ترك برس - ديلي صباح

لم يكن السفير الأمريكي لدى تركيا، جون باس متأكّداً من كيفية إتمام عملية تسليم فتح الله غولن إلى تركيا، إلا أنّه أكّد متابعته للقضية عن قُرب وأنه يُدرك خطورة التّهم الموجّهة إلى غولن وإلى الحركة التي يتزعّمها، وذلك في لقاء له مع الصحفي علي أونال من جريدة ديلي صباح.

ولفت السّفير باس، الذي قبل مجلس الشيوخ الأمريكي أوراق تعيينه في أيلول/ سبتمبر الماضي، النّظر إلى حقيقة أنّ عملية التسليم هي عملية طويلة ومُستهلِكةٌ للوقت. ويُتّهم فتح الله غولن وحركته بمحاولة الإطاحة بحكومة مُنتخَبة من خلال عملائهم داخل مؤسسات الدولة. وقد تحوّل غولن وحركته إلى موضوع ساخنٍ في أنقرة، خاصة بعد صدور مذكرة الاعتقال بحقّه من محكمة في إسطنبول.

وقال السفير الأمريكي إنّ: "من الواضح بالنّسبة لنا كمُراقبين للمجتمع التركي والسياسة التركية أنّ هناك مجموعة من التّهم والمزاعم الخطيرة جداً ضدّ مجموعة من الأفراد الذين كان بعضهم في الحكومة التركية، تتعلّق بأنشطة كانت مُصمّمة لتقويض الدولة التركية، وفقاً لهذه المزاعم... ومع ذلك، فإنّه بالنظر إلى أي إجراءات قانونية ضد غولن، ما أستطيع قوله هو أنّنا سنتعامل بكل جديّة مع كل طلبات التسليم من الحكومات الأجنبية التي توجد بيننا وبينها ترتيبات قانونية ملائمة، كما نقيّمها بحذر شديد لتحديد ما إذا كانت القضية المقدّمة بالنّسبة لنا، والأساس الذي تعتمده الحكومة الأجنبية التي تطلب عملية التسليم، مُتوافقةً مع القانون الأمريكي وما إذا كُنّا نرى أيّ انتهاكات للقانون الأمريكي في الطلب المُقدّم لنا"، مضيفاً: "إنّنا نعدّ عدم التّعليق على حوادث تسليم الأفراد أو قضايا التّسليم الفرضية سياسة طويلة الأمد بالنّسبة لنا، لأنّها تنطبق على أفراد. ولذلك لا يمكنني تقديم المزيد من التفاصيل فيما يخصّ أي تقدّم محتمل أو حقيقي يُمكِن أن يتحقّق".

وفي إشارة له إلى العملية القانونية التي بدأت ضدّ فتح الله غولن وقضايا قانونية أُخرى ضد أعضاء من حركة غولن كان يُعتقَد تورّطهم في أنشطة تنصّت، وتنصّت على هواتف مشفّرة واختراق أجهزة الدولة بهدف الإطاحة بالحكومة، قال باس إنّ هذه المزاعم والتّهم جزء من عملية قضائية وقانونية، ولذلك وجب احترامها. مُضيفاً: "إنّنا نحترم هذه العملية بشكل كبير، وانطلاقاً من هذا الاحترام نرى من منظورنا أنّ عملية قضائية تركية يجب أن تشمل مواطنين أتراك في النّظام القضائي التّركي".

وواصل باس مؤكداً "إنّنا نعتقد بأهمّية تقدّم القضية بشكل نزيه وشفاف لكي تتمكّن نتائج هذه العملية من إيجاد ثقة لدى الشعب التركي بأنّ هذه العملية القضائية صادقة وجيّدة وفعّالة، وفوق كلّ شيء، إضافة إلى ثقة الناس بنتيجة هذه العملية ينبغي أن يثقوا أيضاً بالقضاء والنّظام القضائي".

العلاقات التركية الأمريكية

وفي سياق آخر، قال باس إنّه على الرغم من عدم اتّفاق الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بشكل كامل على كيفية حل الأزمة في سوريا، إلا أنّهُما متّفقتان على غالبية وجهات النظر.

ووصف باس العلاقات التركية الأمريكية بأنّها علاقة شراكة استراتيجية وهي علاقة قوية وعميقة، مشيراً في الوقت نفسه إلى إنّ هناك بعض النّقاط التي تراها كلّ من الدولتين بشكل مُختلف، موضحاً أنّ الدولتين ستواصلان العمل معاً هذا العام لتضييق الخلافات أو على الأقل تحقيق فهم أفضل لسبب وجودها.

وفي سياق تأكيده على أنّ العلاقة الأمريكية مع تركيا متعدّدة الأبعاد، قال باس إنّ هناك عدداً من القضايا التي تواصل كلا الدولتين التّعاون فيها عن قُرب. مضيفاً أنّ: "قرار البرلمان التركي لدعم نشر قوات تركية في إطار المهمّة التدريبية في أفغانستان هو آخر الأمثلة على مساهمة تركيا المهمة في أولوية مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة وبين الدول الأخرى العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو). كما أنّ الدعم التركي للحكومة الصومالية والجهود المشتركة لمعالجة عدم الاستقرار في القرن الأفريقي إضافة إلى التهديدات المستمرة من القراصنة في مياه القرن الأفريقي هي مثال عظيم آخر، فضلاً عن الإرادة التركية المستمرة لتدريب القوات المسلحة الليبية في المستقبل. وهذه بعض الأمثلة على تعاون الدولتين في التعامل مع مشاكل تهدّدنا من الخارج".

أما بالنسبة إلى الخلافات التكتيكية بين الولايات المتحدة وتركيا، قال باس: "أعتقد أنّ هناك بعض الاختلافات في وجهات النظر حول الطريقة الأمثل للنظر إلى المشاكل المعقّدة والعالقة في العراق وسوريا؛ حيث نعتقد من وجهة نظرنا أنّ (تنظيم الدولة الإسلامية) داعش تمثّل الخطر الأكبر الذي يهدّد الاستقرار في العراق وبالتالي السياق الأوسع للصراع في سوريا. ونحن نتصرّف وفقاً لما نعتقده لمحاولة علاج التهديد الأكبر كما نراه".

التعامل مع الوضع السوري

ومع ذلك، أشار باس إلى وجود منظور مشترك للدولتين حول الأزمة في سوريا قائلاً: "إنّ كلا الحكومتين تؤمنان بعدم وجود حل عسكري لهذا الصراع على المدى الطويل. وتلتزم الحكومتان بالعملية الدبلوماسية التي تحقق تسوية سياسية على أساس بيان جنيف والمبادئ الأساسية له. كما تعمل الحكومتان بجدّ مع المعارضة السورية لمواصلة تطوير قدرتها، ولإدارة المفاوضات عند حدوثها، ولإدراك أنّ التسوية مبنية على هذه المبادئ، كما تواصل الحكومتان توفير مجموعة واسعة من الدّعم لمجموعات المعارضة داخل سوريا التي تدافع عن نفسها ضد الهجمات من نظام الأسد وتحمي بيوتها وقراها للسماح لها بتحقيق تقدّم على ساحة الحرب لإيصالنا إلى المفاوضات من أجل التّسوية".

أُعلن مؤخراً أنّ من المتوقع أن توقّع تركيا مذكّرة تفاهم مع الولايات المتحدة على برنامج لتدريب وتجهيز قوات المعارضة السورية في كانون الثاني/ يناير. تطرّق باس إلى هذه الموضوع قائلاً إنّ هناك عملاً يجري في هذا الصّدد: "إنّنا نواصل عملنا على التفاصيل العملية لكيفية تنفيذ هذا التدريب، وكيف سنجهّز العناصر التي ندرّبها حتّى تكون النتيجة الأخيرة لهذه العملية هي قوّة تتمتّع بقدرة تمكّنها من التّأثير على الأرض في سوريا. من الواضح أنّ هناك الكثير من التفاصيل المتضمّنة في هذه العملية، من نقطة البداية وهي تحديد الأشخاص المُناسبين للتدريب ثمّ المرور بمرحلة التدريب، وبعد ذلك التأكّد من أنّ المجموعة التي خضعت للتدريب قادرة على حماية نفسها وعلى إحداث تأثير في ساحة الحرب في سوريا. إنّني واثق من أنّنا سننهي التفاصيل المتبقّية، والتي هي محادثات في المقام الأول بين العسكريين المهنيّين الذين سينفذون التدريب وفق الإطار الذي سيسمح لنا بالبدء في المستقبل القريب. لا يمكننا توقّع تاريخ محدّد لأنّها عملية معقّدة. وبالنّظر إلى تفاصيل البرنامج، أعتقد أنّ علينا أن ننتظر حتّى بدء البرنامج قبل أن نتمكّن من الإعلان عنها".

وبالنسبة إلى إنشاء منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة بداخل سوريا، قال باس: "من المهم من وجهة نظرنا فهم الناحية المفاهيمية للتفاصيل بدرجة جيدة، ماذا تعني هذه التفاصيل وكيف يمكن تطبيقها، ثمّ التفكير بماذا يمكن أن تساهم في تغيير الوضع على الأرض. وهنا يمكن القول إنّنا نواصل هذه المحادثات مع الحكومة التركية لتحقيق فهم أفضل لهذه المجموعة الواسعة من الاحتمالات".

الضربات الجوية على تنظيم الدولة ليست سوى خطوة أولى

قال السفير الأمريكي لدى أنقرة إنّ التحالف الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يمكنه أن يكون فقط جزءًا من جهود الحد من قدرة التنظيم على المناورة ومن تركيز القوات في مناطق محددة ومن توسّع سيطرتها الجغرافية. وقال: إذا نظرت إلى الوراء إلى تصريحات المسؤولين العسكريين والسياسيين الأمريكان لن تجد أحداً يقول إنّ الضربات الجوية ستحل هذه المشكلة. ما ستجده هو حديث عن أنّ هذه الضربات كانت ولا تزال خطوة أولى أساسية في الحدّ من إمكانية داعش وقدرتها على مواصلة التّوسع وإحكام قبضتها على المنطقة التي تسيطر عليها. لذلك فالضربات الجوية ليست إلا جزءاً مما نقوم به. ونحن نواصل العمل عن قرب مع حلفائنا الأربعة بما فيهم الحكومة التركية في بذل جهود لمعالجة هذه المشكلة".

عملية المصالحة الوطنية مع الأكراد

عرّف باس عملية المصالحة مع الأكراد على أنّها عملية داخلية في الأساس، مصرحاً بتأييد الولايات المتحدة لها. وبالنسبة إلى ادّعاءات دخول الحكومة الأمريكية كطرف ثالث في العملية، قال السفير الأمريكي إنّ الولايات المتحدة لم تتلقّى أي طلب بهذا الشأن. كما أشار إلى أنّ حزب العمال الكردستاني لا يزال مدرجاً في القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية وأنّه ليست هناك خطط لإعادة النّظر في وضعه في القائمة.

الموقف الأمريكي تجاه روسيا

بالنسبة إلى الوضع في أوكرانيا، قال باس إنّ ضمّ روسيا للقرم كان حدثاً مزعجاً، وأضاف: "لقد أزعجنا الضم غير القانوني للقرم من قبل روسيا إضافة إلى سلوكها في أوكرانيا، لذلك فقد فرضنا إلى جانب الاتحاد الأوروبي عقوبات قوية على قطاعات وأفراد في روسيا مسؤولين عن كثير من هذه السلوكات. وإنّنا نأمل أن نرى تنفيذاً كاملاً لاتّفاقية مينسك، حتّى ونحن نواصل دعوة الحكومة الروسية إلى إنهاء ضمّها غير القانوني للقرم".

ولدى سؤاله عن احتمالية ضمّ أوكرانيا لحلف الناتو، قال السفير الأمريكي لدى أنقرة إنّه ينبغي أن تكون لكل الدول في أوروبا حرية اختيار مستقبلها ويعدّ نوع العلاقات التي تريدها الدولة جزءًا أساسياً من هذا. كما وصف حرية الدول في اختيار مستقبلها بأنّه مبدأ أساسي للسياسة الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!