ترك برس

وصفت صحيفة العرب اللندنية، تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول تفعيل دور المساجد في عموم تركيا خلال الفترة القادمة وجعلها مفعمة بالنشاط بشكل دائم وليس فقط في أوقات الصلوات الخمس، بأنها دليل على توجهه لتكوين مجتمع مواز يعتمد الآليات التقليدية في التواصل، واللعب على البعد الديني لاختراق الوعي الشعبي.

وأشارت الصحيفة، في تقرير لها، إلى أن أردوغان يستنجد بمختلف الأوراق لتثبيت نفسه في السلطة، وآخر هذه الأوراق هي الدعوة إلى توظيف المساجد في الحرب على الخصوم، ما يهدد بتحويل البلاد إلى حالة من الصراع الديني.

وقالت الصحيفة، نقلًا عن "متابعين" للشأن التركي، إن لجوء أردوغان إلى لعب ورقة الدين في الصراع السياسي يمكن أن ينقل تركيا من دولة علمانية إلى دولة دينية تسهل فيها تصفية الخصوم لأبسط الأمور اعتمادا على فتاوى جاهزة.

وأشار المتابعون، بحسب الصحيفة، إلى أن الرئيس التركي يفكر فقط في تثبيت وضعه كرئيس دائم لتركيا، ولا ينظر إلى التداعيات الخطيرة لمثل هذا الموقف الذي قد يعيد البلاد إلى مرحلة التعليم الديني ويضرب التعليم المدني، ويعتبر مبررات كافية لانتشار مجموعات متشددة بين الأتراك مثل داعش والنصرة.

وأضاف التقرير أن هؤلاء "المتابعين" حذّروا من أن يكون الرئيس التركي واقعا تحت سيطرة "جماعات متشددة مثل جماعة الإخوان المسلمين التي يوجد عدد من قياداتها في تركيا، وأن يكون احتماؤه بها لمجرد رغبته في التخلص من قوة خصمه الداعية عبدالله غولن المقيم بالولايات المتحدة".

ولفت "المتابعون"، بحسب العرب اللندنية، إلى أن "تعبئة الشباب التركي بأفكار متشددة كالتي تحملها الجماعة سيفتح الباب واسعا أمام التطرف وظهور دعوات لتكفير المجتمع ومن ثمة الانعزال عنه والدعوة إلى محاربته".

ويُعد "غولن"، المتهم الأول بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو/تموز من العام 2016، وتطالب تركيا الولايات المتحدة الأمريكية بتسليمه إلى العدالة بدلًا من احتضانه ودعم عناصر منظمته المصنفة في قائمة الإرهاب.

في سياق متصل، تطرق تقرير آخر في الصحيفة ذاته إلى مشروع قانون قدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم إلى البرلمان التركي، ويعطي صلاحيات لموظفين من مديرية الشؤون الدينية "المفتي" بتسجيل عقد الزواج بعد أن كانت هذه المهمة تنحصر بموظفي البلديات أو المختار في تركيا.

وبحسب التقرير، يستغرب معارضون أتراك طرح هذا المشروع للتصويت في غياب أيّ مشاكل تعترض الأتراك من الزواج المدني، ولا يجدون أيّ مبرّر لهذه المغامرة القانونية سوى رغبة أردوغان في تركيز جهاز مواز يقسّم الأتراك ويثير بينهم الخلافات حول الهوية الدينية والهوية المدنية.

وقالت الصحيفة إن منظمات مدنية وحقوقية لا تستبعد أن يكون إقرار الزواج الديني هادفا لجعله مرجعية وحيدة لدى الأتراك، وأن تعمد الحكومة إلى تشجيع الناس على تهميش الزواج المدني، وهو ما من شأنه أن يدفع إلى الاعتراف بنماذج مقنّعة مثل الزواج العرفي وغيره من التسميات الرائجة بين أوساط إسلامية متشددة.

وتحذّر هذه المنظمات، بحسب العرب اللندنية، من أن السكوت عن التغييرات الجوهرية التي يخرق بها أردوغان جدار العلمانية ستزيد من خطواته لأسلمة الدولة وضرب هويتها المدنية، لافتة إلى أن خطورة مشروع الرئيس التركي لا تقف عند المواقف السياسية التي وسّعت دائرة أعداء تركيا، وإنما في وضع أسس مشروع ديني منغلق وسط ارتباك وتردد بين القوى العلمانية.

وأضافت الصحيفة: "لا يخفي أردوغان أفكاره المتشددة ورغبته في أن يعيد تركيا إلى الوراء عبر قوانين تقلل من شأن المرأة أو تتدخل في الحريات الشخصية للأتراك مثل تحريم الإجهاض والحث على إنجاب عدد كبير من الأطفال “3 على الأقل”، والتمييز بين الجنسين، وهي الأفكار التي أدت إلى مظاهرة كبرى بميدان تقسيم في يونيو 2013".

وتدخل أردوغان في تقاليد الأتراك التاريخية عندما رفض اعتبار عرق "الراكي" شراب الأتراك، مطالبا باستبداله بشراب لبن “العيران” ما أثار موجة من الاستهجان والتهكم.

وحتى لا تبقى هذه الأفكار بعيدة عن التنفيذ دعا الرئيس التركي السبت الماضي إلى تفعيل دور المساجد في عموم البلاد خلال الفترة القادمة وجعلها مفعمة بالنشاط بشكل دائم وليس فقط في أوقات الصلوات الخمس وهو ما اعتبره متابعون دليلا على توجه أردوغان لتكوين مجتمع مواز يعتمد الآليات التقليدية في التواصل، واللعب على البعد الديني لاختراق الوعي الشعبي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!