رائد الحامد - معهد العالم للدراسات

سيواصل حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني إصراره على فرض سلطاته ونظام الإدارة الخاص به على مناطق الشمال السوري دون مشاركة الأطراف الأخرى بما يعني احتمالات تفجّر صراعات في مناطق سيطرته تعزّزها التوترات مع القوات التركية على الحدود المشتركة التي ستدفعها لدخول واسع في عمق الأراضي السورية بمشاركة فصائل المعارضة المسلحة الحليفة لتركيا.

- وفي العراق يُمكن لتمسك حزب العمال الكردستاني بمناطق سيطرته في مناطق سنجار تشجيع تركيا على التدخل البري الواسع بمشاركة قوات البيشمركة الكردية التي تطالب الحزب بسحب مقاتليه من المنطقة التي هي جزء من أراضي إقليم كردستان وفقاً لرؤية الحزب الديمقراطي الكردستاني؛ من شأن هذا أنْ يجر إلى احتمالات التدخل الإيراني إلى جانب حزب العمال الكردستاني عن طريق حلفاء محليين من الحزبين الكرديين في السليمانية وقوات الحشد الشعبي التي تدين لها بالولاء.

وفرت سوريا مُنذ عام 1980 لحزب العمال الكردستاني مقرات ومعسكرات لتدريب مقاتليه، وأمضى زعيم الحزب عبد الله أوجلان قرابة 19 عاماً في سوريا قبل إبعاده عنها خريف عام 1998 خارج الأراضي السورية واعتقاله في العاصمة الكينية، نيروبي، منتصف فبراير/شباط 1999 من قبل وحدات خاصة تركية نقلته إلى تركيا التي حكمت عليه بالإعدام ثمّ خففت الحكم إلى السجن مدى الحياة. وتبنى بشار الأسد بعد مجيئه إلى السلطة خلفاً لأبيه سياسةً أكثر انفتاحاً على تركيا وأكثر ضغطاً وتضييقاً على حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي السورية حيث أغلق المعسكرات الثلاثة للحزب واعتقل عدداً من قياداته.

وبعد الاحتجاجات على نظام بشار الأسد، هيأت الحكومة السورية ظروفاً ملائمةً لتمدد ونمو حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني في الشمال السوري عموماً.

ففي أوائل الاحتجاجات في مارس/آذار 2011، سمحت الحكومة السورية لزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم في عام 2011 بالعودة من منفاه إلى سوريا لقيادة الحزب؛ كما سحبت قوات النظام السوري في النصف الأول من عام 2012 قواتها من معظم مناطق الكثافة الكردية، وسهلت بالتنسيق مع الحكومة العراقية دخول مئات المقاتلين من حزب العمال الكردستاني بكامل تجهيزاتهم القتالية إلى سوريا لدعم حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب للضغط على تركيا وليس للقتال إلى جانبه.

من ناحية أخرى، وسّع الحزب مناطق سيطرته بشكل تدريجي مستغلاً حالة عدم الاستقرار التي مرّ بها العراق واحتلاله من قبل الولايات المتحدة والخلافات بين حكومة إقليم كردستان العراق والحكومة المركزية والخلافات بين الأحزاب الكردية في الإقليم، إضافةً إلى أحداث الموصل 2014. وتتواجد معسكرات ومقرات حزب العمال الكردستاني بمحافظة أربيل في جبال قنديل، 15 كيلومتراً جنوب مدينة حاج عمران على الحدود العراقية الإيرانية ونحو 70 كيلومتراً إلى الجنوب من الحدود التركية؛ ويسيطر الحزب على مساحات واسعة في تلك المناطق وصولاً إلى محافظة دهوك على الحدود التركية.

وبعد أحداث الموصل 2014 سيطر تنظيم الدولة على مدينة سنجار التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة (جناح البارزاني) والتي انسحبت بعد حالة الانهيار العامة في القوات الأمنية وقوات البيشمركة التي رافقت سيطرة التنظيم على الموصل.

وجد حزب العمال الكردستاني الذي كان يتمركز في معقله الرئيسي في جبال قنديل فرصة في التقرب من مناطق سنجار وفرض النفوذ والسيطرة عليها مستغلاً حالة عدم الرضا التي سادت أوساط الأيزيديين من سكان قضاء سنجار بعد انسحاب قوات البيشمركة وسيطرة تنظيم الدولة عليها وفي 3 أغسطس/آب 2014، وتعرض سكانها لانتهاكاتٍ متعددة على يد تنظيم الدولة كما وثقتها منظمات دولية؛ حيث بادر مقاتلو الحزب لاستنقاذ الأيزيديين بنقل بعضهم إلى مخيمات في مناطق سيطرته داخل سوريا أو إلى المناطق الجبلية شمال سنجار.

وتفرضُ قوات حماية شنكال (سنجار) التي شكلها حزب العمال الكردستاني من مقاتلين أيزيديين غاضبين من موقف قوات البيشمركة من هجوم تنظيم الدولة على سنجار سيطرتها على أجزاءٍ من مركز المدينة ومناطق شمال غربي المدينة على مسافةٍ أقل من 15 كيلومتراً جنوب شرقي الحدود السورية في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب داخل الأراضي السورية.

ومع كثرة الخلافات بين القوى الكردية في البلدان الأربعة بالمنطقة، لكنها تلتقي على هدف نهائي مشترك يتمثل في بناء دولة كردية واحدة تضم جميع الأكراد الذين يقدر عددهم بنحو 30 مليون نسمة موزعون على هذه البلدان؛ لكنّ الأحزاب الكردية غير متفقة على السقف الزمني لقيام مثل تلك الدولة أو الآليات التي يجب اتباعها، كما إن عموم ساحة الأحزاب الكردية تُعاني من خلافاتٍ داخليةٍ عميقةٍ وتنافسٍ على القيادة والثروات.

قد لا يفكر حزب العمال الكردستاني بالانسحاب من مناطق سنجار لأهميتها كمنطلق لتنفيذ عملياته داخل المدن التركية أو كامتداد جغرافي للتواصل مع مناطق سيطرته في شمال سوريا التي تخضع منذ أربع سنوات لنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الخاص به؛ كما أن منطقة سنجار تشكل نقطة ربط برية بين مقاتلي الحزب في سنجار وامتداداتها إلى جبال قنديل المعقل الرئيسي للحزب والأجزاء التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب المرتبطة بالحزب في سوريا.

ولا تجيز حكومة إقليم كردستان رسمياً أي نشاط لحزب العمال الكردستاني ضد تركيا بالانطلاق من معاقله في جبال قنديل التابعة لأراضي الإقليم، لكن حكومة الإقليم في موقف لا يؤهلها لخوض مواجهات مع مقاتلي الحزب حيث لا ترى أي مصلحة في الاقتتال الكردي البيني الذي لا يخدم المشروع الكردي في خطوطه العريضة؛ كما أن سيطرة حزب العمال الكردستاني على مساحاتٍ واسعةٍ من أراضي الإقليم يمكن من خلالها تهديد الأمن والاستقرار في المدن الكبرى، ومنها أربيل عاصمة الإقليم؛ لكن حكومة إقليم كردستان تتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع حزب العمال الكردستاني الذي يتمتع مقاتليه بخبرة قتالية عالية، إضافة إلى القاعدة الجماهيرية للحزب لدى عموم الأكراد في بلدان الانتشار الأربعة (العراق وسوريا وتركيا وايران).

ويشكل التوافق في المصالح بين إيران وحزب العمال الكردستاني في مناطق سنجار تهديداً متعدد الأبعاد للأمن التركي والمصالح التركية؛ كما أن التحالف الثلاثي بين حزب العمال الكردستاني وإيران والحشد الشعبي في محافظة نينوى يثير خشية الحكومة التركية من سيطرة الحشد الشعبي على مدينة تلعفر بين مدينتي الموصل وسنجار؛ وتضم تلعفر تركمان شيعة وتركمان سُنّة يشتركون مع الأتراك برابط عرقي مشترك.

ستعني سيطرة الحشد الشعبي على مدينة تلعفر تواصلا ًجغرافياً في مناطق النفوذ الإيراني المحتملة، وستكون قوتي حزب العمال الكردستاني والحشد الشعبي قوة مشتركة تنسق مع بعضها لحماية المصالح الإيرانية وتأمين مناطق نفوذها بما يهدد النفوذ التركي التقليدي في مجالها الحيوي وعمقها الجغرافي باتجاه مناطق العرب السنة في العراق ودول الخليج العربية حيث تمر أنابيب نقل الغاز المنتظرة من الخليج شمالاً إلى تركيا.

ومع تنامي قوة حزب العمال الكردستاني وقدراته القتالية، ونجاحه في بناء شبكة من التحالفات الواسعة مع الحشد الشعبي والحزبين الكرديين الاتحاد الوطني والتغيير (مقرهما السليمانية) وعلاقاته الوثيقة مع إيران والتنسيق معها في نطاق واسع، تبدو مسألة رضوخ الحزب للدعوات التي تطلقها حكومة إقليم كردستان بالانسحاب من مناطق سيطرته غير قابلة للتحقيق، سواء من مناطق سيطرته التقليدية في جبال قنديل أو المناطق المكتسبة حديثا في محيط قضاء سنجار.

مع واقع تحالف الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني في محافظة نينوى، ومع الرغبة في فرض النفوذ على أوسع رقعة جغرافية، لكنّ كلاّ منهما يحترم مناطق سيطرة الطرف الآخر؛ ولا تبدو أي إشارات لاحتمالات التصادم بينهما، كما هي الإشارات في احتمالاتٍ شبه مؤكدة لتصادم حزب العمال الكردستاني مع البيشمركة الكردية وقوات بيشمركة روج آفا التابعة لحرس إقليم كردستان العراق، أو تصادم هاتين القوتين مع الحشد الشعبي بعد الانتهاء من معركة الموصل وطفو عامل الرغبة لدى الأطراف في تحقيق المكاسب المرجوة من مشاركتها في المعركة والتضحيات التي قدّمتها، وهي مكاسب فئوية في معظمها متعارضة مع مصالح الأطراف الأخرى؛ ومن بين أهم الصراعات المتوقعة وسبل تجاوزها واحتمالات إعادة صياغة التحالفات تبرز النقاط الآتية:

1- من غير المستبعد تخلي الولايات المتحدة بعد معركة الرقة عن حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني لصالح تركيا العضو الشريك في التحالف الدولي وحلف شمال الأطلسي.

2- من المتوقع أنْ تبدِّل وحدات حماية الشعب تحالفها في المرحلة اللاحقة من الولايات المتحدة إلى روسيا والحكومة السورية في قتال المعارضة المسلحة بعد الانتهاء من معركة الرقة.

3- إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي على فرض سلطاته وإقصاء جميع القوى الأخرى الكردية وغير الكردية في شمال وشمال شرقي سوريا سيؤدي إلى خلق صراعات بين الفرقاء يمكن أنْ تتفجر في مرحلة ما بعد معركة الرقة أو مرحلة تقاسم السلطات في أيّ تسوية أممية للصراع السوري

4- قد يدفع استمرار التوتر على جانبي الحدود التركية السورية بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية بالقوات التركية للدخول في حرب مفتوحة مع مقاتلي الحزب ووحدات الحماية الشعبية على الأراضي السورية.

5- من المحتمل أنْ تخوض الفصائل الحليفة لتركيا حرباً مفتوحةً بدعمٍ من القوات التركية ضد مقاتلي وحدات حماية الشعب في منبج أو الرقة ومحيطها إذا أصرت القوات الكردية على البقاء في الرقة والطبقة وعدم الانسحاب منهما، ومن مدينة منبج أيضاً.

6- وفي العراق من المحتمل أنْ تشن تركيا عملية برية واسعة تستهدف معاقل حزب العمال الكردستاني في منطقة سنجار بموافقةٍ من الولايات المتحدة وتنسيقٍ ودعمٍ من البيشمركة الكردية (جناح مسعود البارزاني) لحرمان الحزب من موقع بديل أكثر أهمية في شن الهجمات ضد القوات والمدن في العمق التركي من معقله الرئيسي في جبل قنديل.

7- سيشجع إصرار حزب العمال الكردستاني على عدم الانسحاب من مناطق سيطرته في سنجار وشمال غربي سنجار على قيام تحالف تركي مع قوات البيشمركة (جناح مسعود البارزاني) لقتال الحزب في المنطقة وفي جبال قنديل بعد الانتهاء من معركة الموصل وانتظار الموقف الأمريكي المؤجل من وجود مقاتلي الحزب في سنجار الذي يشكل تهديداً مشتركاً لحكومة إقليم كردستان والحكومة التركية. ويمكن لعملية عسكرية تركية ناجحة أن تقضي على تواجد مقاتلي الحزب في منطقة سنجار بما يعقد كثيراً عملية التواصل البري بين معسكرات الحزب في جبل قنديل ومناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري للحزب على الجانب الآخر من الحدود العراقية السورية.

8- في حال دخول البيشمركة الكردية (جناح مسعود البارزاني) بدعمٍ تركي بمواجهاتٍ مفتوحةٍ مع حزب العمال الكردستاني، فمن المرجح حدوث صراع مسلح بين جناح البارزاني في قوات البيشمركة وتحالف جناح الطالباني الذي سيقف إلى جانب حزب العمال الكردستاني إضافةً إلى احتمالاتٍ مؤكدة لدخول الحشد الشعبي إلى جانب مقاتلي الحزب بتوجيهٍ من إيران التي تُفضّل بقاء الحشد الشعبي وحليفه حزب العمال الكردستاني في سنجار لمنافسة النفوذ التركي وتأمين الطريق البري بين إيران والبحر الأبيض المتوسط عبر أراضي محافظة نينوى وصولاً إلى محافظة الحسكة التي يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي.

وللخروج من دائرة الصراعات المتوقعة

وتفاديها سيتطلب الأمر جهدا واسعا تبذله جميع الأطراف المحلية والإقليمية والدولية ووضع أطراف التوتر أمام واقع يقتضي تقديم تنازلات متبادلة لإعادة صياغة التحالفات وتوزيع مساحات السلطة والنفوذ بشكل يرضي الجميع.

ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب دور الوسيط الضاغط على الطرفين للتوصل إلى اتفاق بين حزب العمال الكردستاني والبيشمركة الكردية، وهما طرفان حليفان للولايات المتحدة في قتال تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وليس من مصلحة الولايات المتحدة حصول اشتباكات بينهما تقوض الجهد القتالي ضد التنظيم سواء عن طريق قوات حماية شنكال (سنجار) التابعة للعمال الكردستاني أو وحدات حماية الشعب في سوريا، أو قوات البيشمركة الكردية التي عولّت عليها الولايات المتحدة مُنذ الأيام الأولى لسيطرة تنظيم الدولة على الموصل قبل أن تستعيد القوات العراقية بعض قدراتها وإعادة ترتيب صفوفه.
ومن بين ما يمكن للولايات المتحدة العمل عليه لتسوية الخلافات وضمان عدم تفجر صراعات مسلحة في المنطقة:
 
أولاً: لا بد للولايات المتحدة أن تضغط في مرحلة ما بعد الانتهاء من معركة الموصل باتجاه التوصل إلى تسوية للخلافات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده رئيس إقليم كردستان وحزب العمال الكردستاني من منطلق أنّ البيشمركة الكردية لا يمكن لها أنْ تقضي على وجود حزب العمال الكردستاني الذي له تواجد يمتد لعشرات السنين ومناطق سيطرة ونفوذ يعززه عشرات آلاف المقاتلين في سوريا ضمن وحدات الحماية الشعبية وفي تركيا والعراق؛ إضافة إلى تحالفات مع أحزاب كردية مقرها السليمانية والحشد الشعبي الذي يسيطر على مساحات واسعة في منطقتي تلعفر وجنوب سنجار وصولاً إلى الحدود السورية.

ثانياً: ستتطلب التسوية قبول حزب العمال الكردستاني بتخفيف التوترات مع البيشمركة الكردية (جناح البارزاني) وبيشمركة روج آفا التابعة لقوات حرس الإقليم التي تتشكل من أكراد سوريين والقبول بعودتهم إلى مناطقهم في سوريا.

ثالثاً: في حال فشلت جهود الولايات المتحدة في التوصل إلى تسوية، سيكون على تركيا مهمة مواجهة التهديدات الجدية لانتقال مئات المقاتلين من حزب العمال الكردستاني إلى محيط قضاء سنجار، واحتمالات التنسيق مع الحشد الشعبي في محيط تلعفر وغرب الموصل ليشكلا معاً قوة قتالية واحدة لتعزيز النفوذ الإيراني ومواجهة التواجد التركي بما يشكل تهديداً لها،  مما قد يدفع تركيا مضطرة لشن عملية عسكرية داخل الأراضي العراقية للحد من تواجد مقاتلي الحزب في منطقة سنجار، وهو ما يعقد عملية التواصل البري بين معسكرات الحزب في جبل قنديل ومناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري للحزب على الجانب الآخر من الحدود العراقية السورية.

عن الكاتب

رائد الحامد

باحث ومحلل سياسي عراقي. سبق أن عمل رئيساً لوحدة البحوث والدراسات في مركز بغداد للبحوث الاستراتيجية، وبعد ذلك كرئيس تحرير مجلة "نوافذ الثقافية" وعمل أيضا كمستشار في مجموعة الازمات الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس