ترك برس

أدى الموقف الغربي من محاولة الانقلاب في تركيا وما تلاه من سحب صواريخ الباتريوت، إلى تهاوي الثقة بين تركيا وحلفائها الغربيين، ولم تنتظر تركيا كثيرًا قبل أن تتجه إلى روسيا هذه المرة سعيًا وراء واحدة من أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطورًا حول العالم.

ففي يوليو/تموز الماضي، أعلن وزير الدفاع التركي اكتمال الاتفاق بين موسكو وأنقرة على صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي "إس-400"، وفق تقرير نشره موقع "إضاءات" للخدمات التحليلية، بعنوان "تركيا الجديدة: موسم الهجرة إلى الشرق".

الأمر هنا لا يقف عند مجرد شراء أنظمة من دولة المفترض أنها معادية لحلف الناتو، بل يضرب في صميم عمل الحلف نفسه، فأنظمة "إس-400" لن تكون متوافقة إطلاقا مع عمل منظومات الدفاع الجوي في الحلف.

هذا يعني عسكريا وعلى الأرض أن مظلة الترصد الجوي والراداري للحلف لن تكون متوافقة مع تلك التركية، وإذا مددنا الخيط على استقامته، ستكون فكرة خروج تركيا من الحلف أمرًا منتظرًا بشكل أو بآخر.

يبدو هذا الأمر مستبعدًا على المدى القريب ومنظورًا على المدى الاستراتيجي، ويمكن أن نفسر هذا التقارب العسكري بأنه محاولة لابتزاز حلف الناتو والتهديد بالخطر الروسي في حال ظل الناتو ومن يسيّره على موقفه المتجاهل للدولة التركية.

أما على الجانب الأمريكي، فلم تمر أخبار الصفقة التركية الروسية دون ردود فعل غاضبة، الأمر الذي بدا واضحًا من خلال تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال جوزيف دانفورد، في 23 يوليو/تموز الماضي، في منتدى أمني في ولاية كولورادو الأميركية.

وقال دانفورد: "لم تأخذ (تركيا) بعد نظام إس-400 الدفاعي الصاروخي من روسيا، ومن شأن ذلك أن يكون مصدر قلق لدينا، لأنهم عازمون على فعل ذلك، لكنهم لم يفعلوا ذلك بعد"، مشيرًا إلى استحالة ربط نظام "إس-400" بشبكة حلف شمال الأطلسي.

أما على الجانب الروسي فيمكننا أن نقرأ هذه الصفقة كجزء من الاستراتيجية الروسية لتقويض حلف شمال الأطلسي، وخصوصًا أن العقيدة الروسية، التي تم تحديثها في 2014، حددت الحلف كأحد المخاطر العسكرية الخارجية الرئيسية.

ويبدو الأمر ذا دلالة خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن إيران مثلا لم تتمكن حتى الآن من توقيع صفقة مماثلة مع روسيا، فأكثر أنظمة دفاعها تطورًا هو "إس-300" والذي حصلت عليه العام الماضي.

إذا أضفنا إلى هذه الأمور الجانب الاقتصادي حيث يصل حجم التبادل التجاري الروسي التركي 28 مليار دولار ومن المتوقع مضاعفته إلى جانب التعاون الروسي التركي في ملفات متعددة أبرزها بناء مفاعل للطاقة النووية بتركيا، وإكمال بناء خط الغاز "ترك ستريم" والذي سينقل الغاز من قلب روسيا إلى وسط أوروبا. كل هذه الأمور تساهم بشدة في تعميق الشراكة الروسية-التركية.

تأتي أخيرًا عملية إدلب التي تتحرك فيها قوات الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا بغطاء جوي روسي، لتقول إن المسألة السورية التي كانت تعكر صفو العلاقات التركية مع روسيا وإيران، قد انتهت إلى تسوية ارتضتها الدول الثلاث، بل وأضحت نقطة التقاء جديد بينها.

هذا هو المشهد الحالي الذي تنتمي إليه تركيا الجديدة؛ تركيا التي بناها أردوغان وحزب العدالة والتنمية على مدى أكثر من 15 عامًا ببطء وصبر شديد، لكن بجد شديد كذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!