ماهر كايناك – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

كلما نظرنا إلى الخارطة نعتقد أنه يجب أنْ تبقى على حالها ولا تتغير، لأننا نعتبر أنّ الشعوب هي من أسست هذه الدول وعلينا احترام إرادتها، لكنني شخصيا أفكر عكس ذلك تماما، ليست الشعوب من تؤسس دولها، بل الدول هي من تؤسس شعوبها.

قبل اكتشاف القارة الأمريكية، كان هناك بعض القبائل تعيش فعليا في تلك الجغرافيا الكبيرة، ولم تكن كل واحدة منها تمثل شعبا، بل حفنة ومجموعة من الناس. الآن أصبحت تلك القارة مليئة بالدول، لذا أصبحنا لا نستطيع الإجابة عن السؤال التالي: من هي الشعوب التي أسست تلك الدول؟

هذا الوضع مماثل تماما لما جرى في الشرق الأوسط، ولو كان ذلك بصورة مصغرة، عندما قامت انجلترا برسم خارطة جديدة للمنطقة، مغايرة تماما للتي كانت قائمة قبل ذلك، فشعب المنطقة الواحد، والذي كان يشكل أمة واحدة فقط، أصبح شعوبا عديدة، تعيش في دول مختلفة.

على سبيل المثال، الشعب السوري والشعب العراقي كان شعب واحد على مر العصور، وكان جزء لا يتجزأ من الإمبراطورية العثمانية التي كانت قائمة في حينه، وبعدها قامت قوى خارجية بتأسيس دولتين، وأصبح لكل دولة شعب منفصل عن الدولة الأخرى، حتى إنّ حكام تلك الدولتين كانوا متشابهين تماما في البداية، وبعدها انفصلوا بشكل نهائي عن طريق إدارتهم من القوى الخارجية.

***

الشعوب المختلفة التي هاجرت من أوروبا هي من كوّنت الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أراد اليهود التجمع من كل دول العالم لتشكيل دولة لهم يديرون من خلالها العالم أجمع، وكان جميع من في أوروبا يعتقدون أنه أنسب مكان لتحقيق ذلك هو في القارة الأمريكية الجديدة، لكن الإدارة الأمريكية رفضت ذلك، ووجهوا سفن الهجرة إلى فلسطين، فلو سمحوا لهم بتأسيس دولة لهم في أمريكا، لكانوا اليوم يديرون القارة الأمريكية، ولكانت الدولة الأمريكية لها اسم آخر.

لهذا وبسبب عدم مقدرتهم على السيطرة على الدولة اليهودية المفترضة في بلادهم، أرسلوهم إلى فلسطين وجعلوهم يؤسسون لهم دولة هناك، واليوم نشاهد حجم الجرائم والمجازر التي ترتكبها هذه الدولة، ونشتكي من أفعالها، لكننا لا نسأل عن هدف هذه الدولة الحقيقي، فاليوم يوجد بديلين عن إسرائيل في المستقبل.

هذان البديلان يتمثل الأول منهما، بتهجير من تبقى من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة، وهكذا يزداد مقدار الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل، وهذا سيتم تحت رعاية القوى الخارجية صاحبة النفوذ، أما الحل الآخر وهو ما ترفضه القوى العظمى وهو هجرة اليهود إلى خارج فلسطين.

من ذلك نصل إلى نتيجة مفادها أنّ الدول يتم تشكيلها من القوى العظمى، وهم الذين يصنعون شعوب هذه الدول، فشعوب الإمبراطورية العثمانية الذين كانوا شعبا واحدا، جعلوا منه شعوبا متناثرة بعد تشكيل دولة عديدة، ولا شكّ أنّ الدولة التركية ناتجة عن تلك التقسيمات التي جرت، ونحن قبلنا بذلك، لذا نعيش اليوم تحت حُكم الجمهورية التركية، ونحن من يدير هذه الجمهورية، وتستطيع الدولة التركية خلق شعب وأمة قوية.

نحن نسير في تجاه تحقيق ذلك، لكن ينقصنا أمر ما، وهو قبول ومعرفة أنّ أساس إيجاد شعب قوي، وأمة قوية، هو التعليم، التعليم المبني على الإبداع وليس على الحفظ. لهذا فإنّ على الدولة أن تنتبه جيدا لأسلوب التعليم المتبع، وعليها البدء بتطبيق سياسات أكثر احترافية تدعم إيجاد شعب مبدع وقوي.

ومن أجل تحقيق هذا النقص الذي نعاني منه، علينا إيجاد برامج تعليمية، وأساليب تعليمية خاصة بنا، بدلا من الاعتماد على استنساخها من الدول الأخرى، وعلينا اتخاذ قرارات جريئة من أجل ذلك، والهدف، إيجاد شعب مبدع وقوي.

وكمحصلة، فإنّ الدولة القوية هي من تصنع شعبها.

عن الكاتب

ماهر كايناك

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس