مجاهد ديرانية - ترك برس

الذين تابعوا حسابات جبهة النصرة ومنابرها الإعلامية خلال اليومين الماضيين أدهشهم أسلوبُ تعاطيها مع الحدث، فقد صورت الدخولَ التركي إلى سوريا وكأنه حرب عالمية ضدّها، وخيّلَت لأنصارها وأتباعها أنها ستخوض مع الجيش التركي “الغازي الكافر” معركة العصر وملحمته الكبرى (وذلك قبل انكشاف نفاقها ومرافقة بعض عناصرها لطليعة القوات التركية التي عبرت الحدود اليوم).

|والحقيقة أن جبهة النصرة لا تمثل سوى “كسر عشري” في حسابات تركيا وإستراتيجيتها في سوريا، فقد كانت أولويّة السياسة التركية دائماً (وما تزال) هي “المسألة الكردية” وتأثيرها في أمنها القومي، فانفصال أكراد سوريا في دولة مستقلة تمتد على طول الحدود الجنوبية هو أسوأ كابوس يمكن أن تتخيله تركيا، وهي تعلم أن التنظيمات الكردية الانفصالية لم تعد جماعات يتيمة بعدما تبَنَّتْها أمريكا رسمياً وعملياً ومنحتها الضوء الأخضر لإنتاج الإقليم الكردي (روج آفا) الذي سيمتدّ من المالكية إلى عفرين، وربما إلى كسب، فقد باتت أعين الجميع متجهة إلى البحر، الأكراد والأمريكان والروس والإيرانيين.

هذا يعني -باختصار- أن معركة تركيا مع الانفصاليين الأكراد هي معركةٌ مع أمريكا ذاتها، ومن هنا جاءت ضرورة تكوين “محور إقليمي” والتحالف مع “قوة دولية كبرى” تكافئ القوة الأمريكية. هذه الضرورة تفسّر التقارب التركي الإيراني الأخير وتفسر أيضاً التنسيق التركي الروسي، كما تبرّر الوقتَ الطويل الذي استغرقه الإعدادُ للعملية التي بدأ الحديث عنها منذ ثلاثة أشهر على الأقل، فهذا الوقت لم يكن لازماً للإعداد العسكري الذي يمكن إنجازه في أسابيع قليلة، بل كان ضرورياً لتجهيز المسرح السياسي الدولي للدخول.

سوف تكون جبهة النصرة “ضحية جانبية” من ضحايا العملية بالتأكيد، فإذا اختارت الانسحاب سينتهي مشروعها الذي قاتلت الفصائلَ كلها من أجله، مشروع الحكم والسلطان والنفوذ، وإذا اختارت القتال ستنتهي بسرعة لأنها كيان هَشّ لا يستطيع الصمود أمام الدول، ومهما بلغت قوتها فلن تبلغ معشار ما بلغته داعش في ذروة صعودها، وكما وصفتُ داعش في ذلك الوقت بأنها “نمر من ورق” فكذلك أصفُ جبهة النصرة اليوم، فهي أسدٌ على فصائلنا المسالمة لكنها دجاجة أمام الكبار، مجرد نمر من ورق نفخت فيه فصائلُنا الخائرةُ الروحَ.

ما يهمنا في ثورتنا هو النتيجة النهائية للعملية، وهي ستكون خيراً لسوريا والثورة بإذن الله، فالمصالح التركية والثورية تتقاطع اليوم لدرجة كبيرة، وليس من شأن التقارب التركي الروسي أن يثير القلق لأنه تقارب عابر، فالعلاقات بين الدول تتسم بالتبدل السريع وفقاً لتبدل المصالح ولا يمكن قياسها بعلاقات البشر العاديين التي تتّسم بالديمومة والثبات، وقد رأينا كيف اقتربت تركيا من أمريكا حيناً وابتعدت عن روسيا، ثم انعكس الأمر فانقلب التقارب مع أمريكا عداءً وتغيّر العداء مع روسيا إلى تقارب، ثم انقلب الحال بعد ذلك مرتين فعاد إلى الصورة التي نراها اليوم، ولن يلبث أن يتغير مرة أخرى عمّا قريب.

أما موقفنا من هذا الدخول فينبغي أن يكون واحداً لا غير، فإن يكن خيراً فلا يردّ الخيرَ ولا يرفضه إلا أحمق، وإن يكن شراً فهو أقل الشرور التي تنتظرها إدلب وهو أقل الخيارات السيئة سوءاً، لأن البدائل هي مشروعات إيرانية وأمريكية مآلها تمدد الإقليم الكردي في الشمال أو حريق إدلب وسيطرة النظام لا قدّر الله.الذين تابعوا حسابات جبهة النصرة ومنابرها الإعلامية خلال اليومين الماضيين أدهشهم أسلوبُ تعاطيها مع الحدث، فقد صورت الدخولَ التركي إلى سوريا وكأنه حرب عالمية ضدّها، وخيّلَت لأنصارها وأتباعها أنها ستخوض مع الجيش التركي “الغازي الكافر” معركة العصر وملحمته الكبرى (وذلك قبل انكشاف نفاقها ومرافقة بعض عناصرها لطليعة القوات التركية التي عبرت الحدود اليوم). |والحقيقة أن جبهة النصرة لا تمثل سوى “كسر عشري” في حسابات تركيا وإستراتيجيتها في سوريا، فقد كانت أولويّة السياسة التركية دائماً (وما تزال) هي “المسألة الكردية” وتأثيرها في أمنها القومي، فانفصال أكراد سوريا في دولة مستقلة تمتد على طول الحدود الجنوبية هو أسوأ كابوس يمكن أن تتخيله تركيا، وهي تعلم أن التنظيمات الكردية الانفصالية لم تعد جماعات يتيمة بعدما تبَنَّتْها أمريكا رسمياً وعملياً ومنحتها الضوء الأخضر لإنتاج الإقليم الكردي (روج آفا) الذي سيمتدّ من المالكية إلى عفرين، وربما إلى كسب، فقد باتت أعين الجميع متجهة إلى البحر، الأكراد والأمريكان والروس والإيرانيين. هذا يعني -باختصار- أن معركة تركيا مع الانفصاليين الأكراد هي معركةٌ مع أمريكا ذاتها، ومن هنا جاءت ضرورة تكوين “محور إقليمي” والتحالف مع “قوة دولية كبرى” تكافئ القوة الأمريكية. هذه الضرورة تفسّر التقارب التركي الإيراني الأخير وتفسر أيضاً التنسيق التركي الروسي، كما تبرّر الوقتَ الطويل الذي استغرقه الإعدادُ للعملية التي بدأ الحديث عنها منذ ثلاثة أشهر على الأقل، فهذا الوقت لم يكن لازماً للإعداد العسكري الذي يمكن إنجازه في أسابيع قليلة، بل كان ضرورياً لتجهيز المسرح السياسي الدولي للدخول.

سوف تكون جبهة النصرة “ضحية جانبية” من ضحايا العملية بالتأكيد، فإذا اختارت الانسحاب سينتهي مشروعها الذي قاتلت الفصائلَ كلها من أجله، مشروع الحكم والسلطان والنفوذ، وإذا اختارت القتال ستنتهي بسرعة لأنها كيان هَشّ لا يستطيع الصمود أمام الدول، ومهما بلغت قوتها فلن تبلغ معشار ما بلغته داعش في ذروة صعودها، وكما وصفتُ داعش في ذلك الوقت بأنها “نمر من ورق” فكذلك أصفُ جبهة النصرة اليوم، فهي أسدٌ على فصائلنا المسالمة لكنها دجاجة أمام الكبار، مجرد نمر من ورق نفخت فيه فصائلُنا الخائرةُ الروحَ.

ما يهمنا في ثورتنا هو النتيجة النهائية للعملية، وهي ستكون خيراً لسوريا والثورة بإذن الله، فالمصالح التركية والثورية تتقاطع اليوم لدرجة كبيرة، وليس من شأن التقارب التركي الروسي أن يثير القلق لأنه تقارب عابر، فالعلاقات بين الدول تتسم بالتبدل السريع وفقاً لتبدل المصالح ولا يمكن قياسها بعلاقات البشر العاديين التي تتّسم بالديمومة والثبات، وقد رأينا كيف اقتربت تركيا من أمريكا حيناً وابتعدت عن روسيا، ثم انعكس الأمر فانقلب التقارب مع أمريكا عداءً وتغيّر العداء مع روسيا إلى تقارب، ثم انقلب الحال بعد ذلك مرتين فعاد إلى الصورة التي نراها اليوم، ولن يلبث أن يتغير مرة أخرى عمّا قريب.

أما موقفنا من هذا الدخول فينبغي أن يكون واحداً لا غير، فإن يكن خيراً فلا يردّ الخيرَ ولا يرفضه إلا أحمق، وإن يكن شراً فهو أقل الشرور التي تنتظرها إدلب وهو أقل الخيارات السيئة سوءاً، لأن البدائل هي مشروعات إيرانية وأمريكية مآلها تمدد الإقليم الكردي في الشمال أو حريق إدلب وسيطرة النظام لا قدّر الله.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس