إسماعيل جمال - القدس العربي

على هامش زيارته التي وصفت بـ«التاريخية» إلى اليونان، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الرئيس السوداني عمر البشير وافق على قيام تركيا بإعادة ترميم جزيرة سواكن التاريخية التي كانت تعتبر أحد أبرز المراكز السياسية والاقتصادية للدولة العثمانية في الشرق الأوسط، وتضم ميناء سواكن الهام.

لكن أردوغان استخدم إلى جانب ذلك مصطلح «تخصيص»، والذي يفهم منه أن السودان وافق على أن تكون الجزيرة تحت تصرف تركيا وإدارتها لفترة غير محددة أو معلنة، وهو الأمر الذي أثار مخاوف وغضبا مصريا ظهر بشكل واضح في وسائل الإعلام المصرية، وسعوديا صامتا حتى الآن.

هذه المخاوف استندت إلى احتمالية أن يكون الحديث عن «تخصيص» الجزيرة وإعادة ترميم الآثار العثمانية فيها ليس إلا مقدمة للتأسيس لنفوذ تركي يحضر له أردوغان في السودان يُتوقع أن يتوج خلال الفترة المقبلة بالإعلان عن بناء قاعدة عسكرية تركية في هذا البلد.

وفي حال حصول ذلك، يكون السودان ثالث بلد عربي في الشرق الأوسط يحتضن قاعدة عسكرية تركية وذلك بعد أن أقام الجيش التركي قاعدة عسكرية في الصومال تطل على خليج عدن الإستراتيجي، وقاعدة عسكرية في قطر تطل على الخليج العربي، فيما ستكون القاعدة العسكرية التركية في السودان ـ في حال إنشائها- تطل على البحر الأحمر الإستراتيجي.

تسلم تركيا لهذه الجزيرة المُقابلة للسواحل السعودية والمجاورة لمصر، يأتي في ظل تصاعد التوتر بين القاهرة والخرطوم حول منطقتي «حلايب وشلاتين»، كما يأتي ذلك في ظل تصاعد التوتر بين أنقرة من جهة ومحور السعودية والإمارات ومصر من جهة أخرى، وذلك على وقع مخاوف سعودية من مساعي أردوغان لـ»خطف» زعامة العالم الإسلامي من الرياض، والأزمة مع الإمارات عقب تغريدة وزير الخارجية عبد الله بن زايد التي اعتبرت مسيئة لأردوغان وتركيا والدولة العثمانية.

وأجرى أردوغان زيارة هي الأولى لرئيس تركي إلى السودان منذ عقود طويلة، امتدت على مدار يومين، وشملت لقاءات مع الرئيس عمر البشير وكبار السياسيين في البلاد، وألقى كلمة في البرلمان، وأخرى في جامعة الخرطوم التي منحته الدكتوراة الفخرية، وقام بجولة ميدانية في جزيرة سواكن، وغيرها من الزيارات.

لكن اللافت أكثر في هذه الزيارة هو الترحيب غير المسبوق الذي استقبل فيه أردوغان، حيث اصطف عشرات آلاف المواطنين على جانبي الطرق وحملوا أعلام تركيا ورددوا هتافات ترحب بالرئيس الضيف، وتكرر المشهد في جميع تحركات أردوغان بجامعة الخرطوم وسواكن وداخل أروقة البرلمان.

وفي ختام المنتدى الاقتصادي الذي ضم رجال أعمال من البلدين، أعلن أردوغان أن السودان خصصت جزيرة سواكن لتركيا كي «تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية غير محددة»، وقال: «طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين لنعيد إنشاءها وإعادتها إلي أصلها القديم والرئيس البشير قال نعم».

وتابع أردوغان حديثه بالقول: «»هناك ملحقا لن أتحدث عنه الآن»، وهي العبارة التي فتحت الباب واسعاً أمام التكهنات حول هذا الملحق الذي توقع البعض أنه يتعلق على الأغلب بإنشاء قاعدة عسكرية للجيش التركي في السودان ربما يكون في الجزيرة ذاتها، فيما ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بالحديث عن احتمال إنشاء تركيا لميناء عسكري على سواحل السودان، لا سيما وأن أنقرة سعت خلال السنوات الأخيرة على تعزيز أسطولها البحري وطورت صناعاتها الحربية البحرية.

وميناء سواكن هو الأقدم في السودان ويستخدم في الغالب لنقل المسافرين والبضائع إلى ميناء جدة في السعودية، وهو الميناء الثاني للسودان بعد بور سودان الذي يبعد 60 كلم إلى الشمال منه.واستخدمت الدولة العثمانية جزيرة سواكن مركزا لبحريتها في البحر الأحمر، وضم الميناء مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 و1885.

ومن ضمن الاتفاقيات الـ21 التي جرى توقيعها بين تركيا والسودان خلال زيارة أردوغان التي رافقه فيها رئيس أركان الجيش خلوصي أكار اتفاقية تتعلق بالتعاون الدفاعي والتعاون في مجال الصناعات الدفاعية، دون الكشف عن تفاصيل أكثر في هذا الجانب، بالإضافة إلى تشكيل مجلس للتعاون الإستراتيجي بين البلدين.

يذكر أن السلطات السودانية أبدت تعاوناً كبيراً مع تركيا في الجانب الأمني، وفتحت المجال قبل أسابيع أمام الاستخبارات التركية لاعتقال ونقل أحد قيادات «تنظيم غولن» من السودان إلى أنقرة.

تعاون عسكري وأمني بين البلدين

والثلاثاء، أعلن وزير الخارجية السوداني ابراهيم غندور أن السودان وتركيا وقعا اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني، لافتاً إلى أنه من بين هذه الاتفاقيات «إنشاء مرسى لصيانة السفن المدنية والعسكرية»، مضيفاً: «وزارة الدفاع السودانية منفتحة على التعاون العسكري مع أي جهة ولدينا تعاون عسكري مع الأشقاء والأصدقاء ومستعدون للتعاون العسكري مع تركيا.. وقعنا اتفاقية يمكن أن ينجم عنها أي نوع من أنواع التعاون العسكري».

وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش اوغلو انه «تم توقيع اتفاقيات بخصوص أمن البحر الأحمر»، مؤكدا أن تركيا «ستواصل تقديم كل الدعم للسودان بخصوص أمن البحر الأحمر»، لافتاً إلى أن «أنقرة مهتمة بأمن أفريقيا والبحر الأحمر»، مضيفاً: «لدينا قاعدة عسكرية في الصومال ولدينا توجيهات رئاسية لتقديم الدعم للأمن والشرطة والجانب العسكري للسودان (…) ونواصل تطوير العلاقات في مجال الصناعات الدفاعية».

وفي تزامن لا يبدو أنه من قبيل الصدفة، زار رئيس أركان الجيش القطري غانم بن شاهين الغانم السودان بالتزامن مع زيارة أردوغان، وعقب إجراء «مباحثات عسكرية» في الخرطوم، جرى عقد اجتماع ثلاثي لرؤساء أركان جيوش قطر والسودان وتركيا.

وإلى جانب البعد العسكري المحتمل للتعاون بين البلدين، ألمح الرئيس التركي إلى احتمال العمل على تطوير الجزيرة والميناء ليتحول إلى مركز هام للنقل العام والنقل التجاري، حيث قال: «الأتراك الذين يريدون الذهاب للعمرة (في السعودية) سيأتون إلى سواكن ومنها يذهبون إلى العمرة في سياحة مبرمجة».

هذا الأمر في حال نجاحه من المتوقع أن يؤثر على حيوية موانئ السعودية والإمارات وربما يؤدي إلى تحويل الميناء إلى منافس حقيقي لموانئ الإمارات، فيما تحدثت مصادر سودانية عن احتمالية أن تكون قطر جزءاً من تطوير الميناء وإدارته وهو ما يعتبر سبباً كافياً لزيادة مخاوف السعودية والإمارات من توسع التعاون والنفوذ التركي والقطري في المنطقة.

الأزمة الخليجية

ورفض السودان طوال فترة الأزمة بين قطر ودول الخليج اتخاذ موقفاً ضد قطر على الرغم من الضغوط الكبيرة التي مارستها الرياض عليها.

وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري بين تركيا والسودان لا يتجاوز الـ500 مليون دولار، إلا أن البلدين أكدا أنهما سيعملان من أجل رفع هذا المعدل إلى 10 مليار دولار، وتقول إحصائيات إن شركات تركية تستثمر قرابة 2 مليار دولار في السودان.

ومن ضمن الاتفاقيات الموقعة على هامش زيارة أردوغان التي رافقه فيها وفد كبير من رجال الأعمال الأتراك، إقامة مشاريع زراعية وصناعية تشمل إنشاء مسالخ لتصدير اللحوم ومصانع للحديد والصلب ومستحضرات التجميل إضافة إلى بناء مطار في العاصمة السودانية الخرطوم، وجامعة مشتركة، وغيرها من المشاريع.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس