إسماعيل جمال - القدس العربي
بعد أشهر طويلة من تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية للمطلب التركي القديم الجديد بإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية، جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى أنقرة وتوقيع اتفاقية لنقل «الغاز الروسي» إلى تركيا لتحرك الموقف الأمريكي ولو قليلاً اتجاه المطلب التركي.
وترفض تركيا بشكل قاطع المشاركة في التحالف الدولي الذي ترأسه الولايات المتحدة للحرب على تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا، مطالبةً بإقامة منطقة عازلة «آمنة» وتوسيع عمليات التحالف لتشمل النظام السوري، وهو ما لم توافق عليه الولايات المتحدة حتى الآن.
واتفق أردوغان وبوتين خلال زيارة الأخيرة لأنقرة، الإثنين الماضي، على زيادة إمدادت الغاز الروسي لأنقرة، التي تعاني نقصاً في مصادر الطاقة، ووقعا العديد من الاتفاقيات التجارية التي تهدف إلى رفع التبادل التجاري بين البلدين إلى 100 مليار دولار، على الرغم من حجم الخلافات السياسية بين البلدين حول الأزمة السورية، وبالتزأمن مع تصاعد الخلافات بين أنقرة وواشنطن حول «المنطقة العازلة».
وخلال المؤتمر الصحافي بين الزعيمين، قال أردوغان إنه أوضح للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين «حقيقة النظام السوري القائم على القتل»، مشيراً إلى أنهم متفقون في ضرورة الوصول إلى حل شامل للأزمة السورية، إلا أنهم مختلفون في كيفية الحل، ولفت إلى أنه أكد لبوتن موقف أنقرة من الأزمة السورية، ومسؤولية نظام الأسد عن مقتل أكثر من 300 ألف إنسان، وعدم إمكانية تحقيق أي حل للأزمة السورية في ظل بقاء الأسد.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أوضح أن الولايات المتحدة وتركيا تجريان محادثات بشأن منطقة الحظر الجوي، لافتاً إلى أن تركيا عضو بحلف الناتو، وشريك مهم في التحالف الدولي ضد «داعش»، واعتبر أن ما يحدث في سوريا له تأثيرات كبيرة على تركيا بسبب المساحة الحدودية الكبيرة التي تجمع بين البلدين، على حد تعبيره.
وقال كيري، في مؤتمر صحافي عقده في المقر الرئيسي لحلف شمال الأطلسي «الناتو» بالعاصمة البلجكية بروكسل: «لذلك نحن نجري مباحثات هامة مع تركيا في هذا الشأن، فنائب الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، زار تركيا قبل فترة قصيرة، وعقد لقاءات مهمة مع الرئيس أردوغان، ورئيس الوزراء داود أوغلو الذي زار العراق مؤخرا، وهذه المباحثات مستمرة مع حلفائنا الأتراك لبحث الأزمة السورية، وتناول كيفية تحقيق الأمن في أفضل أشكاله بالمنطقة».
وأفاد كيري أنهم يرون أن الأسد فقد شرعيته، مضيفاً: «ونرى كذلك أن بقاء الأسد في السلطة لن يؤدي إلى تحقيق السلام في البلاد، فسوريا بحاجة إلى تغيير»، وشدد على ضرورة أن يكون هذا التغيير بالحلول السياسية لا العسكرية، على حد تعبيره.
لكن على الرغم من التصريحات الأمريكية الإيجابية التي تبعت زيارة بايدن إلى تركيا، شن الرئيس رجب طيب أردوغان هجوماً عنيفاً على الولايات المتحدة، قائلاً: «أمريكا تتصرف بوقاحة، حيال الصراع في سوريا»، متسائلاً: «لماذا يأتي شخص إلى المنطقة بعد سفر لأكثر من 12 ألف كيلومتر؟ أريد أن أقول لكم بأننا نرفض التردد وانعدام المسؤولية والمطالب التي ليس لها نهاية».
وأضاف أردوغان في التصريحات التي أظهرت حجم الخلافات بين أنقرة وواشنطن: «ينظرون إلى طاغية مثل الأسد ذبح 300 ألف شخص من شعبه، ويلتزمون الصمت بوجه وحشيته، والآن يقومون بمسرحية حول الضمير الإنساني في كوباني.. سنحل مشاكلنا بمساعدة شعبنا».
كيري، عاد وأكد أنه «من المبكر أن نقول إننا أحرزنا تقدماً مع تركيا بشأن إنشاء مناطق عازلة أو آمنة في سوريا، أو اقتربنا من اتخاذ قرار في هذا الشأن».
من جهته، اعتبر وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو»؛ أن مواقف كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية، تشهد تقارباً حيال مسألة إنشاء منطقة حظر للطيران في سوريا.
وقال أوغلو: «إن موقف تركيا واضح جداً؛ إذ ينبغي تكوين سياسة شاملة، كما ينبغي أن تتطابق الأقوال مع الأفعال، واتخاذ إجراءات فعلية وشاملة في أقرب وقت ممكن، خاصة وأن الغارات الجوية التي تشن على مواقع تنظيم داعش ليست كافية»، مشدداً على ضرورة دعم المعارضة السورية المعتدلة والجيش السوري الحر، وعدم تجاهل البعد الانساني في المسألة السوريّة، وإبراز الأهمية الاستراتيجية لمدينة حلب على جدول أعمال الاجتماع.
ولفت أوغلو إلى أن دول الحلف؛ «تمتلك وجهات نظر متطابقة مع تركيا؛ حيال ضرورة وضع استراتيجية شاملة ومُلِحَّة لمكافحة الإرهاب، وأن الدول المشاركة في الاجتماعات؛ قدمت مقترحات مختلفة؛ من بينها القيام بعمليات بريّة، واتخاذ كافة التدابير اللازمة كإنشاء منطقة حظرٍ للطيران».
والثلاثاء، سمحت تركيا بعبور 150 من عناصر قوات البيشمركة (جيش شمال العراق)، إلى الأراضي السورية، متجهين إلى مدينة عين العرب (كوباني) التابعة لمحافظة حلب بالشمال السوري، للمشاركة في القتال الدائرة بين الأكراد المدعومين من طائرات التحالف الدولي، ومسلحي تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس