باسل الحاج جاسم - العربي الجديد

نشرت "العربي الجديد" مقالاً عنوانه "رداً على شيطنة شرق الفرات" في 20 /11 /2018، يرد فيه كاتبه، خورشيد دلي، على مقالي "عن خطر قادم من شرق الفرات" في الصحيفة نفسها، والذي نشر في 17 /11 /2018.

نادراً ما تجد أحداً يدافع عن مثل المجموعات أو المنظمات في تلك المنطقة في سورية في مقالاتٍ، بعيداً عن الطرق المتبعة عبر الشتائم والتهجم والتهديد، والأمثلة على ذلك تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، ولو تتبع الجميع ذلك لربما تم تحاشي كثير مما حدث لاحقاً، فالمشتركات أكبر بكثير مما يفرّق.

أراد كاتب الرد التشكيك في تاريخ التعاون الأميركي مع المجموعات المذكورة، وهذا لا يغير من محتوى المقال وسياقه في شيء، فما يفعلونه مستمر قبل التحالف، وازداد أكثر بعده. أما صلات وحدات حماية الشعب، ولاحقاً تحت الاسم الجديد "قوات سوريا الديمقراطية" بحزب العمال الكردستاني التركي، فلست أنا من وضعها في هذه الخانة، وإنما هم أنفسهم، والأدلة والبيانات تملأ وسائل الإعلام. وكانت هناك جلسة استماع لوزير الدفاع الأميركي السابق، تشاك هيغل، يتحدث فيها بهذا الاتجاه، بشكل لا لبس فيه. وشاهد العالم كله، في بث مباشر، رفعهم صورة زعيم الحزب، عبدالله أوجلان، في وسط مدينة الرقة، العربية التاريخ والديموغرافيا، كما أن تركيا نشرت قوائم تتضمّن صور وأسماء مواطنين أتراك ينتمون لحزب العمال الكردستاني قتلوا إلى جانب تلك المجموعات في سورية، اعتماداً على تقرير لإحدى لجان حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعرف الموضوع بـ "الموتى لا يكذبون". وليس مقالي من وضع الحزب المذكور الذي انبرى الكاتب، خورشيد دلي، للدفاع عنه، في قوائم الإرهاب، وإنما التصنيف موجود لدى حلف الناتو، ودول أخرى خارجه.

يحاول الكاتب في دفاعه عن تلك المجموعات أن يُظهر أنها صاحبة مشروعٍ لا يحمل أي بعد عرقي، فيما الكل بات يعرف عمليات التهجير ومسح عشرات بل مئات القرى العربية. وقدأوردت هذا تقارير لمنظمة العفو الدولية، وفي وسع أيٍّ كان أن يبحث في الموقع الإلكتروني للمنظمة، ويجد هذه التقارير الموثقة بأكثر من لغة. بالإضافة إلى ممارسات تغيير المناهج الدراسية، وفرض تعليم اللغة الكردية على مدن وبلدات عربية خالصة، وفرض كفيلٍ كرديٍّ على أي عربيٍّ يريد أن يدخل تلك المناطق من مناطق سورية أخرى خارج سيطرتها، ولا يتوقف ذلك عند تغيير أسماء المدن والبلدات العربية. 

يكتب خورشيد دلي في ردّه عن فتنة عربية - كردية، مع أن مقالتي كانت واضحة بشأن منظمة مسلحة، هي امتداد لحزبٍ مصنف إرهابياً في قوائم حلف الناتو، لكن مقالة الردّ قفزت عن هذا الأمر، وانصرفت إلى الأكراد بشكل عام، إلا إذا كان صاحبها يعتبر أن تلك المنظمة تمثل كل الأكراد، والذين يختصرهم في سورية بهذه المجموعة المسلحة، فهذا بحث آخر، مع أن سلوكها وقمعها الأحزاب الكردية الأخرى لا يخفى على أحد. وتناسى هنا عند الحديث عن الفتنة القومية من الذي يدفع بتصرفاته خلال السنوات القليلة الماضية ضد العرب السكان الأكثرية في كل المناطق التي سيطر عليها، مستغلاً الفوضى التي تجتاح أراضي الجمهورية العربية السورية، لإحداث واقعٍ جديدٍ بحجة محاربة "داعش"، إلا إذا كانت عمليات التهجير هي في إطار بناء مشروع السلام، أو كما سماها الكاتب، في رده على مقالي، حالة وفاقٍ بين المكونات. وهو لم يوضح عن أي توافق ووفاق يتحدث، إذا كانت هناك بلدات عربية خالصة، مثل تل رفعت، وأخرى العرب فيها أغلبية مطلقة، مثل تل أبيض والرقة ومنبج. ومع ذلك، هي اليوم تحت سيطرة تلك المجموعات المسلحة، إذ لم يشرح الكاتب، في رده الهلامي، أي توافق بين أي مكونات، إذا كان العرب في تل رفعت يشكلون 99% من السكان.

وفي السياق نفسه، قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر في أواخر عام 2015، إن بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سورية كشفت عن موجةٍ من عمليات التهجير القسري وتدمير المنازل، تُعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، الحزب الكردي السوري الذي يسيطر على المنطقة. وقالت لمى فقيه، مستشارة الأزمات لدى المنظمة، "إن الإدارة الذاتية، بإقدامها عمداً على تدمير منازل مدنيين، وفي بعض الحالات تدمير وإحراق قرى بأكملها، وتشريد سكانها من دون أية أسباب عسكرية يمكن تبريرها، إنما تسيء استخدام سلطتها، وتنتهك بصفاقةٍ القانون الإنساني الدولي في هجماتٍ تُعد بمثابة جرائم حرب".

وقد زار باحثون من منظمة العفو الدولية 14 بلدة وقرية في محافظتي الحسكة والرقة، في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2015، لتقصي عمليات التهجير القسري للسكان، وتدمير المنازل في المناطق الخاضعة لسيطرة "الإدارة الذاتية"، وتُظهر صور ملتقطة بالأقمار الاصطناعية، حصلت عليها "العفو الدولية" نطاق عمليات تدمير المنازل في قرية الحُسينية، وفي بلدة تل حميس. وتبين الصور 225 بناية، كانت قائمة في يونيو/ حزيران 2014، ولم يبق منها سوى 14 بناية في يونيو/ حزيران 2015، أي أن عدد المباني قد انخفض بنسبة مفزعة تصل إلى 93.8%.

ومع أن خورشيد دلي يركّز، في رده، على أن لا مشروع عندهم بعيداً عن دمشق، بينما علىأرض الواقع هناك عشرات الأمثلة، وما ذكرت أعلاه جزء يسير منها. وقد تحاشى ردّه الإشارة إلى نسبتي العرب والأكراد بالعموم في مناطق شرق الفرات، وإنما اكتفى فقط بوضع إشارة تعجبٍ على عبارة المناطق العربية. وكتب أن هذا الكلام يفتقر إلى الدقة والمنطق، مع العلم أن القاصي والداني يعرفان أن هناك مناطق كثيرة عربية خالصة، بينها المنطقة الممتدة بين تل أبيض وراس العين، مرورا بسلوك، و كذلك المناطق شرقي تل تمر، امتدادا باتجاه الجنوب، حتى جبل عبد العزيز، والقرى العربية جنوب القامشلي. وفي الحسكة المدينة، يشكل الأكراد أقلية فيها. ومن خلال التقارير الدولية، يظهر أن عمليات التهجير وتدمير القرى يتركز على مساحاتٍ جغرافيةٍ لا وجود فيها للأكراد إطلاقا. وهناك دراسات علمية كثيرة، وأحدثها منشورة في معهد العالم للدراسات، وجاءت فيها إحصائية بمنتهى الدقة، تضمنت عدد القرى والبلدات والتوزع الديمغرافي والجغرافي، وتظهر أن نسبة الأكراد لا تتجاوز 6% في أراضي الجمهورية العربية السورية. 

يبقى السؤال: هل نحن اليوم أمام حالةٍ نجد فيها من يتحدث عن تقارير لمنظمات دولية، وصفت أحداثاً بأنها جرائم حرب، يُتّهم بأن كل من ليس معه ضده، وبعيد عن الواقع، بينما من يبرّر ويدافع عن تلك الجرائم صاحب مشروع توافقي وحمامة سلام؟.

عن الكاتب

باسل الحاج جاسم

كاتب وإعلامي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس