ديميتري نيرسيسوف - صحيفة برافدا الروسية - ترجمة وتحرير ترك برس

أعلن وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، مراجعة برلين لسياستها مع تركيا، وعلى وجه الخصوص الحد من التعاون الاقتصادي ومن الاستثمار. وعلى ضوء هذه الخطوة، من سيكون المتضرر الأول من تخفيض التعاون الاقتصادي؟ ومن هو الوريث الذي سيحل محل ألمانيا في تركيا؟

في نهاية الأسبوع الماضي، أوقف وزير الخارجية الألماني، زيغمار غابرييل، إجازته وأدلى بتصريحات نارية ضد تركيا، حيث قال "إن الذي يرفض خدمة مئات الآلاف من المسؤولين والجنود والقضاة، ويسجن عشرات الآلاف من الناس بما في ذلك النواب والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ويقوم بمصادرة الممتلكات، ناهيك عن إغلاق المئات من وسائل الإعلام، واتهام عشرات الشركات الألمانية بشكل عشوائي بدعم الإرهابيين، ويدعو إلى إعادة عقوبة الإعدام، من الواضح أنه يريد أن يدفع بعجلة التاريخ إلى الوراء". وأضاف غابرييل، لقد غيرت أنقرة القيم الأوروبية والمبادئ التي تأسست عليها منظمة حلف شمال الأطلسي.

في الواقع، كان هذا الخطاب الحاد بمثابة ردة فعل على اعتقال السلطات التركية للصحفي والمدافع عن حقوق الإنسان الألماني، بيتر شتوجدتنيرا، بالإضافة إلى  احتجاز عدد من المواطنين الألمان في السجون التركية. وعلى خلفية ذلك، يرى وزير الخارجية الألماني أن جميع المواطنين قد يكونون عرضة لهذا المصير، لذلك دعت وزارة الخارجية الألمانية رعاياها إلى الامتناع عن السفر إلى تركيا سواء للترفيه أو العمل.

وفي هذا الإطار، أشار غابرييل إلى تسجيل انخفاض ملحوظ في عدد الرحلات السياحية إلى تركيا. فعلى سبيل المثال، على مدى العامين الماضيين، لاحظنا انخفاضا حادا في تدفق السياح، حيث كانت نسبة تدفق السياح الألمان 5،6 مليون سائح سنة 2015 وبلغت 4 مليون سنة 2016 والنسبة مستمرة في الانخفاض.

ولكن، لن نعيد النظر في القطاع السياحي، إذ أن برلين تعتزم اليوم غلق برامج الاستثمار الألماني في تركيا، وإنهاء المبادلات التجارية بين البلدين. كما ستعيد النظر فيما إذا كان من المجدي مواصلة التعاون مع تركيا من جانب الاتحاد الأوروبي، خاصة استعدادا لدخول أنقرة إلى الاتحاد. وفيما يتعلق  بالتعاون العسكري، أعلن غابرييل عن إمكانية انسحاب القوات الألمانية من قاعدة حلف شمال الأطلسي في إنجرليك التركية. وهذا يهدد بتحطيم كل الاتصالات العسكرية والتقنية التركية الألمانية.

في كلمة واحدة، إنها الإجراءات المناهضة لتركيا! فمن المهم الإشارة إلى أن البيان الذي أدلى به رئيس الدبلوماسية الألمانية، تم الاتفاق عليه أيضا مع مكتب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مقر زعيم الديمقراطيين الاجتماعيين، مارتن شولتز، أي حزب رئيس الوزراء والمرشح الرئيسي لمنصب المستشار.

حمى العقوبات: إنها تعد بمثابة أعراض سيئة؛ فهي تدل على جدية عدم التوازن في العلاقات الدولية وتعصب قادة الدول. وبالتالي، لن تعود هذه الإجراءات عاجلا أم آجلا أداة فعالة، ما يحيل إلى إمكانية اتباع وسائل أكثر صرامة.  

في الواقع، يعود العامل الرئيسي وراء تدهور العلاقات الألمانية التركية حاليا إلى عضوية الدولتين في الكتلة العسكرية السياسية للناتو. فتركيا لديها ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، بينما تزعم ألمانيا أنها قائدة في الجناح الأوروبي في منظمة حلف شمال الأطلسي. وفي حال لم يكن هناك تفاهم بينهما، فهناك سؤال ينبغي أن يطرح حول طبيعة التحالفات داخل الكتلة.

في المقابل، ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان أن أنقرة تتعارض مع عضو آخر في منظمة حلف شمال الأطلسي ألا وهو اليونان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الاختلاف قد ظهر بعد محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، ثم في مسار المفاوضات بشأن تسوية القضية القبرصية. وهنا بدأت سياسة تركيا في الاختلاف مع سياسات العديد من البلدان الأوروبية الأخرى.

في الحقيقة، إن كل هذا ناتج عن السياسة التي تتبعها برلين ورغبتها  في وضع حد للقوات الخارجية التركية، وعزل أوروبا عن تركيا حتى لو كان عليها  تقسيم الناتو والبدء في بناء ما يسمى بالجيش الأوروبي. وفي ظل المقاطعة التركية، ستتخذ ألمانيا من الولايات المتحدة الأمريكية حليفة لها. ولعل هذا ما تم الإعلان عنه من طرف ميركل. هنا، يمكن النظر إلى المشكلة من جانب آخر خاصة أن ألمانيا واعية بمدى تدهور العلاقات الأمريكية التركية، لذلك ستستغل الوضع وتتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية.

وبناء على كل هذه المعطيات، يظل السؤال مطروحا؛ إذا انسحبت ألمانيا من تركيا، فمن سيأخذ مكانها؟ وهنا نتحدث عن عقد بمليارات الدولارات.

يمكن أن تصبح بريطانيا الوريث الرئيسي لألمانيا في تركيا، وهي قوة مماثلة تماما لألمانيا من ناحية الهيكل الاقتصادي، وفرص التصدير والاستثمار والتكنولوجيا. كما أن الأسلحة والمعدات العسكرية البريطانية تتفق مع معايير منظمة حلف شمال الأطلسي.

وفي هذا الصدد من المهم التذكير بأن العقد الألماني لتوريد الغواصات الإسرائيلية أصبح في طي النسيان، وقد لا يتم تنفيذه نظرا لأن إسرائيل تعاني من نقص في الغواصات. فهل ستكون روسيا ملجأ ألمانيا؟

إذا نظرنا إلى الوراء فيما يتعلق بالتجربة القديمة والتفاعل بين لندن والباب العالي (الإمبراطورية العثمانية)، فسيتبين أن تركيا لديها أسباب كثيرة تفسر عدم اكتراثها لتدهور العلاقات مع ألمانيا والقارة الأوروبية ككل. فضلا عن أن بريطانيا ستكون دائما مستعدة لدعم تركيا، وهذا سيؤدي حتما إلى المزيد من التعاون الإستراتيجي بين الجانبين لاسيما في مجالات التجارة والصناعات الدفاعية والأمن.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس