منذر فؤاد - خاص ترك برس

قال ترمب، إنه أوفى بوعده في نقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس الشريف، بعد أن اتخذ هذا القرار أواخر العام الماضي 2017، في ظل مواقف عربية متواطئة مع هذا القرار، وصراعات متعددة تشهدها المنطقة العربية. 

مراسم افتتاح السفارة الأميركية في القدس، جرت على وقع مجزرة مروعة نفذها الإحتلال الصهيوني بحق المتظاهرين شرقي غزة، خلفت 60شهيدا و2700 مصاباً، وتزامنت المجزرة مع الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطيني، كما تزامنت مع خذلان عربي غير مسبوق للقضية الفلسطينية، لتصبح الذكرى نكبة ثانية، تستحق التوقف عندها، وسبر أغوارها، لمعرفة مايحدث. 

قناعتي منذ زمن طويل، والتي لن أحيد عنها، هي أنه لايمكن التعويل على الأنظمة العربية، في الإنتصار للقدس والقضية الفلسطينية، كون هذه الأنظمة تمارس البيع والشراء في كثير من القضايا التي تهم شعوبها، ولاتخجل من المتاجرة بدماء مواطنيها، كما لاتخجل من المتاجرة بالقضية الفلسطينية، لتحقيق مآرب وأهداف شخصية، لكنها هذه المرة كشفت عمالتها للولايات المتحدة، وتواطؤها مع مخططاتها، بشكل واضح لا لبس فيه. 

في مطلع أبريل/نيسان الماضي، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، خلال مقابلة مع مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية،  إن للإسرائيليين الحق في أن يكون لهم وطن، وتحدث عن إمكانية التعاون مع الكيان الصهيوني، خاصة وأنهما يواجهان عدوا مشتركا، وهي تصريحات جديدة على السياسة الخارجية السعودية، وأظهرت تحولا كبيراً في الموقف السعودي من القضية الفلسطينية. 

وهذا التحوّل جاء متسقاً مع مواقف مصر والإمارات والبحرين، وهي مواقف تعبر بشكل عام عن المزاج الرسمي العربي من صفقة القرن، التي بلورتها إدارة ترامب، لطي صفحة القضية الفلسطينية، وهيأت لها منذ وقت مبكر، من خلال تغيير خارطة الصراع في المنطقة، وافتعال أحداث جديدة، وممارسة الإبتزاز المالي لدول خليجية، وربط مصير أنظمتها بالتزامها بدعم سياسات الإدارة الأمريكية. 

مذ جاء ترمب إلى السلطة، تحوّل الخليج إلى بقرة حلوب مدرّة للمال، يحلبها المقاول ترمب متى ما أراد، وأصبحت الأموال الخليجية مصدرا رئيسيا لتمويل حملات ومشاريع ترمب الجديدة في المنطقة، من حصار قطر إلى الضربات الجوية في سوريا فإلغاء الإتفاق النووي مع إيران، وأخيرا نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، باعتبارها عاصمة لليهود منذ الماضي السحيق كما زعم في خطابه الخاص بالمناسبة. 

لقد وجدت بعض الأنظمة العربية والخليجية خصوصا، في عدائها لإيران، مبرر للإصطفاف مع الكيان الصهيوني، والعمل على تطبيع العلاقات معه، وهو مبرر غير مقبول على الإطلاق، فالكيان الصهيوني محتل، مثله مثل إيران، لكنها الرغبة الحقيقية في تصفية القضية الفلسطينية، والخضوع لإملاءات ترمب، في هذه المرحلة التاريخية الحرجة، التي كشفت عن نكبة جديدة داخل البيت العربي المهترئ. 

التطبيع مع الصهاينة، أصبح مصدر فخر واعتزاز للكثير من النخب السياسية والفكرية، التي دأبت على تحميل الفلسطينيين مسؤولية مايحدث لهم، وروّجت لأكاذيب بيع وشراء الأرض، لتبرير تطبيعها المخزي مع الكيان الغاصب، وانساق خلفها قطيع واسع ممن لا يجيدون سوى الولاء وتقديم قرابين الطاعة، ومن يلاحظ ردود أفعال هؤلاء من مجزرة غزة الأخيرة، وتحميلهم حماس المسؤولية، بدلا من الكيان الغاصب، سيدرك أن نكبة ثانية أصابت الضمير والقيم والثوابت العربية، والتي لطالما تغنّت بفلسطين طوال السنوات الماضية. 

ومن يتابع ردود الفعل الرسمية العربية، من مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، سيدرك أننا أمام أنظمة نفعية، تاجرت بالقضية الفلسطينية خلال العقود الماضية، واستثمرتها في الحملات الإنتخابية، ولامتصاص غضب الشارع العربي، أو لكسب وده وتأييده في الإجراءات والقرارات، وبصمتهم عما حدث في القدس وغزة، من مجزرتين بحق الأرض والإنسان الفلسطينيين، يكونوا قد خسروا ورقة لطالما استخدموها كثيرا في أوقات الأزمات، وعند حاجاتهم للتلميع والظهور. 

إن النكبة الحقيقية لم تكن في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإنما في الصمت والتواطؤ الرسمي العربي، المدعوم بقطيع من الكتاب والمفكرين والسياسيين، وغيرهم ممن أصبح التصهين سمة رئيسية في كثير من مواقفهم وما تخطه أقلامهم. 

ستبقى القدس عربية إسلامية، بغض النظر عن كل الأحداث والمواقف، وإذا عجز هذا الجيل عن استرداد القدس، فإن الأجيال القادمة ستكون أقوى من العجز، وليس من حق هذا الجيل العاجز أن يقرر مصير مرتبط بالأجيال القادمة. 

لم تكن فلسطين يوما ما قضية خاصة بالعرب، ولامحصورة في نطاق الإنتماء السياسي، وإذا كانت الأنظمة العربية ادعت هذا الحق لنفسها وتاجرت بفلسطين، يجب اليوم أن تصاغ القضية كقضية إسلامية تهم جميع مسلمي العالم، وإنسانية تهم جميع أحرار العالم، لنبدأ فصل جديد من المعركة مع المحتل، ومع العجز والإستسلام.

عن الكاتب

منذر فؤاد

كاتب ومدون يمني، إنسان ينتمي للإنسان في زمن اللانسانية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس