محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

بعد إدراك كافة الأطراف المتحالفة مع النظام السوري وبضمنهم الروس والإيرانيون والمليشيات المدعومة معها بأن الدفاع عن النظام قد يأخذ منحى آخر بسبب التدخل التركي الصميمي وتغيير الوجهة الأمريكية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وإدراكا من الروس قبل غيرهم بأن استمرارهم بهذا النهج رغم كل ما جنوه من انتصارات وخصوصا في جبهة حلب ربما سيكلفهم كثيرا وخصوصا بعد العديد من الاتهامات الأمريكية لها في المسألة السورية واتهامها بممارسة جرائم حرب وتهمة الإبادة الجماعية في مدن حلب السورية وغيرها إضافة إلى اتهامها بالتدخل في الشؤون الأمريكية والتجسس على بعض المراكز الحيوية واختراقها، كل تلك العوامل أدت إلى إصرار روسي على إنهاء ملف الأزمة السورية على وجه السرعة حتى تنجو بنفسها ولا تركن بزاوية ضيقة سهلة المنال للباحثين عن إدانتها وتجريمها.

وإيران تبدو غير معنية بوقف إطلاق النار وربما لا ترغب في حل المسألة السورية جذريا بقدر اهتمامها بأن تبقى في سوريا وبالأوضاع ذاتها خدمة لأجنداتها الطائفية وأن اشتراكها المبكر بالحرب السورية كانت للقضاء على كل معارضي الأسد في الظاهر دون أن تكون لديها أية رغبة في تقريب وجهات النظر الحكومية مع المعارضة، بل كانت تمنع كل أشكال التقارب والتوسط بين المعارضة والنظام منذ البداية وحتى الآن، وعليه فإن إيران التي تستغل قدرتها العجيبة على لعب كل الأدوار والاصطفاف مع كل من يمهد لها في توجهاتها سواء كان هذا مع الشيطان الأكبر أو الدب الأشقر في سبيل بقائها كلاعب رئيسي بسوريا لفرض هيمنتها على الطريق الواصل من طهران إلى البحر المتوسط.

الروس من ناحيتهم قد تيقنوا بما لا يقبل الشك ولو بصورة متأخرة بأن إيران غير متحالفة معهم  لغرض دعم النظام بل لامتطاء النظام لتوسيع قاعدتهم الطائفية في البلدان العربية وفي هذا تقاطع واضح لأهدافها مع أهداف إيران إضافة إلى أنها المنافس الأقوى والوحيد لها، والتخريبات الكثيرة التي مارستها الفصائل الموالية لإيران وخصوصا في مسألة خروج المقاتلين والأهالي من شرق حلب التي كانت تمنع كل اتفاق محتمل للأزمة السورية كانت أبلغ دليل عند الروس على تضارب الأهداف الإيرانية في سوريا معها.

وعليه فإن الإصرار الروسي على عدم قبول الطرف الإيراني كطرف رئيسي يتولى إدارة المفاوضات المقبلة بين النظام السوري وفصائل المعارضة يأتي ضمن هذا الإطار كما أن هناك أبعادًا أخرى حالت دون دعوتها ومشاركتها في حل الأزمة السورية.

فقد أدرك الجانب الروسي مسبقا بأن وجود إيران كطرف رئيسي أو ثانوي أو هامشي لا يرضي أي طرف عربي في حل الأزمة السورية ولن تدعمها الدول العربية قاطبة بسبب السلوك الإيراني على الساحة العربية، ولكن هل كانت فكرة إبعاد إيران من حل الأزمة السورية تكتيكا مرحليا لجأت إليه روسيا مع إيران أم إصرارالجانب الروسي؟ لو فرضنا جدلا بأن هناك اتفاقا بين الروس والإيرانيين في هذا الوقت (وهذا تفسير البعض من المراقبين) فإن ذلك يعني أن النظام السوري يعاني من أزمة حقيقية ربما تؤدي به إلى الهاوية في الأيام القليلة القادمة، أو ربما تكون إيران هي التي تعاني من مشكلة حقيقية بعد تمديد العقوبات الأمريكية عليها لمدة عشر سنوات أخرى إضافة للتهديدات العلنية لترامب حول الاتفاق النووي مع إيران ويوفر لها حل المسألة السورية فرصة التقاط أنفاسها ولو إلى حين. مهما يكن من أمر فإن التنسيق مع إيران أو الإصرار الروسي على إبعادها سيخدم الأهداف الروسية في حل الأزمة السورية لأن إيران كانت وما زالت تبحث عن فشل أي اتفاق لا يضمن استمرارها وبقاءها في سوريا، وخير دليل على كلامنا هي مواقفها المضادة في محادثات جنيف والدول الخمسة التي بحثت في الأزمة السورية ففي الأولى لم ترحب ولم تعترف بالصيغة النهائية لقرارات جنيف في حين أنها وافقت على مقررات اللجنة التشاورية الثانية المذكورة وهذه الاختلافات كانت نتيجة انعكاسات أوضاعها على الأرض ومدى تمكنها من السيطرة على مجريات الأمور الميدانية.

من ناحية أخرى ونحن إذ نؤيد فكرة إصرار روسيا على استبعاد إيران من المفاوضات هو للتنصل من كل تحالفاتها مع إيران سواء في الشأن السوري أو الشؤون الأخرى قبل وصول ترامب إلى السلطة والتي تتطلع روسيا إلى اعادة علاقاتها الطبيعية والمتأزمة حاليا مع أمريكا في عهد الرئيس الجديد وإن وجود تحالف أو ربما تفاهمات روسية إيرانية سيؤدي إلى اضعاف موقفها مع الإدارة الأمريكية الجديدة التي تنظر إلى إيران كدولة راعية للإرهاب.

إن رغبة الروس بإقامة علاقات طبيعية وجيدة مع الدول العربية وفي هذه الفترة بالذات بعد سلسلة الخلافات العربية مع أمريكا وإن استغلال هذه الفرصة الذهبية للروس يتحتم عليه الابتعاد عن اقامة علاقات متوازنة مع إيران في ظل رغبة الروس بتطوير علاقاتهم مع البلدان العربية.

لذا فإن قطع الطريق الروسي الواصل إلى إيران في الفترة الحالية وتجميد المشاريع المشتركة في الشأنين العربي والإقليمي بركنيه السياسي والاقتصادي هو لفتح حواجزالطريق الروسي للوصول إلى الدول العربية والتي لها رغبة مخلصة لتطوير تعاونها معها وخصوصا بعد السعي الروسي لحل الأزمة السورية.

من المؤكد أن تطوير العلاقات التركية الروسية له أبلغ الأثر في دعم وتشجيع الإقبال العربي الآن لتطوير علاقاته مع روسيا لأن الأتراك قد حصلوا على مرتبة متقدمة من الثقة من الدول العربية وقد أصبحت المواقف التركية مرآة عاكسة تعكس الرأي العام العربي بدقة وبكل شفافية ولذا فإن روسيا التي شاركت تركيا كطرف رئيسي لها في وضع آلية اتفاق وقف إطلاق النار والتي نضجت بعد مباحثات أطراف من المعارضة السورية مع الروس في الأراضي التركية تدرك تماما الدور التركي وأهميته في القرار العربي  في المسائل المختلفة وبالأخص في المسألة السورية وهذا بدوره أدى إلى نمو الثقة بين أطراف المعارضة السورية مع الحكومة التركية والذي أدى بدوره إلى قبول تركيا كطرف وأرض محايدة في المباحثات الروسية مع المعارضة.

إن المتغيرات التي تحدث على الساحة العربية والإقليمية والدولية والتي تؤثر بصورة مباشرة على التوجهات الروسية والمعادلة الروسية الجديدة في العالم باعتبارها أحد الأقطاب الرئيسية مع أمريكا والصين وبغياب تام لدول القارة الأوربية العجوز، يحتم على القيادة الروسية أن تختار بدقة قراءة اتجاهات البوصلة وخصوصا بعد قيام التكتلات المهمة والعلاقات الاستراتيجية بين الدول الإقليمية والتي تؤثر بصورة فعلية على مجريات الأمور وتقاطع المصالح والأهداف.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس