أسامة حساني - خاص ترك برس

دخل العثمانيون القدس بتاريخ 28 كانون الأول/ ديسمبر 1516م (الرابع من ذي الحجة 922هـ)، وبعد هذا التاريخ بيومين قام السلطان بزيارةٍ خاصة للمدينة المقدسة حيث خرج العلماء والشيوخ لملاقاة السلطان العثماني "سليم الأول" وسلّموه مفاتيح المسجد الأقصى المبارك والمدينة وأصبحت القدس مدينة تابعة للإمبراطورية العثمانية وظلت في أيديهم أربعة قرون تقريبًا.

حظيت القدس بمكانة خاصة لدى المسلمين وغيرهم من الطوائف لما تمثله من مكانة دينية لدى جميع الأديان السماوية. ومنذ الفتح أولى السلاطين العثمانيون اهتماماً خاصاً بالقدس ومنحوها إدارة خاصة وأقاموا فيها العديد من المشاريع العمرانية وطوروا فيها الخدمات وأوقفوا عليها المنشآت الخيرية.

لعبت المكانة الدينية للقدس دورً كبيراً في جذب أعداد كبيرة ومختلفة من السكان ينتمون إلى طوائف مختلفة كالمسلمين الذين شكّلوا الغالبية حيث تركزوا حول الحرم القدسي الشريف والمناطق الشرقية من المدينة، والمسحيين واليهود.

كان عدد سكان القدس عام 1672م يقدر بحوالي 46 ألف نسمة أكثرهم من العرب المسلمين، سكن معظم المسلمين في مناطق المدينة المهمة مثل محلة الشرف وباب العامود وباب حطة وحارات بني خالد والزراعنة.

أقام النصارى أيضاً بمختلف طوائفهم إلى جانب المسلمين في القدس، وتركزت إقامتهم في حارة النصارى وحي الأرمن وحلة السريان والتبانة، فضلاً عن المشرق والريشة التي سكنوها بجانب المسلمين واليهود حول كنيسة القيامة وفي الجزء الجنوبي الغربي من المدينة والقرى المجاورة لها التي كانت تضم القسم الأكبر من النصارى مثل بيت لحم وبيت جالا ودير أبان وغيرها، أمّا اليهود فقد سكنوا في أحياء صغيرة من المدينة بأعداد قليلة لا تتجاوز المئات.

وضع العثمانيون مجموعة من الأحكام واللوائح، تضمنت حقوق اليهود والمسيحيين وواجباتهم في ممارسة شعائرهم الدينية واستندت هذه الأحكام إلى العُرف وإلى الحقوق التي أقر بها الحكام المسلمون منذ العُهدة العمرية، وجمع العثمانيون ما بين تطبيق الأساليب الإسلامية في التسامح والاعتدال وبين تحقيق توازن في التعامل السياسي مع أوروبا، واصلوا تطبيق نهج من الاعتدال في التعامل مع المصالح الدينية المسيحية فتم الاعتراف ببطريريكية فلسطين للروم الأرثوذكس في القدس في القرن السادس عشر باعتبارها القَيّمة على الأماكن المقدسة.

كان للواقع الديني انعكاسٌ واضح على وضع المدينة الثقافي خلال العهد العثماني إذ كانت مركزاً علمياً لرجال الدين والشيوخ وطلبة العلم، وكثرت فيها خلال تلك الفترة المعاهد والمدارس الملحقة بالمساجد، كما ذكر الرحالة "أوليا جلبي" في زياته للقدس عام 1672م: "في القدس أكثر من 24 محراباً للصلاة وسبع دور للحديث و10 دور للقرآن و40 مدرسة"، وبلغ عدد العاملين في تلك المؤسسات الثقافية ما يزيد عن 800 ما بين معلم وشيخ وخادم.

كما شهدت القدس حركة عمرانية أضفت اليها الطابع العثماني إلى يومنا هذا. وأولى السلاطين العثمانيون اهتماماً بتطوير وترميم معالم المدينة المقدسة، ونظراً لما يحمله مسجد قبة الصخرة من قدسية لدى المسلمين فقد أولى السلطان سليمان القانوني اهتماماً خاصاً بترميمه فتم في عهده تجديد نوافذ المسجد، كما تم تزيين الواجهة الخارجية للمسجد وساحته، كما تم ترميم وتحصين سور المدينة الذي بناه الأيوبيون وبلغ طوله 4 كم. وقد استعان السلطان بأفضل المهندسين العثمانيين من أجل هذا الغرض كأحمد قرة والمعمار سنان.

عن الكاتب

أسامة حساني

محرر في وسائل التواصل الإجتماعي في ترك برس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس