عبير النحاس - خاص ترك برس

تبدأ التحذيرات والمخاوف التي يتناقلها السوريين فيما بينهم قبيل كل انتخابات تركية، وتبدأ معها القصص الحقيقية والقصص الكاذبة أيضا، وتبدأ المؤامرات بالفعل.

ربما علينا أن ندرك جيدا أن تشويه صورة السوريين في تركيا، وتصوير حياتهم بشكل سيئ وبائس، أمر تستفيد منه عدة جهات، والعديد من الدول التي أثبتت عداءها لتركيا أولا، وللشعب السوري الذي ثار على الظلم في بلاده ثانيا، ولكل الشعوب التي كرهت الظلم.

وأن هؤلاء لن يتركوا ورقة دون اللعب بها للوصول إلى أهدافهم وهي تدمير تركيا، وإنهاء ثورة الشعب السوري، وتقسيم بلاده بما يخدم مصالح إسرائيل أولا، والدول الطامعة في ثروات المنطقة ثانيا.

ربما نفهم هذا جيدا من خلال الفيلم الوثائقي الذي قامت محطة الـ bbc   بتصويره في الأيام الأخيرة الماضية في منطقة أكسراي إسطنبول، والذي ظهرت فيه المرأة المتسولة على أنها سورية، وتحدث الفيلم عن اضطرارها لبيع جسدها أحيانا مقابل المال لتؤمن متطلبات حياتها، وعندما كشفت السلطات التركية اللعبة وتناقل الناس الفيلم عبر وسائل التواصل قامت المحطة بحذفه.

من هنا نفهم أن تشويه حياة السوريين في تركيا أمام العالم نوع من الحملات التي تستهدف تشويه سمعة تركيا عالميا والسوريين هنا هم ورقة من أوراق هذه اللعبة.

النظام السوري أيضا مهتم جدا ومستفيد من تصوير حياة السوريين البائسة في تركيا وفي الشمال السوري الذي تسيطر عليه قوات المعارضة السورية وهذا ليثبت للعالم أنه الجهة الوحيدة القادرة على تسيير حياة الشعب السوري وتلميع صورته من جديد للحصول على الدعم الدولي والمادي الذي يحتاجه لإحكام السيطرة على ما بقي من الأراضي السورية التي يسكنها المدنيون الهاربون من الاعتقال والقتل وقوات المعارضة المسلحة، ونحن لا نستبعد مطلقا أن يكون للنظام السوري موالين في تركيا يتعمدون تشويه صورة السوريين بأوامر من الحكومة في سوريا، وأن هذا متعمد أيضا لتخويف من بقي في الداخل السوري فلا يفكروا في الاعتراض على سياسات النظام أبدا.

المعارضة في تركيا تستخدم السوريين أيضا كورقة لمحاربة الحكومة التركية وتشويه صورتها أمام الشعب التركي كونها من وقف بجانب الشعب السوري المظلوم والذي هرب نحو تركيا والشمال السوري يطلب الأمان والكرامة، والمعارضة تبدع في إبراز القصص التي تشوه سمعة السوريين وتؤجج الكراهية بين الشعبين، للحصول على مكاسب سياسية على حسابهم، ويعرف السوريين والأتراك هذا وقد جربوه مرات عديدة.

وما أردت قوله للإخوة الأتراك:

أننا لم نخطط للمجيء إلى تركيا أبدا، ولم نخطط للخروج من بلادنا يوما من الأيام، وكنا نسكت على الظلم حتى وصلنا إلى مرحلة لم نعد قادرين على الصمت والتحمل فقمنا بثورتنا وتوقعنا من العالم أن يساند مطالبنا العادلة لكنه كشف عن وجهه الحقيقي والقبيح جدا، وحارب ثورتنا وحاك لنا الخطط وتآمر علينا حتى من ظنناهم إخوتنا العرب، ونحن هنا في تركيا لأننا وجدنا هذا الشعب وهذه الحكومة من أكثر من عرفنا إنسانية ووجدنا هنا كرامتنا وحرية لم نتخيل أن نعيشها يوما.

وأقول دائما أننا لسنا شعبا مثاليا وككل الشعوب يوجد بيننا الكثير من الشخصيات الجيدة والسيئة أيضا وإننا نسعد عندما ينال كل من يخطئ عقوبته ونسعى لهذا.

إن السوريين وكل شعوب المنطقة العربية المظلومة تتطلع وتنتظر تركيا القوية لتكون لها قدوة وعونا وسندا أمام أمواج الظلم والقهر المتواصل من قبل الدول الاستعمارية ورجالها الموالين لها من الحكام العرب، وأنها بقيت الدولة الوحيدة التي تساند المظلومين الحقيقيين.

يدرك العالم والعالم العربي أن الترك والعرب هما الرأس والجناحين لهذه الأمة وأن في تواصلهما وتوحدهما أمل لنهضة جديدة قريبة تعود بها أمجادنا وقوتنا، ونتخلص من الاستعمار الذي يستنزف ثرواتنا، ويمعن في قهرنا وتجهيلنا وتخلفنا وإفقارنا عبر حكوماتنا التابعة لأوامره ليستمر في سرقة الثروات والعقول المهاجرة واليد العاملة الشابة والقوية وكذلك أطفال المهاجرين الذين سيسدون الفراغ والنقص الحاصل في أعداد السكان في تلك البلاد، ولهذا يسعى هؤلاء بقوة للتفريق بين الشعبين من جديد بمشاركة واضحة من الحكومات العربية التي ترى في عودة تركيا للوسط العربي تهديدا لوجودها وكشفا لعمالتها وخيانتها وسرقتها لشعوبها، فما حققته الحكومات التركية خلال السنوات القليلة الماضية يظهر فشل الحكومات العربية وحجم السرقات والثروات التي تحرم منها الشعوب وتتمتع فيها الحكومات والدول التي تحميها.

وأود أن أقول لكم أننا هنا ربما لسنة أو سنوات، قد نعود لبلادنا وقد نهاجر من جديد إلى مكان ما في هذا العالم، لكننا لن ننسى أبدا ما قدمتموه لنا من حسن المعاملة والكرامة والدعم لشعبنا في الأراضي المحررة، وسنحكي هذا لأطفالنا لنمحو مئة عام من التفرقة والتشويه والكراهية التي سعى العالم لزرعها بيننا.

وأخيرا فنحن نتمنى لتركيا كل الخير، وأن يحفظها الله لشعبها ولمن لجأ إليها ليحتمي من الظلم، ولتظل شامخة أمام القوى العالمية الاستعمارية التي لم تتخيل يوما أن تعود تركيا لتقف أمامها بعد كل تلك المؤامرات التي حيكت لها ولشعبها وفاجأتها بل تسببت لها بالصدمة.

فلتهنؤوا ببلادكم، ولتهنأ الشعوب المظلومة بقوة الدولة التي تساندهم.

مع أمنياتنا لكم بانتخابات رائعة هادئة تسعدكم وتسعدنا أيضا.

عن الكاتب

عبير النحاس

كاتبة وروائية سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس