعض المسؤولين أن طائرة بدون طيار إيرانية الصنع قتلت أربعة جنود أتراك في هجوم جوي بالقرب من الباب في ال24 من تشرين الثاني/ نوفمبر.

يزداد الاحتكاك بين البلدين والقوى التابعة لهما تزايدا مقلقا في وقت وصلت فيه الثقة المتبادلة بينهما إلى الحضيض.

تفسر طهران السياسة التركية في سوريا على أنها في المقام الأول نتاج طموح العثمانية الجديدة لاستعادة نفوذها، وتمكين السنة المؤيدين لتركيا من السيطرة على الحكم في المناطق التي حكمها الأجداد العثمانيون. قال لي مسؤول في الأمن القومي الإيراني: "ما الذي تغير في سوريا بعد أن بدأت الحرب الأهلية؟ لم تتغير طبيعة الحكومة ولا العلاقات الإيرانية معها، ولكنها الطموحات التركية". وعلاوة على ذلك تلقي إيران اللوم على تركيا لعدم وقف تدفق الجهاديين صوب سوريا عبر الأراضي التركية ومنحهم الدعم اللوجيتسي والمالي.

وفي السياق نفسه يؤكد المسؤولون في أنقرة أن إيران تسعى لإحياء النسخة الشيعية من الإمبراطورية الفارسية القديمة. في مارس / آذار 2015 اتهم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إيران بأنها تحارب تنظيم داعش في العراق من أجل أن تحل محله فقط. وتقول تركيا أيضا إن حشد إيران للميليشيات من لبنان والعراق وأفغانستان لحماية حكم الأقلية العلوية على الأغلبية السنية في سوريا، قد زاد التوترات الطائفية سوءا، وأعطى المتطرفين السنة أداة قوية للاستقطاب.

حاول البلدان البناء على المصالح المشتركة- هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية أو على الأقل تهميشها، وكبح صعود الأكراد الذين يطالبون بالحكم الذاتي، لكن الشكوك العميقة حول الطموحات الأخرى لكل بلد للاستفادة من الفوضى منعتهما من الوصول إلى هذه التسوية التي يمكن أن تقلل من التوترات.

ومن أجل عكس هذا المسار وتجنب ما هو أسوأ، تحتاج تركيا وإيران إلى التغلب على انعدام الثقة، والذهاب بعيدا عن مجرد إدارة الخلافات- وما قد يترتب على الخلافات من مخاطر وقوع حوادث وسوء تقديرات وخلل الاتصالات- والاعتراف بصراحة بالمصالح الجوهرية والمخاوف الأمنية لكل منهما.

ولتحقيق هذه الغاية يحتاج البلدان إلى إيجاد قناة مفاوضات مستمرة على مستوى عال بشأن العراق وسوريا. لكن وتيرة مثل هذه اللقاءات ما تزال إشكالية حتى الآن: لقاءات دورية على مستوى مسؤولين كبار تدوم يوما أو يومين، تليها فترات طويلة طويلة نسبيا من الفراغ الدبلوماسي تمتلئ بتصعيد الحروب بالوكالة والمزايدة. يجب على السيد أردوغان وعلى خامنئي تعيين ممثلين شخصيين في السلطة لإدارة القناة الدبلوماسية.

وبعيدا عن ذلك ينبغي للحكومتين أيضا إيجاد السبل لزيادة التعاون والثقة، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية من أجل محاربة أفضل للأعداء المشتركين، وتحاشي الصدامات العرضية، وتنسيق الخطوات التي يمكن أن تنزع فتيل التوترات حيث تصطدم مناطق نفوذهما. وكخطوة أولى في هذا الصدد قد تعرض إيران كبح الميليشيات الشيعية في شمال العراق المنتشرة في محافظة نينوى في مقابل موافقة تركيا على سحب دباباتها وغيرها من الأسلحة الثقيلة من المنطقة. يجب على الولايات المتحدة وروسيا اللتين تملكان علاقات علاقات عسكرية قوية مع تركيا وإيران على التوالي أن تدعما مثل هذه الخطوات على الرغم من خلافاتهما.

لا يوجد من بين الدول المشاركة في الحروب بالوكالة في سوريا والعراق من هي أكثر ملائمة للسعي إلى توافق من تركيا وإيران. وبوصفهما دولتين ناضجتين لهما تاريخ طويل من العلاقات السلمية، لا ينبغي لهما أن يسمحا لأنفسهما بالانجرار إلى مستقبل مجهول . من خلال إيجاد أرضية مشتركة فقط يمكن للبلدين أن يسهما في مزيد من الاستقرار والأمن للمنطقة، لأن البديل سيكون ازدياد الفوضى والمعاناة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس