وداد بيلغين – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

تعتبر القرون الثّلاثة الماضية من عمر الدّولة التركيّة فترة مواجهات وتصفية حسابات بينها وبين الغرب. ففي هذه الفترة الزّمنيّة حاولت الدّول الغربية تصفية وإزالة الإمبراطورية العثمانية. ولم تكتفِ هذه الدّول بهذه المؤامرة بل أرادت أن تمحو بقايا الميراث الحضاري والفكري لتلك الإمبراطوريّة من أذهان سكّان هذه المنطقة.

أرادت الدّول الغربيّة على مرّ العصور أن تجد حلاً للمسألة الشّرقية. لكنّ هذه الإرادة كانت نسبيّة. أي أنّهم أرادوا أن يجدوا الحلول النهائيّة التي تضمن مصالحهم في المنطقة. والحل النهائي حسب معتقدهم هو عدم عودة الحاكمية التركية التي حكمت المنطقة بقوّة السلاح والعلم في هذه المناطق من جديد. حيث سعوا لتحقيق هذا الهدف على مرّ الأزمان والعصور.

علينا أن نلقي نظرةً على أسباب نمو الحضارة الغربية وسقوط الحضارة الشّرقية. إلّا اننا يكفينا الآن أن نعرف أنّ العلاقات بين الغرب والشرق تغيّرت كثيراً بتغيّر الظّروف والمستجدّات. فتارةً تفاعلت هذه العلاقات وتارةً توتّرت. حتى أن هذه التوتّرات أدّت في كثير من الأحيان إلى نشوب الحروب بينهما.

مالذي يحدث؟

التّاريخ يكرّر نفسه في هذه الأيّام. فترى العلاقات بين الدّول الغربية والشّرقية تتقلّب بين الفينة والأخرى. حيث نجد بعض العلاقات الودّية بين بعض الدّول ونجد أيضا بعض العلاقات المتوتّرة والعلاقات المؤدّية إلى نشوب الحرب. وفي خضمّ هذه الأحداث، نجد أنّ تركيا تشكّل الدّولة المحورية والمركزيّة في المنطقة.

إنّ التقسيمات التي حدثت عام 1920 في المنطقة والتي عرفت باتّفاقية "سايكس بيكو" ما هي إلا انعكاس سياسي لهذا الصراع الدّائر بين الشّرق والغرب. فالدول الغربية وبعد أن استعمرت الهند والصين والقارة الأفريقيّة وأخذت ما كانت ترغب بأخذه من هناك، التفّت نحو الشّرق الأوسط لبسط حاكميّتها وسياساتها في هذه المناطق.

ومن خلال اتّفاقية سايكس بيكو، قامت الدّول الغربية بتوزيع المهام على دول المنطقة. حيث طلبت من الأتراك أن  يبقوا بجانبها ويساندوها في تنفيذ مخطّطاتها. وبذلك كانوا يهدفون إلى إبعاد الأتراك عن ميراثهم الحضاري، وبالتّالي أرادوا أن يصبغوا الدّولة التركية بالصبغة الغربية ويتحكّموا بها كيفما شاؤوا.

أودّ أن أتساءل هنا: لو أنّ الأتراك ابتعدوا عن حضارتهم التّاريخية. كيف سيكون وضعهم آنذاك؟

بكل بساطة سيتحوّلون إلى مسيحيين ينطقون باللغة التركيّة وسيعتنقون الفكر والحضارة الغربية وسيعاملون كمواطنين من الدّرجة الثانية من قبل الأوروبّيين. أمّا نسيان الأتراك للغتهم. فهذه من الأمور الفرعية بالنسبة للغربيين.

المخطّطات الغربية القديمة كانت تعتمد على نشر الإيديولوجيّات السياسية والاقتصاديّة التي من خلالها تستطيع الدول الغربية أن تبسط سيطرتها على العالم وتتحكّم بموارد الطاقة العالميّة. أمّا المفهوم الجديد للغرب. فيتمثّل بالسيطرة على العالم عن طريق تحويل القدرات العلميّة والتكنولوجيّة إلى قوة سياسيّة.

صعود نوع جديد من السياسة

تعاني الدّول الغربيّة في هذه الأثناء من مشاكل داخليّة كبيرة. ويبدو أن الغربيين سيعانون كثيراً للتّخلّص من هذه المشاكل. فمن هذه المشاكل مثلا. مشكلة الشّرق الأوسط والحلول الأوروبية حيالها. ومشكلة بسط السياسات الغربية على العالم.

بعد زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أستونيا، وخلال تقييمه للمشاكل العالمية والشّرق أوسطية. تطرّق أردوغان إلى نقطتين مهمّتين وهما.

حقيقة ان هذه البوتقة الجغرافيّة وعبر ثقافتها القديمة أدركت ضرورة إيجاد العقول المنتجة لسياساتها والتّحرّر من قيود السياسات الغربية التي تتحكّم بها. فهذا الحس الجديد لشعوب المنطقة نابع من الشعب نفسه.

والمشكلة الحقيقيّة هنا أنّ الإعلام والمفكّرين الأتراك لم يستطيعوا إدراك هذا الحس الذي ظهر عند شعوب المنطقة في الآونة الأخيرة.

الواضح أنه خلال هذه الفترة الطّويلة التي امتدّت لثلاثة قرون، ظلّ المفكّرون وروّد السياسة التركية مرتبطين بالغرب والإيديولوجيّة الغربية ولم يغيّروا مواقفهم وأفكارهم تجاه الغرب رغم كل هذه المؤامرات. فهذه مشكلة كبيرة بالنسبة لتركيا.

 إنّ هذا التّناقض بين المفكرين والسياسة، هو نتاج التّناقض بين الفكر المؤيّد للدّيمقراطية والفكر المناهض لها. والاتّفاقية التي ستحلّ هذه المشكلة، هي تعزيز النهج السياسي من خلال نشر الديمقراطيّة.

عن الكاتب

وداد بيلغين

كاتب في صحيفة أكشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس