بكر هازار - صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس 

لا توجد دولة في العالم تتقلب فيها الأحداث بصورة متسارعة مثل تركيا، حيث أصبحت القنوات الفضائية مضطرة لعرض حدثين هامين في آنٍ واحد، وبالتالي تقسيم الشاشة إلى قسمين وعرض الحدثين، وهذا ما حدث عند زيارة بايدن، فعرضت القنوات التركية على اليسار وصوله إلى أنقرة، وعلى اليمين مشاهد دخول الدبابات التركية إلى سوريا.

البعض اعتقد بأنّ الجيش التركي "استُهلك" بعد المحاولة الانقلابية، لكن هذا الجيش اليوم يحارب ويستهدف داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي، وقرار البدء بهذه العملية لم يكن متأخرا، وإنما عمل الجيش التركي منذ مدة على تدريب وتأهيل مقاتلين من الجيش السوري الحر القادمين من حلب وإدلب، واليوم جهّز 1500 مقاتل منهم ودخل معهم إلى جرابلس، والجيش يُثبت بذلك بأنّه أصبح أقوى مما كان عليه قبل محاولة انقلاب منظمة فتح الله غولن.

يستغرب العالم مما جرى، وأصل اللعبة الكبيرة حدثت عندما تم إسقاط الطائرة الروسية، حيث ساعت منظمة غولن إلى الإيقاع بين أنقرة وموسكو، وهكذا أرادوا قطع الطريق على التدخل التركي في سوريا، وبذلك أصبح من المستحيل أنْ تعبر الدبابات التركية والطائرات الحدود نحو سوريا، لأنّ روسيا حينها ستقوم بضرب أي هدف تركي يدخل الأراضي السورية، وذلك كرد على إسقاط الطائرة، وهذا يقود القوى العالمية إلى أنْ تتصرف وفق ما تريد في سوريا، وأنْ تقوم بتسليم حزب العمال الكردستاني إلى منبج، ويمرون من خلالها إلى عزيز وكوباني وعفرين ويكملون الممر، وبعد ذلك تسليم جرابلس لحزب العمال الكردستاني وتكوين دولة كردستان.

هذه الدولة التي لو أُنشئت، كانت ستصل إلى البحر الأبيض المتوسط، ويسيطر عليها حزب العمال الكردستاني، وهذا سيعني ضرب تركيا في مقتل، لأنه حينها يُنتزع من تركيا ميزة أنها طريق الطاقة الوحيد، وهذا كان سيقود إلى خسارة استراتيجية ستضيع علينا سنوات طوال، لنبقى متابعين للأحداث لا مؤثرين فيها ولا مستفيدين منها.

اردوغان عمل بصورة سريعة على حل الأزمة الروسية، وقال "بإمكاننا حل الأزمة السورية بالتعاون مع روسيا وإيران"، وبذلك أفسد اللعبة الكبيرة، وأخذ موضعه مجددا على الطاولة، التي حاولوا من خلال الانقلاب إبعاد أردوغان وتركيا عن التأثير بالمشهد السوري.

لا أعلم كيف كان يُفكر جو بايدن وهو يمر عبر مجلس البرلمان التركي المقصوف والمدمّر أجزاء كبيرة منه، إلا أنّ الأهم هو أنّ منظمة غولن قد فشلت، ورأى بنفسه دخول الدبابات التركية إلى سوريا، وعودة تركيا إلى الطاولة أقوى مما سبق، وأنّ تركيا أيضا تجعل نائب والي أنقرة يستقبل نائب الرئيس الأمريكي.

والآن تدخلت الدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية وتحركت فورا، كونها تعلم كل تفاصيل ما يجري، وقامت بتسريب معلومات حول قيام غولن بتقديم الدعم والتبرعات لحملة هيلاري كلنتون الانتخابية، وهذا سيضع هيلاري كلنتون في موقف صعب في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية، ولذلك من الممكن أنْ تحاول أمريكا تسليم غولن قبل الانتخابات، ومن إشارات ذلك ما صرح به السفير الأمريكي السابق جيمس جافري للصحافة الألمانية بأنّ "هناك طرقا خارج إطار القضاء يُمكن من خلالها تسليم غولن".

اليوم دباباتنا تدخل إلى جرابلس، وبعدها ستتوجه إلى منبج، وسيعيش حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي أياما صعبة لتجاوزهم الخطوط الحُمر، لأنّ تركيا أصبحت تركيا واحدة وموحدة بعد 15 تموز/ يوليو،  ولم يعد هناك دولة موازية او تنظيم موازي يتحكم بجزء من مؤسساتها.

وسيرى صالح مسلم نفسه وحيدا في مواجهة تركيا بعد الانتهاء من سوريا، وسيكون كل الشعب السوري مع تركيا في مواجهته، كما وقف 79 مليون تركي في مواجهة منظمة غولن وقضوا عليها.

ملاحظة: نحن دولة كبرى، ولا يليق بنا إرسال وزير العدل ووزير الخارجية إلى أمريكا من أجل الإرهابي فتح الله غولن، بل علينا إرسال موظفين، كما أرسلت أمريكا موظفين لديها إلى أنقرة من أجل متابعة التحريات المتعلقة بمنظمة غولن.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس