ترك برس

رأى المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن النتائج المتقاربة للاستفتاء الشعبي الأخير في تركيا، وخاصة في المدن الكبرى، فاجأت حزب العدالة والتنمية الذي حاول الحصول على تأييد 60 % من إجمالي المصوتين للإسراع بإنفاذ التعديلات.

وفي تقرير نشره على موقعه الإلكتروني، أشار المركز العربي إلى أن تراجع نسبة التأييد للتعديلات الدستورية في الاستفتاء الشعبي، يُعزى إلى جملة من العوامل، أهمها:

سلبية الدعاية الانتخابيّة

أكّد التقرير أن الحزب الحاكم والرئيس رجب طيب أردوغان، ركّزوا في خطاباتهم الدعائية على ما أسموها بـ"المؤامرة الداخلية والخارجيّة"، عوضًا عن إِبراز التعديلات الدستوريّة ومَزاياها وفَائدتها في حل مشكلات تركيا وأزماتها الداخليّة التي تزداد صعوبة وتعقيدًا، بسبب الوضع الإقليمي المتفجر، وحالة عدم الاستقرار التي رافقت وأعقبَت المحاولة الانقلابية، صيف العام الماضي.

وفي السياق ذاته، ربط الرئيس أردوغان في مهرجاناتِه وحملاته الانتخابية بين التعديلات الدستوريّة ومسألة الرد على من وصفهم بـ "المتآمرين والإرهابيين" لغايات التحشيد والتعبئة الشعبيّة، وهو ما أقلق الناخب التركي الذي لم يقتنع، كما يبدو، بهذه الثنائية.

عمق التغييرات المَطروحة

اعتبر التقرير أن حزب العدالة والتنمية تجاهل حساسية النخب التركية وشرائِح شعبية واسعة، تجاه عمق التغييرات التي تحدثها التعديلات المطروحة في بنية الدولة وسماتها والنظام السياسي وعلاقته بالمجتمع؛ إذ بينت نتائج الاستفتاء قلقًا من تراجع النظام العلماني لمصلحة نظام رئاسي، يقوده رئيس من حزب محافظ، يسعى لتحجيم دور البرلمان ونفوذه، والقطيعَة مع عهد الجمهورية التركية الأولى، والانتقال إلى "الجمهورية الثانية".

وأضاف: "كل هذا لا يخلو من إشارات إلى ميول ونزعات شخصية وسلطوّية عند أردوغان في نظر معارضيه. وقد فاقمت النبرة التصعيدية لأردوغان ضد أحزاب المعارضة وقياداتها، واتهامها بضرب وحدة البلاد وتوفير الغطاء السياسيّ للمتآمرين على تركيا؛ الخوفَ من هذه النزعات".

تجاهل التيار الصامت

أشار التقرير إلى أن التقليل من أهمية الأصوات المعارضة أو ما يوصف بـ "التيار الصامت" داخل حزب العدالة والتنمية، والذي تعبر عنه شخصيات قيادية بينها الرئيس التركي السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرينج؛ أدّى إلى توجيه رسائل معاكسة إلى جمهور الحزب وأنصاره، وقد تبدى هذا في تصويت ما بين 2 - 3 % من قاعدة العدالة والتنمية ضد التعديلات الدستورية.

موقف الكرد والقوميين الأتراك

لفت التقرير إلى أن حزب العدالة والتنمية دفع - فيما يبدو - ثمن تصريحات شكري قره تبه، أحد المستشارين القانونيين لأردوغان، وصاحب الدور الأبرز في صناعة مشروع النظام الرئاسي قبل أيام من الاستفتاء، عن ضرورة تعديل نظام الحكم الإداري لتمهيد الطريق أمام طرح نظام الولايات (النموذج الصيني).

وتابع: "مع أن هذه التصريحات كان لها أثرها في زيادة أصوات الكرد المؤيدين للتعديلات؛ قد أثارت غضب القوميين الأتراك، ودفعت أكثرهم إلى معارضة التعديلات على الرغم من تأييد قيادة حزب الحركة القومية لها".

الفشل في استقطاب الشباب

قال المركز العربي: "على الرغم من أن التعديلات الدستورية تُخفض سن الترشح من 25 إلى 18 عامًا، فإن حزب العدالة والتنمية لم يحقق إلا نجاحات محدودة في كسب أصوات فئات شابة جديدة تلتحق للمرة الأولى بالعملية الانتخابية، ويصل عددها إلى ما يقارب مليونَيْ مُقترع.

وفي ختام تقريره، شدّد المركز العربي على أن الاستفتاء التركي في التعديلات الدستوريّة يُعَدُّ حدثًا مصيريًا يتجاوز مسألة تحديد شكل النظام السياسي، رئاسيًا كان أم برلمانيًا، فكلاهما ممكن في الديمقراطيات.

وأضاف: "إن الانقسام الذي أظهرته النتائج يبين أبعادًا أخرى متعلقة بهويّة الدولة التركيّة، وطبيعة العلاقة بين قواها السياسية والاجتماعية، فضلًا عن تحالفاتها وعلاقاتها الخارجيّة.

لذلك ستغدو مُهِمَّةً مراقبةُ سياسات أردوغان والحكومة التركية خلال الفترة القادمة، والطريقة التي ستردّ بها قوى المجتمع، بما فيها أحزاب المعارضة أيضًا، في ضوء الاستقطاب الشديد داخل المجتمع، والذي كشفت عنه، بجلاء، نتائج الاستفتاء".

وشهدت تركيا يوم 16 نيسان/ أبريل 2017 استفتاءً شعبيًا في تعديلات دستوريّة، طرحها حزب العدالة والتنميّة لتوسيع صلاحيات رئيس الجمهوريّة، وتحويل النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي.

ومع أن النتائج النهائية للاستفتاء جاءت لمصلحة التعديلات المطروحة؛ جاء تقارب نسبة المؤيدين (51.4 %) والرافضين (48.6 %) مخيبًا لآمال حزب العدالة والتنمية، على الرغم من الانتصار المهم الذي حققه، ولا سيما أنه دخل معركة الاستفتاء في الدستور الجديد متحالفًا مع حزب الحركة القومية؛ إذ حصل الحزبان مجتمعَيْن على أكثر من 60 % من أصوات الناخبين في الانتخابات العامة الأخيرة، والتي جرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.

فوق ذلك، أحدث الاستفتاء شرخًا سياسيًا ومجتمعيًا، وفجّر نقاشات سياسيّة وقانونية وإعلامية داخل تركيا وخارجها، تجاوز مناقشة الرزمة المطروحة من الحزب الحاكم، ووصل إلى حدّ الطعن في صحة النتائج المعلنة، حسبما يرى المركز العربي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!