محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

كانت الصومال قديما أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم. حيث كان البحارة والتجار الصوماليون الموردين الأساسيين لكل من اللبان (المستكة) ونبات المر والتوابل والتي كانت تعتبر من أقيم المنتجات بالنسبة للمصريين القدماء والفينقيين والمايسونيين والبابليين، الذين ارتبطت بهم جميعا القوافل التجارية الصومالية وأقام الصوماليون معهم العلاقات التجارية.

وبالنسبة للعديد من المؤرخين ومدرسي التاريخ، يرجح أن تكون الصومال في نفس موقع مملكة البنط القديمة والتي كانت تربطها علاقات وثيقة مع مصر الفرعونية خاصة في عهدي الفرعون "ساحو رع" من ملوك الأسرة الخامسة عصر الدولة القديمة، والملكة "حتشبسوت" من ملوك الأسرة الثامنة عشر عصر الدولة الحديثة. ويرجح ذلك التكوينات الهرمية والمعابد والمباني التي تم بناؤها بالجرانيت والرخام والتي يرجع زمانها إلى نفس الفترة التي يرجع إليها مثيلتها من المباني في مصر القديمة.

وفي العصر القديم، تنافست العديد من الدويلات التي نشأت في بعض مناطق الصومال مثل شبه جزيرة حافون ورأس قصير ومنطقة مالاو مع جيرانهم من مملكة سبأ والأرشكيين والأكسميين على التجارة مع ممالك الهند والإغريق والرومان القديمة.

واليوم الصومال تنهض من جديد لتعيد مجدها وتحاول أن تواكب التطور المعهود عن تلك الدولة التي لم تكن في يوم من الايام بعيدة عن مواكبة عصر النهضة بعد مرحلة من الحروب الخارجية والأهلية المهياة لها من خلال مختلف الدعائم النهضوية الصناعية والزراعية والعلمية .

في أنقرة كان لنا شرف اللقاء مع سعادة السفير الصومالي الأستاذ جاما محمد الذي استقبلنا مشكورا وأجاب عن معظم تساؤلاتنا حول أسس التعاون بين تركيا والصومال وكذلك لإعطائنا فكرة واضحة عن ما يشغل المستثمرين الذين يحاولون الوصول للأسواق الصومالية لغرض توظيف أموالهم في ذلك البلد المعطاء والزاخر بالإمكانيات العظيمة التي وهبها الله له.

استهل سعادة السفير لقاءه معنا:-

في البداية أشكرك على هذا اللقاء، واسمح لي أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى تركيا حكومة وشعبا، فعلا الصومال لا ينسى الدور التركي في الصومال، فتركيا وقفت إلى جانبنا في وقت تخلى عنا الأشقاء والأصدقاء، فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول مسؤول رفيع غير أفريقي يزور الصومال وذلك  في عام 2011 عندما كان الصومال في أحلك ظروفه، حيث كانت المجاعة تفتك بالمئات من أطفالنا ونسائنا، ووجه الرئيس بزيارته التاريخية أنظار العالم إلى الصومال.

ثم زار الرئيس التركي الذي كان آنذاك رئيسا للوزراء الصومال مرة ثانية في حزيران/ يونيو من عام 2016، لافتتاح أكبر سفارة تركية في الخارج  ناهيك عن مركز تدريب عسكري يشرف عليه ضباط أتراك لدعم الصومال في المجال الأمني والعسكري، كما أن تركيا فتحت جامعتها أمام الطلاب الصوماليين، حيث انضمت الصومال إلى الدول التي تستفيد من المنح الدراسية التركية كل عام منذ عام 2011، وتخرج من الجامعات التركية عدد كبير من الطلاب الصوماليين وما زال آخرون يدرسون حاليا في جامعتها وفي تخصصات ومستويات مختلفة.

وكل هذا وغيره من المشاريع الإنمائية والإغاثية التي تنفذها الهيئات التركية في جميع الأراضي الصومالية مواقف لا ينساها الصوماليون وتستحق منا التقدير والاحترام والصومال سترد الجميل بالجميل يوما ما، وعند الشدائد يعرف الأخوان.

سعادة السفير،

الصومال هي جمهورية عربية إسلامية أفريقية، مساحتها قرابة 638 ألف كم2، تقع في شرق أفريقيا، ويحدّها خليج عدن شمالاً، والمحيط الهندي شرقاً، وأثيوبيا غرباً، وكينيا جنوباً، تمتلك الصومال أطول ساحل في أفريقيا بطول 3325 كم. إن الموقع الاستراتيجي للصومال في القرن الأفريقي على طول المداخل الجنوبية لباب المندب والبحر الأحمر جعلها تمثل نقطة وصل القارات الثلاثة، وهي آسيا، وأفريقيا، وأوروبا. كانت الصومال قديما أحد أهم مراكز التجارة العالمية بين دول العالم القديم

هل يمكن إعطاؤنا فكرة عن تلك الأهمية الجغرافية الاستراتيجية للصومال بحيث تكون بحق حلقة الوصل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

أجاب سعادته

عودة إلى سؤالك عن أهمية الصومال دعني أستهلّها بالأهمية الجغرافية الاستراتيجية للصومال وتبرز هذه الأهمية في موقع الصومال من منطقة القرن الأفريقي، وهي منطقة استراتيجية بكل المعايير، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب، مقابلة لآبار النفط في شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، ولهذا كانت المنطقة محلا لتنافس قوى الاستعمار التي عملت على تأجيج الصراعات بداخلها لما يخدم مصالح القوى الاستعمارية.

وتضم دولة الصومال معظم مناطق القرن الساحلي التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن بالاضافة إلى جيبوتي الشقيقة وأرتيريا وبقية مناطق القرن الساحلي التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وقد اتفق الباحثون على أن منطقة القرن الأفريقي تعدّ واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم.

وكما أشرت لك آنفا تكمن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي وبالتحديد موقع الصومال الذي يشرف على خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهي ممرات مائية لها أهميتها التجارية والعسكرية خاصة بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م، وأصبحت منطقة القرن الأفريقي منطقة حيوية أستراتيجية بالنسبة للدول الصناعية بعد اكتشاف النفط في منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج، وكما أسلفنا فإن اهم ميزة لهذه المنطقة كونها تطل وتتحكم بممرات مائية مهمة جدا كونها تجاور مغذيات عصب الحركة والحياة في معظم دول العالم.

وعلى هذا، فإن الصومال تمثل همزة وصل بين القارات الثلاثة – آسيا – أفريقيا – وأوروبا، وموقع الصومال الاستراتيجي في هذه المنطقة جعل الصومال محلّ اهتمام دائم ومستمر من قبل الدول الكبرى والدول النامية.

سعادة السفير،

حتما سيكون للتعاون الاقتصادي بين تركيا والصومال تأثيره المباشر على تسهيل عملية التصدير للبضائع الصومالية الآن وفي المستقبل القريب حيث باستطاعة البضاعة التركية أو التي تتعامل معها تركيا من الوصول إلى عشرات البلدان والأسواق بسبب انضمام تركيا للكثير من المنظمات التجارية الإقليمية والدولية والصومال وقع عدداً قليلاً من الاتفاقيات التجارية الرسمية مع الدول الأخرى. ولا يوجد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اتفاقيات تجارية مع الصومال كما أن البلاد ليست عضواً في منظمة التجارة العالمية وهو ما يضاعف من الصعوبات التي تواجهها الشركات المحلية عندما تنافس على المستويين الإقليمي والدولي.

هل من الممكن تسليط الضوء على الاتفاقات الاقتصادية بين تركيا والصومال وكذلك مستقبل العلاقات الاقتصادية بينهما.

أجاب سعادته:

قبل الشروع في الإجابة على هذا السؤال دعني أؤكد لك للتصحيح بأن الصومال عضو في منظمات تجارية إقليمية ودولية منها منظمة كوميسا ومنظمات أخرى.

أما فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي بين أنقرة ومقديشو والاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين، اسمح لي أن أوضح لك أن الصومال يسعى إلى تعزيز سبل التعاون الاقتصادي مع تركيا، وهناك اتفاقيات بين الجانبين تقوم بموجبها تركيا بمشاريع تنموية في البنى التحتية والتي تساعد بدورها وتعزز قوة الإنتاج المحلي في البلاد، ومن المعلوم أن الاستثمار التركي في الصومال قد تزايد خلال السنوات الأخيرة الماضية، هناك شركات تركية مستثمرة في الصومال.

وعلى سبيل المثال، ميناء مقديشو الدولي تديره شركة "البيرك" التركية، ومطار آدم عدي الدولي تشغله شركة "فافوري" التركية، وتعتبر شركة الخطوط الجوية التركية من أولى شركات الطيران العالمية التي بدأت تعمل في البلاد بعد انهيار الصومال عام 1991م حيث تنظم رحلات يومية من وإلى مقديشو، وهناك رجال أعمال أتراك ينقلون بضائعهم إلى الصومال، والتعاون الاقتصادي التركي – الصومالي بدأ يتزايد في كافة المجالات، فمثلا وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 130 مليون دولار في عام 2016، كما أن الصومال أصبحت الوجهة الثالثة بعد اليابان وبنين للمكرونة التركية في عامي 2016 و2017 وفق ما نشرته وزارة الاقتصاد التركية، وهذا يدل على المستقبل المشرق للعلاقة التجارية بين الجانبين.

وهناك عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم جرت بين الصومال وتركيا، منها اتفاقية التجارة والتعاون الاقتصادي، واتفاقية التعاون في مجال النقل البحري، والاتفاق بشأن الترويج المتبادل وحماية الاستثمارات، كذلك اتفاقية منع الازدواج الضريبي، ومجموع الاتفاقيات ومذكرات التعاون وفي عدة مجالات بين البلدين يصل إلى 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم.

كما نأمل أن تساعد تركيا الصومال في نقل بضائعها إلى الأسواق العالمية بفضل علاقاتها الاقتصادية وعضويتها في المنظمات التجارية العالمية، وتبذل الصومال كل الجهود لأن تكون بوّابة للبضائع التركية إلى أفريقيا، ولهذا فإن مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الصومال وتركيا مشرق وسيزدهر في السنوات القادمة إن شاء الله.

سعادة السفير،

جمهورية الصومال معروفة بثرواتها الحيوانية والزراعية والسمكية الهائلة، كما لديها احتياطات من اليورانيوم، والنفط، والنحاس، والحديد، والغاز، والتي لم تستخرج ولم تستعمل بعد.

وينشد الشاعر الصومالي المعاصر عمر محمد عبدالرحمن بوصفه أرض الصومال العامرة بالثروات :

أيــدرك قــومــي أن بالأرض مغنـا             وأن بها كنــزا وفي تـــربـها التبـر

وفي غابــها خصب وحســن وبهجة            وجوفهـا زيت وفـــي بحـــرها الـــدّر

حتما هناك إحصائيات حول حجم تلك الثروات هذه الجزء الأول من سؤالنا.

أجاب سعادته:

يتمتع الصومال بثروات حيوانية هائلة تمثل عنصرا مركزيا في اقتصاديات الصومال حيث يساهم هذا القطاع بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي للصومال، ويمتلك الصومال نحو 60 مليون رأس من الماشية وفقا للتقديرات الرسمية الأخيرة، وكذلك الثروة السمكية فإن السواحل الصومالية التي تمتد على مسافة 3330 كلم تزخر بها أنواع مختلفة من الأسماك والحيوانات البحرية الثمينة والتي تفوق حاجات الأسواق المحلية، ويمكن تصدير كميات كبيرة منها إلى الأسواق العالمية لدعم الاقتصاد الصومالي.

ولا شك أن الكنوز تحت المياه الإقليمية الصومالية كثيرة ومتعددة ولكن إمكانيات استخراجها قليلة وضعيفة، مما يعني أن الثروة البحرية الصومالية الممتدة بسواحلها تحتاج إلى تقنية عالية وأدوات متطورة لغرض الاستفادة منها، لأن نسبة استغلال الثروة السمكية الصومالية ضعيفة للغاية، إذ لا تعدو نسبة حجم الثروة السمكية 3% من صادرات الصومال، وتسهم بنحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي وفق منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو).

أمّا الثروة الزراعية فتحتل المرتبة الثانية بعد الثروة الحيوانية، حيث يعمل ما لا يقل عن 40% من السكان في الزراعة، وينتج هذا القطاع من الغلال والحبوب والثمار والخضروات والفواكه ما يلبي حاجات الأسواق المحلية، ويصدر الفائض في بعض الأحيان إلى الأسواق العالمية.

أمّا الاحتياطات من المعادن والنفط والغاز فإن الصومال لم تستخرج بعد ولم تتم الاستفادة من كل هذه الثروات على أكمل وجه لكن الصومال بدأ يستعد لاستفادة من هذه الثروات وهناك اتفاقيات مع شركات للتنقيب عن النفط والغاز في مناطق مختلفة من البلاد، ولا تزال الإجراءات جارية للنظر في إمكانية الاستثمار من هذه الثروات في قادم الأيام إن شاء الله.

والجزء الثاني من سؤالنا: الثروة السمكية هي إحدى الثروات الهائلة في الصومال كيف يمكن للمستثمرين استغلال تلك الثروة استغلالا عمليا يدر على الاقتصاد الصومالي مردودا ملائما يساعد في إنعاش الاقتصاد.

وكان جواب سعادته:

إن قطاع الصيد البحري في الصومال يمكن أن يخلق فرص عمل لشريحة كبيرة من الصوماليين العاطلين عن العمل، بفضل الإمكانيات الهائلة التي تتمتع بها الصومال التي تعتبر مياهها الإقليمية واحدة من أغنى مناطق الصيد في أفريقيا.

وتسعى الصومال إلى تنفيذ مشاريع عدة لتطوير قطاع الصيد البحري لخلق فرص عمل جديدة لمئات الأشخاص من مختلف الفئات العمرية لحل مشكلة البطالة التي تعاني منها الصومال ومحاربة الفقر والجوع.

كما تسعى الصومال إلى اجتذاب المستثمرين الأجانب ودعوتهم إلى استثمار قطاع الصيد البحري ولا سيما بعد تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد والتي تسمح بإنشاء منطقة اقتصادية خاصة، بهدف التأسيس لصناعة الصيد البحري في الصومال التي تشتهر بوفرة الأسماك والثروة البحرية بعموم سواحله الممتدة.

ويكاد يصل الاقتصاد الصومالي إلى 920 مليون دولار في السنة لكنه يعاني من ضعف استغلال الموارد الساحلية وبالأخص في كمية الصيد البحري التي لا تتجاوز 10 آلاف طن في السنة، فيما تقدر الإمكانات الحقيقية بأكثر من 300 ألف طن، وهو ما يحتاج إلى فتح أبواب هذا القطاع أمام المستثمرين لزيادة الانتاج إلى أعلى مستوى حتى يتمكن القطاع من تحقيق النتائج المرجوة منه.

وفي الختام نشكر سعادة السفير الصومالي في أنقرة على إتاحته الفرصة لنا للقائه وإجابته على كل استفساراتنا واهتمامه بتوضيحها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس