حسن بصري يالتشين – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

يستمر الرئيس التركي أردوغان في انتقاد الأمم المتحدة، لكن في هذه المرة لم يكتف بالانتقاد فقط خلال زيارته إلى  "نيويورك"، بل قدّم مقترحا جديدت ينص على "تبديل قانون العضوية الدائمة في مجلس الأمن بالعضوية الدورية"، لأن مجلس الأمم المتحدة يعاني من مشكلتين رئيستين، الأولى هي أن المجلس ليس عادلاً، والثانية هي أنه غير فعّال، إذ تمّ تأسيس مجلس الأمم المتحدة بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان خليطاً من النماذج التي كانت موجودة في السابق، بتعبير آخر تم تأسيس مجلس الأمم المتحدة بحيث يشكّل خليطاً بين نظام القوى العظمى الغير عادل ولكن فعّال، وبين نظام الجمعية الوطنية العادل ولكن الغير فعّال، لكن مع الأسف أخذ مجلس الأمم المتحدة الطابع السيء من الدول الرائدة للمجلس، وبالتالي أصبح غير عادل وغير فعّال.

في الحقيقة إن السبب الرئيس للواقع المذكور هو مجلس الأمن، إذ اكتسبت الدول التي تم القبول بأنها الغالبة في الحرب العالمية الثانية عضويةً دائمة في مجلس الأمن الذي يُعتبر القسم الأهم من مجلس الأمم المتحدة، كان من المفروض أن تعمل هذه الدول من أجل الحفاظ على الأمان والسلام العالمي، لكن لم تجد الفرصة للقيام بعملها بسبب الصراع فيما بينها، بل وأصبحت رمزاً للظلم بسبب مواقفها الأنانية.

في هذه النقطة بادر الرئيس أردوغان بفتح ثقب في جدار الأمم المتحدة من خلال عبارة "العالم أكبر من خمسة"، والآن يسعى لتوسيع هذا الثقب من خلال أطروحته الجديدة، إذا كان مجلس الأمم المتحدة يبحث عن العدالة والتساوي بالفعل يجب عليه إلغاء العضوية الدائمة، والانتقال إلى نظام دوري لتمثّل الـ 194 دولة الباقية نفسها في المجلس، وذلك لكي لا تكون الدول الخمسة الدائمة صاحبة القرار في كل مرة، و كي لا تضطر الـ 189 دولة الباقية للانسياق خلف قرارات خمسة دول، وبذلك ينتهي الرفض العشوائي "الفيتو" الصادر عن الصراعات الأنانية القائمة بين الخمسة دول الدائمة، وبالتالي يتم تحقيق العدالة والتساوي بين جميع دول العالم، وأعتقد أن المنطق يدعو مجلس الأمم المتحدة لذلك.

أردوغان يدرك جيداً أن الدول الدائمة لن توافق على هذه الأطروحة، وكذلك لن ترغب حتى في مجرّد تداول المسألة والنقاش حولها، لكن هذا هو هدف أردوغان بالتحديد، ازعاج الدول الدائمة ودعوة باقي دول العالم لانتقاد سياسة مجلس الأمم المتحدة، أي إن أردوغان يعيد تكرار الشيء ذاته قاصداً من ذلك وضع الأمم المتحدة على رأس أجندة العالم.

منذ مدة طويلة والدول الدائمة تفضّل تجاهل مثل هذه الأطروحات في كل مرة، وتحاول تهميش كل ما يُذكر في الصدد ذاته، لكن تكتسب مشاكل الأمم المتحدة وضوحاً أكبر يوماً تلو الآخر، إذ يسعى مجلس الأمم المتحدة في الحفاظ على استمرارية نظامه على الرغم من فساده، وأردوغان يبحث عن نقاط ضعف مجلس الأمم المتحدة ويعكسها على العالم بأجمعه ويلفت الانتباه نحوها.

أردوغان يعرف أنه لن يحصل على نتائج سريعة من خلال هذه المبادرات، لكن يجب عليه تجميع هذه النقاط من أجل تأسيس بنية تحتية قوية، لأن مشاكل الأمم المتحدة أصبحت مكشوفة وغير قابلة للإخفاء، يحتاج المجلس للإصلاح والتعديل، وهذا الإصلاح يحتاج للنقاش حول المسألة من خلال أطروحات واضحة وملموسة، وفي هذا السياق أتوقّع أن أردوغان سيقدّم أطروحات جديدة أيضاً خلال المستقبل القريب، وأبرزها هو التعديل على مجلس الأمن ليصبح قسم التنفيذ بدلاً من كونه قسم التشريع واتخاذ القرارات، أي إذا كانت القوى العظمى ترغب في تحقيق العدل والمساواة بالفعل يجب عليها طرح القرارات والموافقة عليها بالتصويت بين جميع الدول في المجلس العام للأمم المتحدة، ويمكن لأعضاء مجلس الأمن قيادة مرحلة التنفيذ وتحمل مسؤولية القرارات المُتخذة في هذا الصدد، وهذه هي النقطة التي يُفترض الوصول إليها إذا كان مجلس الأمم المتحدة يبحث عن العدل والديمقراطية على أرض الواقع، وذلك سيكون إصلاحاً جذرياً لبنية الأمم المتحدة، لكن في الوقت نفسه من المؤكد أن الدول الدائمة ستفعل كل ما بوسعها لتهميش هذه الأطروحات، لأن الدول الدائمة لا تهتم بمسؤولية التنفيذ، بل تهتم بأن تكون صاحبة القرار، وستعى لاتخاذ القرارات بنفسها وتحميل العالم بأكمله مسؤولية قراراتها، ولهذا السبب لا يمكن استعجال النقاش فيما يخص الأمم المتحدة، بل يجب علينا تقييد هذه المواقف المُعقّدة في البداية.

عن الكاتب

حسن بصري يالتشين

كاتب في صحيفة تقويم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس