عزيز أوستل – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

في هذه الأيّام، تغرق البقعة الجغرافيّة التي تحتضن كلاً من سوريا والعراق وفلسطين ببحر من الدّماء، وهذا الأمر ليس بجديد. فمنذ القرن التّاسع عشر تتصارع القوى العظمى بين بعضها من أجل السّيطرة على موارد النّفط في هذه المنطقة. لكنّ فاتورة هذه الصّراعات تدفع من دماء شعوب المنطقة.

والسّؤال الوجيه هنا: متى هُدرت أوّل قطرة دمٍ في هذه المنطقة ومن كانت الضّحيّة حينها؟

في عام 1894 قام الملّا رضا باغتيال الشّاه علي أسفر خان عقب خروجه من صلاة الجمعة. وقد علمّ لاحقاً أنّ الملّا رضا تدرّب على يد الاستخبارات الإنكليزيّة في تلك الفترة. وعندما تمّ اغتيال الشّاه علي، قام الجنرال الروسي "لياكوف" بإعطاء الأوامر للإيرانيين والرّوس الذين كانوا تحت إمرته بإطلاق النّارعشوائياً على النّاس في الشّوارع.

حينها مات الآلاف من المدنيّين نتيجة الصّراع من أجل النّفط بين روسيا والولايات المتّحدة وفرنسا وإنكلترا.

وبعد اغتيال الشّاه علي أسفر الدّين، أعلن الرّوس عن الشّاه الجديد وسارعوا إلى توقيع الامتيازات والاتّفاقات النّفطيّة معه في عام 1901. وكان الشّاه الجديد هو مظفّر الدّين شاه.

أمّا الصّراعات داخل أراضي الدّولة العثمانيّة، بدأت قبل اعتلاء السّلطان عبد الحميد السّلطة بعشرين عاماً. حيث كانت نار الصّراعات تلتهم منطقة غيليسيا في أوكرانيا وبولونيا.

وعندما وصل السلطان عبد الحميد إلى السّلطة كانت الصّراعات النّفطيّة قد وصلت إلى ذروتها ضمن الأراضي العثمانيّة. وعندما وقّع السلطان عبد الحميد اتّفاقية الخطوط الحديديّة مع الرّوس عام 1886 في بغداد، بدأت الاستخبارات الفرنسية والإنكليزية بمحاولة زعزعة الأمن والاستقرار داخل الأراضي العثمانيّة. لكن عندما علم عبد الحميد أنّ الغاية التي تكمن وراء محاولات الفرنسيّين والإنكليز لإثارة الفوضى في البلاد هو السيطرة على موارد النّفط في كركوك والموصل، سارع إلى إخضاع تلك الولايتين إلى ملكيّته الخاصّة.

عندها بدأت الدّول الطامعة بالنفط العراقي بمحاولات الرّد على السّلطان عبد الحميد. فقد أرادوا معاقبته على هذه الخطوة التي أقدم عليها. حيث أقدموا على التّحريض القومي في كافّة أرجاء الدّولة العثمانيّة. وقد استخدموا الشّباب الأتراك الذين ترعرعوا في فرنسا من أجل تنفيذ حملاتهم التّحريضيّة هذه، وذلك في شبه الجزيرة العربية والأناضول.

هؤلاء الشّباب الذين نشؤوا في فرنسا والذين أسّسوا جمعيّة الاتّحاد والتّرقّي، سرعان ما خضعوا للرّقابة الألمانيّة.

وبعد ذلك قامت كلٌّ من إنكلترا وألمانيا بطلب امتيازات نفطيّة من السلطان في مناطق كركوك والموصل، وذلك عن طريق إرسال سفرائهم إلى السّلطان. لكنّ عبد الحميد رفض هذه المطالب في كل مرّة.

فلم تجد هذه الدّول أي وسيلة غير الإطاحة بالسّلطان عبد الحميد. حيث قاموا بدعم عناصر الاتّحاد والتّرقّي لكي يعلنوا العصيان ضدّ السّلطان، فقامت الفرقة الثالثة من الجيش التركي باقتحام مدينة إسطنبول وإسقاط السّلطان عبد الحميد. وكانت غالبية هذا الجيش من الألبان والرّوم والصّرب والمقدون.

لكن عناصر الاتّحاد والتّرقّي ارتكبوا خطأً فادحاً عند استلامهم لزمام الأمور في البلاد، فقد قاموا بإخراج ولايتي كركوك والموصل من الملكية الخاصّة للسّلطان وإلحاقها بوزارة الزّراعة والتّجارة.

وبعد قرار الاتّحاد والتّرقّي الأخير، قامت فرقة مؤلّفة من 45 ألف جنديّ إنكليزي بقيادة الجنرال "طونسيند" بالتّقدّم نحو الدّاخل العراقي. لكنّ الجيش العثماني، استطاع الوقوف في وجه الزّحف الإنكليزي.

وعندما فشلت المحاولة العسكريّة أيضاً في السّيطرة على هاتين الولايتينّ عمدت الدّول الطّامعة بإرسال عملائها إلى المنطقة. حيث قام كلٌ من "لورنس" والسّيدة "غيرترود بيل" بتوزيع الذهب في معظم أنحاء الدّول العربيّة لكي يعلنوا العصيان ضدّ السلطان العثماني، وقاموا بزيارة الشّريف حسين وكافّة زعماء العشائر.

وفي هذه الأثناء كانت القوّات الإنكليزية قد أحكمت سيطرتها على الرشاديّة وهاجمت مدرّعات الفاتح فيها.

في 10 آذار/ مارس عام 1914 قامت هيئة برئاسة وزير الماليّة "جاويد بيك" بزيارة إلى العاصمة الإنكليزية لندن، لإجراء محادثات بشأن المدرّعات التي هاجمتها القوات الإنكليزية.

وكان جاويد بيك قد اصطحب معه مسؤول الدّيون العموميّة "غلوست غولبينكيان". وبعد بدء المحادثات بعدّة أيام، طلب الصّدر الأعظم "سعيد حليم" من جاويد بيك العودة إلى إسطنبول بأقصى سرعةٍ ممكنة، فاضطرّ الأخير إلى تعيين غولبينكيان ممثّلاً له في المحادثات.

وقد قام غولبينكيان باستخدام صلاحيّاته ونفوذه، حيث وقّع على كل الاتّفاقيّات التي قدّمتها الحكومة الإنكليزية آنذاك. وكانت هذه الاتّفاقيّات بمثابة تنازل رّسمي عن الأراضي العثمانيّة لصالح الإنكليز.

وبعد توقيع الطرفين على امتيازات النّفط بعشرة أيام، قامت الحكومة الإنكليزية بالمطالبة بحصصها بمواقع النّفط في تلك المناطق.

ومن خلال هذه الاتّفاقيّات، فقد سيطرت الحكومة الإنكليزية على موارد البترول في العراق. ومازالت متمسّكة بهذه الموارد إلى يومنا هذه.

وإذا كانت منطقة الشّرق الأوسط تنزف دماً في هذه الأيام، فسبب ذلك وجود البترول في هذه المنطقة بالإضافة إلى تلك الاتّفاقيّات. فلن تنتهي أزمات الشّرق الأوسط ما دام البترول يخرج من أصقاعها.

عن الكاتب

عزيز أوستال

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس