د. علي حسين باكير - العرب القطرية

في شهر نوفمبر المقبل، ستبدأ الولايات المتّحدة تطبيق العقوبات المتعلقة بتجارة النفط والتعاملات المصرفية مع إيران، وستتسبب هذه العقوبات بمشكلة كبيرة بالنسبة إلى تركيا، باعتبارها شريكاً تجارياً مهمّاً لطهران. حتى الأمس القريب، وعد العديد من المسؤولين الأتراك -من بينهم وزير الاقتصاد التركي، وكذلك الناطق باسم رئيس الجمهورية إبراهيم كالين- بمواصلة مقاومتهم للضغوط الأميركية، والإبقاء على مستوى العلاقات التجارية مع إيران، لكن مع اقتراب موعد فرض العقوبات المشار إليها، وانسحاب العديد من الشركات الأوروبية الكبرى من السوق الإيرانية، تُطرح العديد من علامات استفهام حول مدى قدرة الجانب التركي على تحدّي العقوبات الأميركية، ومدى قدرته أيضاً على تحمّل التكاليف السياسية والاقتصادية التي ستترتب على ذلك.

وفي سياق تحذير الإدارة الأميركية لتركيا من التداعيات المحتملة لتحدي العقوبات، زار مارشال بلينجزلي، مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، أنقرة، يوم الجمعة الماضي، حيث أجرى مباحثات مع المسؤولين الأتراك، وعقد اجتماعات مع الشركات التركية العاملة في إيران، وذلك بهدف شرح طبيعة هذه العقوبات. خلال هذه الاجتماعات، قال المسؤول الأميركي إنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تملي على الشركات التركية كيف لها أن تتعاطى مع إيران، لكن من دون شك، فإن الإدارة الأميركية تشجع على أن تخفض هذه الشركات علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع طهران، محذّراً في نفس الوقت من أنّ واشنطن ستقوم بتطبيق العقوبات ومراقبة محاولة خرقها بشكل حازم جداً هذه المرة.

عقب انتهاء هذه الاجتماعات، أصدرت الخارجية التركية بياناً أكدت فيه مجدداً أهمية إيران كدولة جارة لتركيا من ناحية العلاقات الاقتصادية والتجارية، ولتلبية احتياجات البلاد من الطاقة، مشيرة إلى أن التواصل مع الجانب الأميركي والمحادثات بين الطرفين، ستبقى قائمة بعد فرض العقوبات على إيران أيضاً، لتلافي التأثيرات السلبية على تركيا. من الناحية النظرية، يبدو هذا البيان وكأنه محاولة لتحقيق التوازن بين الطرفين، لكن من الناحية العملية، سيكون من شبه المستحيل تحقيق ذلك، بعد فرض العقوبات في نوفمبر المقبل، وسيكون على الجانب التركي أن يختار.

تشير البيانات المتوافرة إلى أنّ «توبراش»، أكبر مصفاة في تركيا على الإطلاق، كانت قد خفّضت وارداتها من النفط من إيران، منذ شهر مايو الماضي، وهو الشهر الذي شهد إعلان ترمب فرض العقوبات على إيران، بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. خلال الأشهر الأربعة الأولى من عام ٢٠١٨، استوردت «توبراش» ما معدّله حوالي 187 ألف برميل من النفط يومياً من إيران، لكن أرقام شهري مايو ويونيو تظهر أن هذه الكمية انخفضت إلى حوالي 130 ألف برميل من النفط يومياً. 

إذا ما أظهرت البيانات المتعلقة بشهر يوليو والأشهر التي تليه نفس الاتجاه -حتى نوفمبر المقبل-، فهذا يعني أن الانخفاض لم يكن طارئاً أو عرضياً، وإنما يعود على الأرجح إلى سياسة تحوّط يستعد الجانب التركي من خلالها للتأقلم مع العقوبات الأميركية التي سيتم فرضها على إيران. لقد وعدت الإدارة الأميركية الأطراف التي ستلتزم بتخفيض حاد بالحصول على استثناء لمواصلة استيراد الكمية المخفّضة، وربما هذا ما ستسعى إليه الحكومة التركية، على اعتبار أنه سيكون من الصعب جداً على أنقرة أن تتحمّل التبعات الاقتصادية لأية إجراءات عقابية أميركية ضدها على خلفية خرق العقوبات على إيران.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس