ترك برس

نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا للكاتبة جاسمين جاني، الباحثة في العلاقات الدولية بجامعة سانت أندروز البريطانية، قالت فيه إن لدى تركيا سببا وجيها يدفعها للحذر من الانسحاب الأمريكي من سوريا، لأن الانسحاب قد يدخل تركيا في مواجهة مباشرة مع النظام السوري بدلا من محاربة ميليشيا وحدات حماية الشعب "ي ب ك".

ويذكر التقرير أن الانسحاب الأمريكي الكامل، حتى مع تقديم دعم مادي كبير ومساعدات عسكرية لتركيا لمواصلة الدور الذي كانت تضطلع به الولايات المتحدة في السابق من محاربة داعش لم يكن هدف أنقرة. كما أن إعلان تركيا تصميمها على التقدم في شمال شرق سوريا بغض النظر عن انسحاب واشنطن أم لا، ليس مؤشراً على أن الانسحاب الأمريكي الكامل والفوري هو النتيجة التي أرادتها تركيا.

وأوضح التقرير أن الانسحاب الأمريكي يعني أن تواجه تركيا بنفسها تنظيم الدولة "داعش"، وبدلا من محاربة ميليشيا "ي ب ك" وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" الضعيفة، ستواجه تركيا على الأرجح صراعاً مباشراً مع النظام السوري، مما يدفع  القوات التركية إلى التوغل في عمق الأراضي السورية.

واضاف  أن "ي ب ك" دعا في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي قوات النظام السوري إلى دخول الشمال لمواجهة توغل تركيا خاصة في منبج. ومع هذا التطور لم تعد ميزة الانسحاب الأمريكي واضحة  لتركيا التي ما تزال حتى الآن في معسكر المناهضين للأسد لكنها بالتأكيد غير معنية بمواجهة عسكرية مع النظام السوري.

فرصة لروسيا

وويلفت التقرير إلى أن الانسحاب الأمريكي سيكون فرصة لروسيا لتعزيز وجودها في سوريا، بعد أن نجحت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة ومع تضاؤل الدعم الأمريكي للمعارضة السورية المسلحة، في دعم النظام حتى استعاد السيطرة على مساحات كبيرة من الأراضي، وهو ما أضعف قوة موقف تركيا المناهض للأسد.

والآن، ومع إعلان الولايات المتحدة انسحابها، أصبحت خيارات تركيا أضيق وأوضح. وإذا انسحبت الولايات المتحدة - على الرغم من الرسائل المتباينة من مستشار الأمن القومي جون بولتون - فمن غير المرجح أن تتمكن تركيا من الاحتفاظ بالأرض عسكريا ضد كل من مقاتلي داعش والتحالف بين روسيا والنظام السوري.

ويقول التقرير إن تركيا لن تكسب الكثير من مواجهة داعش والنظام سوى تحقيق أهداف الولايات المتحدة بدلاً من تحقيق أهدافها، حيث لن يؤثر تدخلها في الشمال السوري في نظام الأسد ولن يلغي تهديد ميليشيات "ي ب ك".

إعادة تفعيل عملية أستانا

ووفقا للتقرير فإن الفكرة القائلة بأن "تركيا تشكل واحدة من العقبات القليلة الباقية أمام النظام السوري لاستعادة السيطرة على جميع أجزاء سوريا، مع وجود احتمال صدام مع تركيا في عفرين، هي فكرة مفهومة لكنها بعيدة الاحتمال، حيث تفضل تركيا اتباع مسار سياسي نحو تحقيق أهدافها، حتى لو كانت تستلزم تعاونًا أوثق مع حلفاء النظام السوري."

وبين أن تركيا ردت على تسيير روسيا دوريات عسكرية بالقرب من مدينة منبج بأن طلبت من الروس تسيير دوريات مشتركة لمراقبة ميليشيات "ي ب ك" دون تحدّي الروس. كما أعلن الرئيس التركي أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا أنهما سيلتقيان شخصيا هذا الشهر لاستئناف عملية أستانا.

وعلاوة على ذلك، يضيف التقرير، أن تركيا تلطف العلاقات مع إيران، حيث استقبلت الرئيس الإيراني حسن روحاني في أواخر ديسمبر بدفء متعمد. وقبل هذا اللقاء تحدت تركيا العقوبات الأمريكية على إيران، واستأنفت الأسبوع الماضي واردات النفط من إيران.

المكاسب التركية

ورأى التقرير أن تركيا بتعزيز تعاونها مع روسيا من أجل تهميش ميليشيات "ي ب ك" دخلت مقامرة محسوبة، لأنها تدرك أن الحكم الذاتي شرق سوريا ليس في مصالح النظام السوري أيضاً.

وأضاف أن ابتعاد تركيا عن الولايات المتحدة واقترابها من روسيا يعد جائزة كبيرة لبوتين على المسرح العالمي، ولكن لدى تركيا في المقابل ما تكسبه من هذا التطور، حيث تأمل في أن يتم تهميش تنظيمات "ي ب ك/ ب ي د/ بي كي كي" في نهاية المطاف في أي تسوية مستقبلية، ما دامت حاضرة على طاولة المفاوضات.

ويختتم التقرير بأن التغييرات السياسية في موقف تركيا التي يرجع بعضها إلى مشاكل الأمن الداخلي، وبعضها بسبب انعدام ثقتها في الولايات المتحدة، قد يكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة في حسم الصراع السوري الممتد منذ ثمانية أعوام.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!