ريكاردو أماتي - لاسبريسو - ترجمة وتحرير ترك برس

على عكس كل التوقعات، أدى اغتيال السفير الروسي في أنقرة إلى تقوية الروابط بين البلدين، لأنهما يدركان جيدا أن هنالك الكثير ليخسراه في حال تدهورت العلاقات بينهما، وانهار التنسيق الذي يرمي لتحقيق كل طرف لأهدافه العسكرية في سوريا. وبالتالي، تحولت حادثة الاغتيال إلى مناسبة دبلوماسية استغلها كلا الطرفين لتحقيق أهدافه.

أدى اغتيال السفير الروسي أندري كارلوف، الذي شاهده ملايين الناس على شاشة التلفاز، إلى تعزيز التحالف النادر الذي نشأ خلال الفترة الأخيرة بين روسيا وتركيا، اللتان تدركان جيدا أن أي أزمة بينهما ستسبب لهما مشاكل كبيرة فيما يخص الملف السوري، الذي يمر بفترة حرجة ومصيرية. لذلك تحرك كلا البلدين بسرعة كبيرة؛ بهدف احتواء أية أزمة دبلوماسية أو سياسية قد تنتج عن هذا الاغتيال، وأكدا على أن من يقف وراء هذا الهجوم هي "أطراف متآمرة"، وشددا على تواصل التفاوض بينهما حول الصراع السوري. وبذلك يصبح موت أندري كارلوف أداة دبلوماسية تحقق أهدافا غير منتظرة.

حادثة مدبرة

على إثر الحادثة، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "هذا الهجوم كان مدبرا وهو يهدف لتقويض العلاقات بين موسكو وأنقرة، ولكن هذه المساعي لن تنجح". فيما قال فلاديمير بوتين مباشرة بعد موت السفير إن "هذا العمل الاستفزازي يهدف لانحراف مسار العلاقات الروسية التركية والتشويش على مسار السلام في سوريا".

ومن المعروف أنه في لغة الكرملين كانت دائما كلمة "استفزاز" أو "مُدبّر" يقصد بها أن هناك مؤامرة تحاك. وتصب أغلب التوقعات في موسكو في فرضية أن هناك قوى "ظلامية" ينتمي إليها الشرطي الشاب مولود ميرت ألتنطاش، الذي تم تحريضه على إطلاق الرصاصات التسعة على السفير الروسي، وأنه تم استغلاله لتحقيق أغراض أخرى.

حول هذه المسألة قال وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو على هامش الاجتماع الذي انعقد في موسكو، بين قيادات دبلوماسية وأخرى عسكرية وأمنية روسية وتركية وإيرانية؛ "نحن نعلم أن هذه الجريمة هي عمل إرهابي، وهي ستعزز نشاطنا ضد الإرهاب الدولي". وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاجتماع الثلاثي في موسكو تم خلاله التحضير لمؤتمر ثلاثي حول سوريا سوف يعقد أيضا في العاصمة الروسية في السابع والعشرين من الشهر الجاري.

وفي هذا السياق، صرح أليكسي مالاشينكو الباحث في مؤسسة كارنيجي للأبحاث إنه "قد يبدو هذا الأمر غير منطقي، ولكن من خلال ردود أفعال الدبلوماسيين الروس والأتراك، وتصريحات كلا الحكومتين، والمواقف السياسية والعسكرية التي تلت حادثة الاغتيال، بدا أن موت كارلوف مثّل مناسبة إيجابية لتعزيز العلاقات بين روسيا وتركيا". وأضاف أن "ذلك سيؤدي لتعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات بين البلدين، خاصة وأن هناك تحقيقات مشتركة ستجري في أنقرة. كما أن التعاون والتضامن بين موسكو وأنقرة لمحاربة الإرهاب سوف يتعزز في الفترة المقبلة، وهو ما أكده أردوغان شخصيا. وبالتالي، فإن ذلك سوف يعزز التزام كلا الطرفين بالمفاوضات الجارية حول سوريا".

ويمكن أن يؤدي الاتفاق المبدئي الذي توصل إليه الطرفان حول سوريا؛ إلى تحقيق كل طرف لأهدافه في مسرح الحرب. وعلى وجه الخصوص ضمنت تركيا لنفسها حرية التحرك في شمال سوريا، بشرط عدم التدخل في عملية حصار حلب التي قامت بها القوات الروسية والمليشيات التابعة لبشار الأسد. كما يبدو أن موسكو أعطت الضوء الأخضر لأنقرة لتقوم القوات التركية بالسيطرة على مدينة الباب، التي تتمتع بموقع استراتيجي في شمال سوريا بالنسبة لأنقرة، حيث سيمكنها ذلك من منع إقامة دولة كردية ذاتية الحكم تعزز بها طموحاتها بإقامة وطن قومي للأكراد في المنطقة بين روسيا وتركيا.

هذه التسوية التي صمدت إلى حد الآن بشكل كبير رغم خصوصيتها، تغلبت على خلافين اثنين يهددان العلاقات بين أنقرة وموسكو، وهما متعلقان بالحرب السورية، إذ أن موسكو تساند النظام الدكتاتوري الذي يقوده بشار الأسد وتسعى لإنقاذه من الانهيار، وقد مكن ذلك النظام من استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب، ولم تتدخل تركيا على الرغم من عدم رضاها على سير الأمور. وفي المقابل فإن موسكو، رغم مساندتها لتحركات الأكراد الانفصاليين في شمال سوريا، مكنت تركيا من التدخل في مدينة الباب للقضاء على الطموحات التوسعية لهذه المليشيات الكردية.

ويبدو الوقت الآن مثاليا لوضع اللمسات الأخيرة على اتفاق سوف يضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع، خاصة وأن عملية نقل السلطة من إدارة باراك أوباما إلى إدارة دونالد ترامب في هذه الفترة؛ تجعل من واشنطن عاجزة عن تقديم مقترحات أو فرض سياساتها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الرئيس المنتخب خلال حملته الانتخابية عبّر عن معارضته الشديدة للاتفاق النووي الموقع مع إيران، وانتقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على إتمامه لهذا الاتفاق، ولذلك تشعر الآن طهران بالخوف من السياسة الأمريكية في الفترة المقبلة.

استغلال حادثة الاغتيال

وفي الأثناء يبدو أن موسكو تريد استغلال حادثة اغتيال السفير أندري كارلوف، من أجل إضفاء شرعية على دورها في الحرب الدولية ضد الإرهاب، وهي ستتخذ من هذه الحادثة ذريعة لتصعيد عملياتها والسعي لإقناع دونالد ترامب بدعم دورها في هذه الحرب، ودعم استراتيجيتها في سوريا، أو على الأقل القبول بحضور عسكري دائم لروسيا في سوريا، وبشكل أوسع في رقعة الشطرنج التي يمثلها الشرق الأوسط.

وقد قال ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئيس بوتين إن "تصريح دونالد ترامب حول ضرورة أن يقوم المجتمع الدولي بإعادة النظر في سياسته ومواقفه تجاه الإرهاب، يتماشى تماما مع ما كان الرئيس الروسي يدعو إليه خلال الخمسة عشر سنة الماضية، وهو تحقيق المزيد من التعاون بين الدول في الحرب ضد أكبر تهديد يواجهه العالم في القرن الحالي. كما أنه لا توجد أية دولة مهما بلغت قوتها العسكرية والاقتصادية محاربة الإرهاب بمفردها، ولا يمكن أن ينجح هذا العمل إلا إذا تم بشكل جماعي".

وفي الأثناء علقت أغلب الصحف الروسية على حادثة الاغتيال، بالقول إنها عملية غادرة حيث تم إطلاق النار على السفير من الخلف. وقالت صحيفة كومسملوسكايا برافدا إن "هذه الحادثة لا يمكن بأي حال من الأحوال تحميل مسؤوليتها لتركيا، لأن أي تدهور في العلاقات بين البلدين سوف يكون بمثابة تحقيق لأهداف الإرهابيين الذين يقفون وراء الهجوم".

أما فيما يخص القانون الدولي، فإنه ينص على أن الدول مطالبة بحماية البعثات الدبلوماسية الموجودة على أراضيها، ولذلك فإن مسؤولية موت أندري كارلوف تقع على عاتق الحكومة التركية، وذلك من وجهة نظر قانونية بحتة. وفي هذا الصدد صرح أليكسي مالاشينكو حول هذا الأمر بأنه "على الأرجح، فإن موسكو ستستغل هذه النقطة القانونية لإقناع تركيا بتقديم بعض التنازلات فيما يخص النقاط العالقة بين الجانبين في المفاوضات الجارية حول سوريا".

وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان عملية اغتيال الأرشيدوق فرانس فرديناند في سراييفو سنة 1914، وهو ما أشار إليه كثير من المتابعين، إلا أن هذا التشبيه لا يعكس حقيقة الوضع الحالي، فروسيا وتركيا توقفتا عن تبادل الاتهامات ونجحتا في إيجاد أرضية مشتركة لتحقيق أهدافهما فيما يخص التطورات الحاصلة في الشرق الأوسط، مثل تصعيد الحرب ضد الإرهاب، وهو ما منح كليهما شرعية التدخل في سوريا.

خروج الأوضاع عن السيطرة بين أنقرة وموسكو غير وارد

لو كانت كل روسيا وتركيا تبحثان عن الدخول في مواجهة مباشرة بينهما، لقامتا بذلك منذ وقت طويل، حيث أن الذرائع متوفرة بكثرة في ظل الفوضى التي تعيشها سوريا، دون الحاجة لاغتيال دبلوماسي رفيع المستوى للدخول في هذه الحرب. ولكن الحقيقة هي أن آخر شيء يريده البلدان هو الدخول في هذه الحرب الثنائية، فكلاهما يتبع سياسة خارجية واقعية ومنفعية، وكلا البلدان يبحثان عن مصالحهما، ولذلك لم يترددا في تحويل حادثة الاغتيال إلى مناسبة لتحقيق أهداف أخرى، حتى لو كان ذلك على حساب السفير المغدور أندري كارلوف.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس