ترك برس

قال الباحث والمحلل السياسي المتخصص في الشؤون العربية التركية، الدكتور زبير خلف الله، إن هولندا قدمت فرصة ذهبية إلى تركيا قبيل الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية المقرر إجراؤه منتصف أبريل/نيسان المقبل.

وفي تدوينة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أشار خلف الله إلى أن تركيا ستعمل على استثمار الخطأ الهولندي والألماني بشكل كبير لإقناع عدد كبير من الجاليات التركية في أوروبا بضرورة التصويت بنعم في الاستفتاء، وكذلك استثمار الموضوع جيدا في داخل تركيا.

واعتبر الباحث أن الغرور قد يكون ضروريا أحيانا إذا تعلق الأمر بمحطات مصيرية في تاريخ الدولة والشعب، متوقعًا أن يتم احتواء هذا الخلاف الهولندي التركي بعد أن يتم استثماره جيدا ويستنفِد كل فعاليته من قبل تركيا.

ورأى خلف الله أن مثل هذه الأحداث ستكون مؤشرات مهمة تحسم مسألة عدم انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، كما تنبئ بأن العلاقات بين الطرفين لن تكون طبيعية في المستقبل وسيبقى هناك صراع خفي سيظهر بشكل علني يوما ما.

ولفت الباحث إلى أن "ما يميز الأتراك عنا نحن العرب قدرتهم على تحويل الأزمات إلى فرص يمكن الاستفادة منها بشكل كبير واستخدامها كورقات ضغط في السياسة والاقتصاد في حين نحن العرب نحول الفرص إلى أزمات نغرق فيها مثلما تعاملنا مع ثورات الربيع العربي التي كانت فرصة رائعة للتخلص من الاستبداد والفساد ومن أجل تحقيق الحرية والعدالة والتقدم، نحن حولنا الحرية إلى فوضى وعمّقنا الفساد وازدادت تجاذُباتنا الأيديولوجية وحوّلناها إلى فتن ودخلنا في حالة احتراب كبيرة عمقت الأزمة بشكل أكبر".

وأضاف: "استطاع الأتراك أن يجعلوا من الأزمة السورية فرصة للتمدد في المنطقة وكذلك تحويل أزمة تدفق اللاجئين السوريين الكبيرة إلى ورقة ضغط على أمن أوروبا واستقرارها الذي أصبح مرتبطا أساسا بتركيا بوابة أمنها".

ويرى الباحث أن الأتراك حوّلوا فرصة تدفق اللاجئين السوريين والعرب إلى الاستفادة من رؤوس أموالهم وتشغيلها لصالح الاقتصاد التركي، معتبرًا أن "العقل السياسي التركي له القدرة على المناورة يحسن الاستفادة من الأزمات ويحوّلها إلى فرص ثمينة".

وأردف: "قد تكون هذه الخصوصية نابعة من موروث ثقافي وسياسي للأتراك ابتداء من السلاجقة إلى العثمانيين إلى أردوغان الذي استطاع أن يستخدم ورقة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ليّحقق إصلاحات هيكلية وجذريّة في الدولة، كما استطاع أن يحول حادثة انقلاب 15 تموز/يوليو لتطهير كل الأجهزة من جماعة فتح الله غولن الإرهابية والتي تغلغلت في كل مفاصل الدولة".

وشدّد خلف الله على أنه "كان بإمكان العرب أن يستثمروا التغيرات الحاصلة في طبيعة التوازنات الإقليمية والدولية والاستفادة منها، غير أن النخبة السياسية العربية تركت الأهداف الأساسية ودخلت في تجاذبات ثانوية لم تجن سوى المزيد من الاحتراب والتقاتل وإعطاء الفرصة لتدخل القوى الأخرى".

وأضاف: "لقد حول العقل السياسي العربي بغبائه المنطقة بأكملها إلى منطقة فراغ تتمدد فيها كل القوى وتتصارعُ عليها. لقد كان بإمكان العقل السياسي العربي أن ينهي مسرحية الانقلابات العسكرية في المنطقة وبناء دولة مدنية ديمقراطية يتعايش فيها الجميع بكل حرية، لكنهم مع الأسف فوتوا الفرصة وترك الباب مفتوحا لدُعاة الاستبداد والفساد أن يعودوا للواجهة من جديد في مصر وتونس وليبيا وغيرها".

وأشار الباحث إلى أن "الفرق بين العقل السياسي التركي والعقل السياسي العربي كالفرق بين الصياد الماهر والصيّاد المبتدئ، إنه الفرق  في القدرة على المناورة والتعامل مع العواصف وتحويلِ الأزمات إلى فرص بدلا من الغرق في الأزمة نفسها".

وأمس السبت، سحبت هولندا تصريح هبوط طائرة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على أراضيها، ورفضت دخول وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية فاطمة بتول صيان قايا إلى مقر قنصلية بلادها في مدينة روتردام، لعقد لقاءات مع الجالية ودبلوماسيين أتراك، ثم أبعدتها إلى ألمانيا في وقت لاحق.

تلك التصرفات التي تنتهك الأعراف الدبلوماسية وُصفت بـ"الفضيحة"، ولاقت إدانات من تركيا التي طلبت من سفير أمستردام، الذي يقضي إجازة خارج البلاد، ألا يعود إلى مهامه لبعض الوقت، فضلاً عن موجة استنكارات واسعة من قبل سياسيين ومفكرين ومثقفين ومسؤولين من دول عربية وإسلامية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!