جلال سلمي - خاص ترك برس

أظهرت التصريحات الخاصة بالمسؤولين الأتراك تعقيبًا على الضربة الأمريكية التي استهدفت مطار "شعيرات" العسكري في مدينة حمص، رغبة شديدة في استمرار هذه الهجمات، كما أفصحت عن تجدُد أملهم في إمكانية تحقيق تعاون عسكري وثيق وواسع بين أنقرة وواشنطن فيما يتعلق بالملف السوري.

ولعل أبرز تصريح يعكس هذه الرغبة، هو تصريح الرئيس، رجب طيب أردوغان، الذي أكد على أن بلاده ستواظب على تطهير المدن السورية من تنظيم "داعش"، خاصةً مدينة الرقة، في حال التزم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بتعهداته. فما الذي يوحي به هذا التصريح، وما هي الأسباب التي تجعل تركيا دومًا حريصةً على مواصلة التعاون مع القطب الغربي لا القطب الروسي؟

في البداية، يوحي تصريح الرئيس التركي بوجود إصرار تتمتع به السياسة الخارجية التركية حيال مسألة التعاون مع القطب الغربي. إصرار يعبر عن رغبة تركيا على مواصلة تعاونها مع القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة بشكلٍ أكبر من تعاونها مع القطب المضاد بقيادة روسيا، مهما بلغت حدة الخلافات بينها وبين القطب الغربي الذي يحتضنها كعضو عسكري فاعل منذ أربعينيات القرن الماضي.

أما عن أسباب وجود تلك الرغبة هي متعددة؛ وعلى الأرجح  مبدأ "تكلفة الفرصة البديلة" هو العامل الأساسي في إظهار استمرارية التعويل التركي على القطب الغربي، ففرصة تركيا البديلة عن التعاون مع القطب الغربي هي التعاون مع روسيا، ولكن وفقًا للمؤشرات الظاهرة، تبدو تكلفة هذه الفرصة باهظة بالنسبة لتركيا على الصعيدين التكتيكي والاستراتيجي، فقد نتج عن تعاون تركيا مع روسيا عدم قدرتها لإكمال عمليتها العسكرية في سوريا "درع الفرات" وصولًا لمنبج، مواصلة روسيا استهدافها للمناطق السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة وعدم إيقافها لمسلسل استهداف المدنيين، الأمر الذي أثر سلبًا في السيطرة التركية المباشرة وغير المباشرة على قوات المعارضة "المعتدلة" و"الجهادية، أي جبهة النصرة"، وبالتالي توسيع روسيا نطاق نفوذها السياسي والميداني على حساب تركيا، بل واقترابها من الحدود القومية لتركيا التي كانت تعارض ذلك لأسباب استراتيجية، احتدام العلاقات بينها وبين إيران التي اتجهت إلى توسيع نطاق نفوذها في العراق وسوريا نكاية بتركيا، إبقاء روسيا على ملف التحرك المشترك مع حزب العمال الكردستاني المحارب لتركيا بيدها، مقابل فروغ يد تركيا من أي أداة ضغط موازية. بالنظر إلى هذه المعادلة، نلاحظ أن التحالف الروسي التركي هو عبارة عن "تحالف استنزافي" يعود على تركيا بالضرر لا النفع. ولقد عسكت ملامح التوتر الأخيرة التي ظهرت بينها وبين روسيا، كنشر روسيا قواتها في "عفرين" المحاذية للحدود التركية، وعدم ذهاب فصائل المعارضة المحالفة لتركيا إلى آستانة 3، وعودة تركيا للتلويح بكرت معارضتها للسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم، "التنافس الباطن" الموجود بين الطرفين، والطاغي على تحالفهما.

لقد بدا جليًا أن الدول الفاعلة الأخرى في المنطقة، كبريطانيا ودول الخليج، تتعاون مع القطب الغربي بقيادة الولايات المتحدة ضد القطب الذي تقوده روسيا الساعية لبسط نفوذها إلى جانب إيران في المنطقة. ويبدو أن ترجيح تلك الدول ترك تأثيرًا واضحًا في مواصلة تركيا إبراز استعدادها للتعاون مع القطب الغربي، فهي تسعى لإحراز خططًا مشتركة مع بريطانيا ودول الخليج حول عملية تحرير دير الزور والرقة من سيطرة "داعش" قبل اقتراب وحدات الحماية الكردية إليها، ولا شك في أن جميع هذه الأطراف ترى في روسيا دولة منافسة ومضادة لمصالحها، الأمر الذي يُجبر تركيا على إبداء الموقف السياسي الموازي لمسار القطب الغربي، خشية السقوط في مستنقع "العزلة".

 ربما إدراك الحكومة التركية  لصعوبة تخلي روسيا عن الحليف الإيراني بالكامل مقابل التعاون معها، شكل عاملًا آخرًا في سعي تركيا للمحافظة على مركزها في إطار القطب الغربي. وفي هذا الصدد، لا يُعقل أن تنتظر تركيا من روسيا التخلي التام عن إيران التي مهما بلغت حدت الخلاف معها، تبقى حليفًا مكملًا لروسيا التي تسعى لاستعادة نفوذها على الساحة الدولية، وهذا ما يمثل أمرًا إيجابيًا لإيران التي تحتاج إلى حليفٍ بقوة دولية عظمى، وأمرًا سلبيًا بالنسبة لتركيا التي يشكل مشروع التمدد الروسي نقطة منافسة شديدة لمصالحها الاستراتيجية في العالم عامةً وسوريا خاصةً. لذا على ما يبدو، لا زالت تركيا تأمل في تحرك أمريكي جاد للحد من النفوذ الروسي في سوريا، والإيراني في العراق وسوريا ولبنان وحتى بعض الدول الأفريقية، وقد بد واضحًا أن هذا الأمل ازداد بعد استهداف الولايات المتحدة لمطار "شعيرت"، الأمر الذي قيمته تركيا على أنه يعكس بعضًا من جدية الولايات المتحدة حماية المدنيين السوريين، وحل الأزمة السورية بما يكفل حق المعارضة في المشاركة السياسية.

في الختام، تجدر الإشارة إلى أن معادلة الربح والخسارة في ميزان التعاون التركي الروسي، تصب في صالح روسيا وليست تركيا، فهل يُعقل أن ترى تركيا كل هذه الخسائر ولا تعول على كل همسة إعلامية أمريكية يُحتمل أن يتمخض عنها عمليات عسكرية تصب في صالحها على حساب روسيا وإيران؟

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس