خاص ترك برس

بعث وزير الخارجية البريطاني جيمس بلفور، رسالة إلى أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة البارون روتشيلد، قال فيها إن بإمكانهم إقامة دولة يهودية على الأراضي الفلسطين، في 2 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1917. وقد سجل التاريخ هذا الحدث بـ "وعد بلفور".

وفي 14 مايو/ أيار عام 1948 تم إعلان تأسيس إسرائيل من قبل ديفيد بن غوريون، الذي يعتبر بأنه أحد مؤسسي إسرائيل وأول رئيس الوزراء لديها.

وفي 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.

هذه التواريخ الثلاثة هي من النقاط الحرجة التي أدت إلى بداية أزمة إسرائيل وجعلها معقّدة وصعبة الحل. كما أنها في نفس الوقت تمثل المرحلة التي خسر فيها العالم الإسلامي قوته وعلوّه.

لقد خضعت إدارة القدس التي تعتبر من الأماكن المقدسة لدى الأديان السماوية الثلاثة، لحكم المسلمين خلال فترة الخليفة عمر بن الخطاب، وبقيت تحت الحكم الإسلامي حتى بدايات انهيار الدولة العثمانية عام 1917 بقي القدس على إدارة المسلمين، عدا فترة الحكم الصليبي لمدة 90 سنة.

بدأت الدولة العثمانية تفقد قوتها في بداية القرن 18 وعلى الرغم من وصفها بـ"الرجل المريض، إلا أنها كانت دولة قوية وذات شأن حتى مرحلة الانهيار.

في القرن العشرين، دخل المسلمون إلى الأراضي التي يعيشون فيها، عدا تركيا، وقد ذاقوا طعم الاستملاك والاستعمار، وبدأوا يعيشون وفق هذا الفكر طوال سنوات.

ومنذ القرن العشرين أصبح القدس هي الرمز الذي يُذكّر المسلمين بقوتهم ويشرح لهم حالتهم المؤسفة والمؤلمة في الوقت الحاضر، وبعبارة أخرى، إذا كانت القدس في حالة سيئة فإن العالم الإسلامي يكون في أسوأ حال.

وأيضا تُعدّ القدس أملا لدى جميع المسلمين الذين ربّوا من بينهم بطلًا شجاعًا يُدعى صلاح الدين الأيوبي، وتمكنوا بعزيمته من فتح القدس والسيطرة عليها مجددًا، وسحق الصليبيين الذين أذاقوا الشعب المسلم الويلات.

أمّا قرار دونالد ترامب الأخير بشأن القدس، فإنه دفع المسلمين إلى محاسبة أنفسهم. فقد بدأوا هذه المرة يتساءلون عن ما يستطيعون فعله لأجل القدس، بدلا من إبداء ردود فعل حماسية وعاطفية.

ينصحنا المثقفون بأن نتعلم تاريخ القدس جيدا. وينشر الكتّاب مقالات حول تطوير الشعور بالمسؤولية، وأهمية العمل المنظم والمنضبط، أي أن القدس أصبحت الآن مثل مرآة لدى المسلمين تجعلهم يحاسبون أنفسهم.

وكأن الجميع بدأ يُدرك بأننا إذا لم نغيّر من حالنا ونرتّب أمورنا ونعيش الأخلاق التي يوصينا بها الإسلام، فإن حال القدس لن يكون أفضل على الإطلاق.

وتحاول البلدان الإسلامية تحديد وسيلة نضال مشتركة فيما بينها، من خلال اجتماعات سريعة ومنتظمة غير مسبوقة. وقمة القدس التي انعقدت في إسطنبول بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، هي خير دليل على ذلك.

وباتت تركيا، بخطوتها الأخيرة، البلد الأكثر انتاجًا للسياسات ضد قرار الرئيس الأمريكي بشأن القدس. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينفذ تكتيكًا مزدوجًا في الوقت الراهن.

الرئيس أردوغان يحاول من جهة أن يجعل الرأي العام المسلم قويًا ويتمتع بالحيوية والنشاط، من خلال التصريحات القاسية التي يُدلي بها خلال الفعاليات المختلفة.

ومن جهة أخرى، يسعى الرئيس التركي إلى إفشال خطوة نظيره الأمريكي ترامب، من خلال المباحثات الدبلوماسية المكثّفة مع زعماء الدول الأخرى.

وأيضا يحاول أردوغان بجهوده الدبلوماسية، تشكيل توازن جديد من خلال ضم روسيا والصين والدول الأوروبية ضد الولايات المتحدة الأمريكية التي تفقد تأثيرها في الشرق الأوسط.

ويدعو الرئيس أردوغان الدول الأخرى إلى اتخاذ المزيد من المبادرات، مشيرًا إلى أن القرار الأمريكي بشأن القدس، سوف يزيد الفوضى في أنحاء العالم.

ولكن يصعب جدًا التنبؤ ما إذا كانت تركيا والدول المساندة لها خلال هذه العملية، سوف تساهم في تغيير حال القدس والمسلمين المستمر منذ مائة عام.

علينا ينبغي أن نكون متفائلين ونتجنب التشاؤم إزاء الوضع المحزن في القدس، وأن نُدرك بأن هذا النضال والكفاح سيكون طويلًا وبحاجة إلى الصبر.

وسيكون هذا النضال بالفعل، نصرًا جميلًا للإنسانية جمعاء، إذا ما أعطيناه حقه واستمر بشكل حازم.. ونتمنى من الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا فرصة رؤية القدس حرّة.


بقلم "محمد ألغَن"، الباحث السياسي والبرلماني السابق في صفوف حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، والمهتم بالشأن العربي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!