د. أحمد موفق زيدان - العرب القطرية

عامان على الانقلاب الفاشل بتركيا الذي استهدف الشرعية والديمقراطية، بدعم وتواطؤ أميركي وغربي بشكل عام، اليوم تتعرض تركيا لانقلاب اقتصادي، لكن تقوده أميركا التي كانت بالأمس القريب حليفاً شرعياً وتقليدياً للدولة التركية، ولكن واشنطن انقلبت على كل حلفائها وعلى كل قيمها التي رفعتها، فكان تفضيلها لميليشيات انفصالية مصنفة عالمياً إرهابية، كحزب العمال الكردستاني وغيره، على حليف تركي تقليدي ثبت صدقه وتعاونه لعقود.

اليوم الولايات المتحدة الأميركية أعلنت حرباً اقتصادية لا هوادة فيها على تركيا، رائدة الديمقراطية في العالم الإسلامي، الأسوأ من ذلك كله أن دول الحصار تهلل وترحب لتراجع الليرة التركية، وكأن المعركة معركتها، وكأن من تتراجع قيمة ليرتها هي عدوتهم التقليدية واللدودة!

الواقع الاقتصادي التركي هو الذي كان رافعة حزب العدالة والتنمية التركي، ولذلك تعمل واشنطن على سحب الرافعة الاقتصادية والإنجاز المالي الذي دفع بالحزب إلى عدة دورات انتخابية، فضلاً عن النجاح الكبير بتغيير النظام التركي من برلماني إلى رئاسي.

لم يعد أمام واشنطن إلا العودة للوراء ولدفاترها القديمة المتمثلة في الدفع بسياسة الانقلابات العسكرية، ولكن هذه المرة انقلابات اقتصادية بحيث تتناسب مع العولمة التي يعيشها العالم، ففي القرن الماضي سحقت واشنطن حرية الشعوب في إيران وتركيا وسوريا ومصر وباكستان بدعمها الانقلابيين ضد حرية الشعوب وعدالتها وديمقراطيتها، وأشواقها نحو التحرر والحكم الرشيد.

ما زال العالم كله يذكر كتاب «لعبة الأمم» لضابط الاستخبارات الأميركية (السي آي أيه) مايلز كوبلاند الذي وثق الدور الأميركي في كل الانقلابات العسكرية في العالم الثالث، وكيف لعبت الدور الأكبر في تراجع الديمقراطية والحرية في العالم الثالث، لقد رأيت بنفسي كيف كان المسؤولون الأميركيون يزورون قادة الجيش الباكستاني قبل زيارة المسؤولين المنتخبين، فقد كانت العلاقة بين مركز قيادة الجيش الباكستاني في «راولبندي» أقوى بكثير من العلاقة مع الرئاسة والبرلمان الباكستاني.

كتب أول قائد انقلاب باكستاني الجنرال أيوب خان كتابه الذي وثق الكثير من أرشيف تلك العلاقة «أصدقاء لا أسياد» حين حمّل الولايات المتحدة الأميركية مسؤولية ما يجري في باكستان وغيرها، فإن كان الانقلابيون لم يرضوا عن واشنطن فكيف سيرضى عنهم مندوبو الشعب التركي؟ لقد أدركت واشنطن منذ اليوم الأول بأن العلاقة مع الانقلابيين أفضل بكثير من العلاقة مع المنتخبين المسؤولين أمام شعبهم ودوائرهم الانتخابية، ولذا فقد سعوا منذ اليوم الأول إلى التعاطي مع الاستبداد والشمولية والديكتاتورية، لتسهيل اتخاذ القرارات من قبل المستبدين والشموليين، في حين أي قرار من قبل حكومة منتخبة سيكلف الكثير شعبياً وانتخابياً.

حجم التآمر على تركيا يظهر عظمة شجرتها المثمرة، فلا يقذف بالحجر إلا من كان مثمراً.. فستظل تركيا مهوى المظلومين في وجه الظالمين، ومهوى العدل بوجه الظلم والظالمين، وكما فشل الانقلاب العسكري على الديمقراطية التركية فسيفشل انقلابهم الاقتصادي بإذن الله، فسحرة فرعون الإجرامي العالمي ستتلقفها عصا موسى التركية بإذن الله.. فعصر العبودية ولّى إلى غير رجعة، والعبث بالحمض النووي الاقتصادي العالمي سيلحق أفدح الضرر بالجميع، ونحن نرى تراجع العملات العالمية، وصياح البعض من أجل التعامل بالعملات المحلية وليس الدولار.‏

عن الكاتب

د. أحمد موفق زيدان

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس