ترك برس - ديلي صباح

تتميزّ العلاقات بين تركيا وبولندا بأنّ لها جذوراً تاريخية، ففي عام 2014، احتفلت الدولتان بالذكرى الـ600 للعلاقات الثنائية بعدد من الفعاليات. وإضافة إلى العلاقات التاريخية القوية، تشترك تركيا وبولندا في رؤية تجاه الناتو، كما تعدّ بولندا أحد أكبر الداعمين لملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ولمزيد من مناقشة العلاقات البولندية التركية، التقت صحيفة ديلي صباح مع السفير البولندي لدى تركيا ميزيسلو سينيتش، وتحدثت معه حول عدد من القضايا بما فيها حاضر ومستقبل العلاقات التركية البولندية.

- هل تعتقد بأنّ كل المواطنين الأتراك والبولنديين مطّلعين على أهمية العلاقات المستمرة منذ 600 عام بين البلدين؟

بالتأكيد، لقد احتفلنا بالذكرى الـ600 للعلاقات الدبلوماسية والتي تأتي أهميتها لاستمرارها طوال هذه المدة. تصادف هذه السنة الذكرى رقم 601 للعلاقات الدبلوماسية. تشتهر تركيا في بولندا والعكس كذلك، فالمواطن البولندي عادة ما يتحدث عن تركيا، وغالباً ما يكون الحديث إيجابيا. تلعب تركيا دوراً مهما في التاريخ البولندي. فقد اكتشف المؤرخون بعد تقييمهم للعلاقات الدبلوماسية طوال 600 عام، أنّ الأعوام التي شهدت خلافات أو حروباً لم تتجاوز 25 عاماً. أما الأعوام الباقية وهي 575 عام فقد عاش البلدان خلالها حالة من السلام والتعاون المثمر الذي يمكن أن نلحظ ثماره الآن. من وجهة نظرنا كمواطنين بولنديين، نحن نرى قيمة كبيرة للتاريخ لدرجة أنّنا نعلّمه لأطفالنا في المدارس الابتدائية، ولذلك فإنّنا عندما ننظر إلى التاريخ فمن الواضح أنّ تركيا لعبت دوراً إيجابياً. على الرغم من الصراعات خلال 25 سنة هذه ، فقد لعبت تركيا دوراً إيجابياً بشكل عام.

ثانياً، تعدّ تركيا وجهة مهمة للمواطنين البولنديين. ففي كل عام، يزور نصف مليون مواطن بولندي تركيا لقضاء العطلة، وبسبب الأجواء الإيجابية في تركيا بشكل عام، يعود مواطنونا محمّلين بالأفكار الإيجابية عنها. كما أنّ الأجندة التركية المزدحمة دائماً ما تجد مكاناً للأخبار التي تتحدث عن تركيا في الإعلام البولندي. على الرغم من أنّ بعض الأخبار إيجابي وبعضها الآخر سلبي، إلا أنّ بإمكان الشعب البولندي أن يختار بحرية المعلومات التي يجمعها عن تركيا. وحيث أنّ تركيا تضم ضعف عدد سكان بولندا فإنّ لديها ضعف عدد القضايا، ومن الصعوبة بمكان توقّع أن تجد بولندا شعبيةً بين الأتراك. ومع ذلك، فنحن نطمح إلى تقديم مزيد من المعلومات عن بولندا لتركيا خلال هذه الذكرى رقم 600. وفي العام الماضي، نظمنا عدداً من الفعاليات، مثل الحفلات والمسرحيات وعدد من الاحتفالات للتوعية ببولندا. وبالطبع فإنّ تركيا أكثر جاذبية مما كانت عليه منذ سنتين أو ثلاثة.

- هل أن راضٍ عن العلاقة بين الدولتين؟ وما هي الجوانب التي ترى أنّها بحاجة إلى تطوير؟

برأيي أنّ أحد الجوانب التي تحتاج إلى تطوير هو العلاقة الاقتصادية بين تركيا وبولندا. وبما أنّ العلاقات الثنائئية ليست متطورة بشكل كبير من الناحية الاقتصادية، فإنّ لدينا مجالاً للتطوير بهذا الصّدد.

كما أنّ تبادلنا التجاري مقبول نوعا ما. فقد وصل هذا التبادل في عام 2013 إلى 5,3 مليار دولار، ونتوقع أنّ هذا الرقم قد كبر في عام 2014. ومع ذلك، أعتقد أنّه ليس كافياً.

من ناحية أخرى، عندما نقارن تبادلنا التجاري خلال الأعوام العشرة الماضية، فمن الواضح أنّه تضاعف ست مرات. التقدم الحاصل جيد لكنه ليس كافياً. ارتفعت الصادرات التركية إلى بولندا لكنها لم ترتفع بشكل كبير. وصلت الصادرات البولندية بحلول كانون الأول/ ديسمبر 2014 إلى 156 مليار دولار، لكن 3 مليارات فقط منها كانت إلى تركيا. ولذلك لدينا مساحة كبيرة للتطوير على الرغم من أنّ التصدير إلى إنجلترا والاتحاد الأوروبي هو أسهل بالنسبة لنا.

بالنسبة لعام 2015، نحن نطمح إلى الوصول إلى 168 مليار دولار من الصادرات، وهذا يعني أنّ هناك احتمالا كبيراً لزيادة الصادرات إلى تركيا. هناك أمر مهم في هذا الصدد، وهو أنّ التصدير إلى تركيا ليس سهلاً، ليس فقط بسبب البعد الجغرافي ولكن بسبب اختلاف الأنظمة والإجراءات. ولذلك فإنّ مصدّرينا يبيعون لتركيا ما لا يستطيعون بيعه إلى الاتحاد الأوروبي. لكن هذا لا يعني أنّهم يبيعون بضائع سيئة، لأنّ ذلك يعود فقط إلى إجراءات الاتحاد الأوروبي. نفس الشيء ينطبق على الواردات.

- في ثمانينيات القرن الماضي كانت بولندا خلف الستار الحديدي، وقد استطاعت أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي خلال 25 عاماً. ماذا يمكن لتركيا أن تتعلمه من التجربة البولندية؟

بالنسبة لبولندا، كانت العضوية في حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي هدفاً مقبولاً من قبل المجتمع كاملاً. أتذكر عندما دعم أكثر من 80% من المجتمع فكرة عضوية حلف شمال الأطلسي. وقد كان الوضع كذلك بالنسبة لعضوية الاتحاد الأوروبي. أعني أنّ السياسيين كانوا مضطرين لفعل ذلك بسبب الدعم الكبير من قبل المجتمع. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، اختارت بولندا مكانها بين روسيا والناتوز وقد كان مفهوماً أنّ علينا أن ننضمّ إلى المجتمع الأوروبي. كان ذلك أيضاً بالنسبة للاتحاد الأوروبي. أراد مجتمعنا أن يطور مستواه المعيشي، ومستوى الرفاهية في البلاد. وقد كان الحل الأمثل لبولندا. ولذلك كانت هناك نسبة كبيرة من الدعم من قبل الشعب للانضمام للاتحاد الأوروبي. أما في تركيا فهناك أقل من 50% مما يعني أنّ المجتمع ليس متحمّساً للفكرة. إذا أرادت تركيا أن تنضم للاتحاد الأوروبي، ينبغي أن يعمل السياسيون على جذب مزيد من الدعم الشعبي للفكرة ببيان المكاسب التي ستترتب عليها. ينبغي أن يكون المجتمع واعياً بالفوائد التي يجلبها الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من نواحي عديدة، سياسية واجتماعية واقتصادية وغير ذلك.

وبالطبع لا يقتصر الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي على المكاسبن لأنّه يرتّب كذلك التزامات. فالعداء مع بروكسل (عاصمة الاتحاد) عادة ما يحدث وهو أمر غير مريح للدول الأعضاء، لكنّك يجب أن تمر ببروكسل كجزء من النظام القانوني. وفي بعض الحالات ربما تحتاج إلى وضع بعض تفضيلات دولتك خلف مطالب بروكسل.

تركيا دولة كبيرة وقوة إقليمية، لذلك فإنّ تقديم اقتراح لتركيا هو أمر معقد ولا يمكن أن يكون نصيحة مباشرة. لكن أولا ينبغي أن يكون الشعب مقتنعا بفكرة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولاحقا يمكن دفع الأحزاب السياسية إلى فعل الأمر نفسه.

يمكن أن توفر الأحزاب السياسية القناعة بفكرة الانضمام، لكن تجارب المجتمع تعدّ عاملاً مهماً. في بولندا، أكثر من نصف الشعب زار دولاً غربية مثل الولايات المتحدة أوبريطانيا أوألمانيا أو فرنسا ووجد فرصة لمقارنة الوضع. وبناءً على ذلك اعتقدوا أنّ الوضع هناك كان أفضل بكثير، وقالوا لأنفسهم: "لنفعل نفس الشيء". أعني أنّ الدعم الشعبي من الممكن أن يتحقّق عبر التجارب الشخصية.

- بعد ضم روسيا من قبل القرم، انتشرت بين عدد من الأكاديميين نقاشات عودة الستار الحديدي. كقائد أعلى سابق للقوات المسلحة البولندية، كيف تعلق على هذا؟

أتذكر تماما الوقت الذي قسّم فيه الستار الحديدي أوروبا. ويمكنني القول إنّه كان وقتا عصيباً بالنسبة للجميع. لم يكن الوضع مريحاً لأي أحد في الشرق أو الغرب. وهذا يعني أنّها كانت تجربة سيئة. نحن نسعى للحيلولة دون تكرار ذلك. ولكن في نظري، إنّ عودة الستار الحديدي مجدداً أمر غير ممكن. تغير الوضع الآن، السكان أكبر بـ 25 عاماً، وهناك جيل جديد في بلادنا.

ربما يكون الستار الحديدي مستحيلاً، إلا أنّ هذا لا يعني عدم إمكانية وجود مادة أخرى تعمل عمل الستار الحديدي. وبغض النظر عن هذه المادة يمكن للستار أن يقسم الدول ومرة أخرى لن يكون هذا في مصلحة أحد. لذلك ينبغي أن نتجنب ذلك. لكن كل شيء يعتمد على نوايانا. وتظل هناك قضايا اجتماعية وسياسية يمكن أن تكون ضد النوايا الخاصة بنا أو تحصل دون رغبة أو تأثير منا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!