مركز ستراتفو للدراسات الاستراتيجية - ترجمة وتحرير ترك برس

بالنسبة إلى تركيا والاتحاد الأوروبي يبدو أن الاتحاد الاقتصادي يجري بسرعة أكبر من الاتحاد السياسي. لم تحقق مفاوضات انضمام تركيا تقدما يذكر منذ إعلان تركيا مرشحا رسميا للانضمام إلى الاتحاد عام 1999. وعلى النقيض من ذلك ازدهرت العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا على مدى العقدين الماضيين. وقعت تركيا اتفاقية اتحاد جمركي مع الاتحاد منذ ديسمبر/ كانون الأول 1995، على الرغم من أن أساس الاتفاقية كان مطروحا منذ سبعينيات القرن الماضي. أما اليوم فإن الاتحاد الأوروبي هو الشريك التجاري الرئيس لتركيا، وحتى بعد أشهر من تصاعد التوتر بين بروكسل وأنقرة  فإن علاقتهما التجارية يبدو أنها لم تتضرر.

يوم الأربعاء طلبت المفوضية الأوروبية من حكومات دول الاتحاد تفويضا لبدء مفاوضات لتحديث اتفاق الاتحاد الجمركي وتوسيعه. يمثل هذا الطلب تذكيرا بأنه على الرغم من الخلافات بين تركيا والاتحاد الإوروبي، فإنهما ما يزالان مستعدين للتعاون في بعض المجالات، وأن التجارة هي مجال جيد للبدء به.

تقدم اتفاقية الاتحاد الجمركي بين تركيا والاتحاد الأوروبي في شكلها الحالي تعريفة خارجية مشتركة للمنتجات الصناعية، وهذا الترتيب لا يمكّن تركيا من تصدير المنتجات مثل الماكينات إلى الاتحاد الأوروبي فحسب، بل إنه يسمح أيضا للشركات الأوروبية بتصنيع منتجاتها في تركيا بتكلفة منخفضة ثم إعادة استيرادها لمعالجة إضافية. لكن الاتفاقية تستبعد المشتريات الحكومية والخدمات ومعظم المنتجات الزراعية، وهو ما تأمل المفوضية الأوروبية في تناوله في جوله جديدة من المفاوضات. أما أنقرة التي تبحث عن طرق للخروج من ركودها الاقتصادي، فإنها حريصة على إعادة استئناف المحادثات حول اتفاقية الاتحاد الجمركي.

عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي مقارنة مع التجارة هي موضوع أكثر تعقيدا بكثير بين الدول الأعضاء في الاتحاد، حيث تشعر كثير من دول الاتحاد الأوروبي بالقلق من أن ضم تركيا سيشجع الهجرة الجماعية من البلاد إلى أوروبا الغربية، الأمر الذي يضاعف متاعب الهجرة في القارة. وحيث إن تركيا دولة يبلغ تعدادها 75 مليون نسمة، فإن بعض دول الاتحاد تشعر بالقلق من أن انضمامها سيخل بموازين القوى في الاتحاد الأوروبي، حيث تملك كل دولة عدد أصوات وفقا لعدد سكانها، بينما تفضل قوى أخرى في الاتحاد إبقاء تركيا خارج الاتحاد لأنها بلد مسلم. وباستثناء عضوية الاتحاد الأوروبي فإن كثيرا من الوعود التي قدمها الاتحاد لتركيا جزءا من اتفاقية الهجرة، مثل الإعفاء من التأشيرات، كلفت القادة الأوروبيين سياسيا.

وعلى الرغم من أن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اشتكى من بطئ  خطوات الاتحاد السياسي مع الاتحاد الأوروبي، فإنه قدم تسهيلات وأعطى الأولوية للتكامل الاقتصادي مع الاتحاد. وبالنتيجة تتجاوز الفوائد الاقتصادية للحفاظ على العلاقات التجارية العميقة مع أوروبا المكاسب المحتملة التي يمكن أن يقدمها إعفاء المواطنين الأتراك من التأشيرة، وهذا ما يفسر السبب في أن الاتحاد الأوروبي وتركيا ما يزالان يستطيعان التعاون في مجال التجارة على الرغم من علاقاتهما الثنائية المتوترة. وفي حين يلح أردوغان على محادثات الانضمام المتوقفة في محاولة لحث بروكسل على تلبية مطالب أنقرة، فإن قادة أتراك، مثل وزير الاقتصاد، نهاد زيبكجي، يؤكدون باستمرار على القيمة الملموسة لتوسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي.

المفاوضات التجارية قد تكون موضع ترحيب من أنقرة، حيث إن الاقتصاد التركي بدأ في التراجع. في الربع الثالث من العام الحالي انكمش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد للمرة الأولى منذ سبع سنوات، وفي الربع الرابع وصلت الليرة إلى أدنى معدل لسعر الصرف. خلال الدورة التشريعية الأخيرة حدد نهاد زيبكجي مراجعة اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي هدفا لعام 2017 لإنعاش الاقتصاد المتعثر، كما أعرب عن أمله في أن تتمكن تركيا التي تحتل المركز السابع بين الدولة المستوردة من الاتحاد الأوروبي والخامسة بين الدول المصدرة، من أن ترفع حجم صادرتها إلى الاتحاد الأوروبي من 48.5% إلى 60% في ظل توسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي.

وإلى جانب المزايا الاقتصادية التي يمنحها تعديل اتفاقية الاتحاد الجمركي لتركيا والاتحاد الأوروبي، فإن لدى بروكسل وأنقرة دوافع سياسية لاستمرار المفاوضات حول الاتفاقية. من وجهة نظر الاتحاد فإن استئناف المحادثات بشأن الاتحاد الجمركي هو وسيلة للحفاظ على خطوط الاتصال مفتوحة مع تركيا، وتشجيع تعاونها في السيطرة على تدفق المهاجرين إلى أوروبا. وفيما يتعلق بالمناقشات بشأن الإعفاء من التأشيرة فإن المحادثات حول توسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي، االتي يرجح أن تتقدم ببطئ، ستكون وسيلة منخفضة التكلفة للبقاء على تواصل مع تركيا، كما أن مفاوضات توسيع اتفاقية الاتحاد الجمركي تقدم للاتحاد الأوروبي وسيلة للحفاظ على قدر من النفوذ على تركيا دون السماح بدخولها إلى الاتحاد. وبالمثل تمنح المفاوضات أنقرة فرصة للحفاظ على الحوار الدائر مع بروكسل دون التطرق بالضرورة إلى ضُروب الإصلاحات التي طلبتها بروكسل في مقابل الإعفاء من التأشيرة، مثل تغيير قانون مكافحة الإرهاب (نظرا للتهديدات المستمرة التي تواجهها البلاد بالتعرض لهجمات إرهابية) خاصة أن تركيا حساسة تجاه هذه المسألة وتعارض هذا الطلب. وعلى الرغم من أن النواب الأتراك ناقشوا أخيرا إجراء تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب، فإنهم سيصرون على التمسك بالتشريع الأساس بغض النظر عما يقوله الاتحاد الأوروبي.

تحقيق تقدم في اتفاقية الاتحاد الجمركي ليس مؤكدا، إذ أن أعضاء في الاتحاد الأوروبي مثل النمسا دعت أخيرا إلى إنهاء محادثات الانضمام مع تركيا، وقد تعترض النمسا كذلك على مفاوضات الاتحاد الجمركي. تشهد هولندا وفرنسا انتخابات عامة في النصف الأول من عام 2017، تليهما ألمانيا في شهر سبتمبر/ أيلول، وقد يجبر الضغط الانتخابي للأحزاب القومية الحكومات المعتدلة على معارضة المفاوضات مع تركيا. قد تشعر بعض الحكومات الأخرى أن التقارب مع تركيا ما يزال مكلفا سياسيا إذا ضيقت تركيا على المعارضة. وعلى الرغم من العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا من المحتمل أن تظل متوترة، فإن أيا من الطرفين لن يرغب في قطع العلاقات الثنائية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!