عبير النحاس - خاص ترك برس

لم يكن لدى أحدنا ذرة شك بأن مستقبلا رائعا جدا ينتظر هذا الشاب، بطوله الفارع، وعضلاته المفتولة، ووسامته الممزوجة بكاريزما عالية، وقوته ومهاراته الكبيرة والمبكرة جدا في لعبة كرة القدم.

استطاع عبد الباسط الساروت قبل أن يبلغ الثامنة عشر أن يثبت نفسه كحارس مرمى لإحدى أقوى الفرق الرياضية في مدينة حمص وسوريا (فريق الكرامة) الفائز ببطولات دوري كرة القدم في سوريا لمرات عديدة، وكان أيضا حارسا لمنتخب شباب سوريا، وحاز على ألقاب دولية أثناء تمثيله لبلاده.

فلم يكن يساورنا الشك في أن هذا الشاب الحمصي الجميل سيكون نجما كرويا تستقطبه الأندية العالمية في وقت قريب جدا ويلمع نجمه كما كان لامعا أصلا في سوريا قبل ان تقوم الثورة.

من هو الساروت

ولد عبد الباسط الساروت في مدينة حمص عام 1992، في حي البياضة، ولمع نجمع كلاعب لكرة القدم، فكان محبوبا وله شعبية كبيرة.

انضم للثورة في أيامها الأولى، وكان يقود المظاهرات في أحياء حمص بصوته الجميل وأغنياته التي حفظها الكبار والصغار.

أسس كتيبة (شهداء البياضة) عندما اضطر لحمل السلاح لتدافع عن المدنيين، وقد استشهد فعلا كل أفراد الكتيبة عندما حاولوا فك الحصار عن احياء حمص المحاصرة، وتمكن النظام من محاصرتهم عام 2014، وكان من ضمن  أفرادها إثنين من إخوانه.

أصيب عدة مرات خلال المعارك وكان يعود لصفوف الثوار قويا ثابتا في كل مرة.

تعرض لعدة محاولات اغتيال من قبل عناصر النظام وكان ينجو بأعجوبة في كل مرة لكنه لم يهرب ولم يستسلم.

رصد النظام جائزة قدرها 2 مليون ليرة سورية لمن يأتي به حيا أو ميتا.

هاجر إلى الريف في حمص عندما احتل النظام المدينة عام 2014

وهاجر إلى إدلب عندما تم تهجير سكان ريف حمص منها.

جاء إلى تركيا وشارك في احتفالات 15 تموز وعمل حينها في أحد المعامل ليؤمن قوت يومه ولم يكن يقبل المساعدة من أحد.

لم يستطع البقاء بعيد عن سوريا وعاد إليها وانضم إلى صفوف جيش العزة وأصبح قائدا عسكريا فيه لكتيبة (حمص العدية).

أصيب على تراب بلادنا مدافعا عنها في معارك تحرير ريف حماه ونقل إثر إصابته البليغة إلى تركيا واستشهد متأثرا بجراحه في مدينة الريحانية.

انضمامه لصفوف الثوار

عندما اعتقل النظام السوري أطفالا صغارا في محافظة درعا، وقام بتعذيبهم تعذيبا شديدا واقتلاع أظافرهم لأنهم كتبوا على جدران مدرستهم عبارات ضد النظام، بدأت ثورة الشعب الثوري في درعا وفي حمص أولا.

وكان انضمام الساروت لصفوف الثوار في أول أيام الثورة، فكان بنجوميته الجميلة وحماسه الكبير، وبحة صوته الحزينة الآسرة، دعما كبيرا للمتظاهرين، وهنا برزت لديه موهبة أخرى رائعة وهي كتابة الأغاني الشعبية وتلحينها وغنائها بصوته الساحر، والتي انتشرت انتشارا كبيرا.

سبب وجود الساروت بين الثوار وقيادته للمظاهرات وجعا لدى النظام وكان ينتقل بين أحياء مدينة حمص ليشعل المظاهرات فيها جميعا، فرصد النظام مبلغ 2مليون ليرة سورية لمن يسلمه حيا أو ميتا، وكان في حماية الله وحده.

حمل السلاح

يعرف العالم أجمع أن الشعب السوري خرج بثورته بشكل سلمي، وأن البداية كانت في المظاهرات الأسبوعية ثم محاولات الاعتصام ثم المظاهرات اليومية.

لكن النظام السوري واجه المتظاهرين بالقتل والاعتقالات والتعذيب، ولم يجد الشعب السوري وسيلة لحماية نفسه وأطفاله وممتلكاته سوى حمل السلاح، وهنا كان الاضطرار وقام الساروت بتشكيل كتيبة (شهداء البياضة)، وكانت الكتيبة مؤلفة من إخوته وأصدقائه.

الانتماء

لم يكن الساروت منتميا إيديولوجيا إلى أي حزب أو جماعة عقائدية، فقد غنى أكثر من مرة لسيدة مسيحية اسمها (أم جوزيف) كانت تعد الطعام للثوار، ووقف أكثر من مرة مع ثائرة من الطائفة العلوية (فدوى سليمان) جنبا إلى جنب يقودان المظاهرات معا ويهتفان لسوريا بصوت واحد.

حتى انتماء الساروت لمدينة حمص لم يجعله حمصيا أبدا، فقد غنى لحماة ودرعا والشام وحلب وكل المدن السورية ، وقاتل في المدينة، وقاتل في الريف، ومات على تراب أرياف حماة.

حتى حبه العظيم لسوريا لم يجعله سوريا أبدا، فقد كانت أخر أغنياته عن الجزائر والسودان ومصر وسوريا معهم.

لكن النظام ومن أرادوا كسر ثورتنا وجهوا له اتهاما بمبايعة داعش وقد اثبتت المحاكم الثورية براءته، لكن من أراد تشويه الثورة السورية لن يتوقف عن تشويه رموزها.

الشهرة

كان عبد الباسط الساروت نجما مشهورا قبل الثورة كلاعب كرة قدم، وحصد شهرة كبيرة خلال الثورة لم يهتم لها.

لم يكن يملك حسابات على مواقع التواصل، ولم يكن يعنيه إلا أوجاع شعبه، لكن صدقه وعطاءه وحب السوريين له جعلا صوره وأغنياته وكلماته تملأ وتجتاح مواقع التواصل لأيام مما جعل الفيس بوك يقوم بحذف الصفحات والمنشورات التي تتحدث عنه في الأيام الأخيرة.

وتخيلوا ان صفحات كثيرة على مواقع التواصل تم إنشاءها باسمه بعد موته تخليدا لذكراه وليبقى حيا في قلوب السوريين يعطيهم الأمل والهمة.

المال والحب في حياته

كان يردد دائما قوله: "أن بندقيته وطنية وأنها ليست للإيجار".

وهذا يعني أنه لم يكن يقبل أي تمويل خارجي للكتائب التي أسسها وعمل فيها (كتيبة شهداء البياضة) وكتيبة (حمص العدية) في جيش العزة.

ومن المعلوم لدينا جميعا أن تمويل هذه الكتائب كان ذاتيا، ولم تكن مرهونة أبدا لدولة أخرى أو لجماعة عقائدية، وهذا كان أحد الأسباب التي دفعت البعض لتشويه صورته لأنه كان حرا جدا، وشامخا جدا، ووطنيا جدا.

وقد كان من السهل ان يمتلك الملايين لو بقي متابعا لأمجاده في لعب الكرة أو لو قبل أن يحصل على التمويل من إحدى الدول الخليجية أو الغربية لكنه رفض ذلك كله وبقي بين أفراد شعبه بسيطا في ملابسه بسيطا في كلامه ومشاعره، لا يفكر إلا في الحرية والكرامة.

أما عن الحب والنساء في حياة الشهيد البطل فقد عرض عليه الكثير من السوريين بناتهم للزواج.

وكان بجماله، والكاريزما العجيبة التي يمتلكها، وشجاعته، يسحر الفتيات، لكنه لم يكن ليهتم أيضا فلم يتزوج، ولم يتأنق، ولم يفكر حتى في تصفيف خصلات شعره الكثيف والفاتن، لقد كان منكرا لنفسه تماما ويحمل فقط هم الوطن، ولم يقدم قلبه إلا لبلاده ولرفع الظلم والدفاع عن المظلومين

من استشهد من عائلته

في نهاية 2011 استشهد اخاه الاكبر (وليد الساروت)

وفي بداية 2012 استشهد والده ه (ممدوح الساروت)

وفي نهاية 2013 استشهد أخاه ( محمد الساروت)

وفي بداية 2014 استشهد اخر أخويه (عبد الله الساروت) و(احمد الساروت)

واستشهد 5 من أخواله والكثير من افراد عائلته على يد قوات الأسد

جيفارا سوريا

عندما نتمعن في سيرة الرموز الثورية عالميا مثل جيفارا، وأحمد ياسين، وعمر المختار، وغسان كنفاني، وناجي العلي، ومانديلا، والسلطان عبد الحميد، وغيرهم من الأسماء التي بقيت خالدة وتحولت إلى أيقونة وأسطورة نجد ان هناك عدة أشياء مشتركة بينها بعيدا عن توجهها وديانتها وهي:

- الصدق.

- الثبات حتى النهاية.

- الشجاعة.

- العطاء بلا مقابل.

- نسيان الذات.

- التضحية.

- وأيضا الكاريزما التي تشد الجماهير.

وقد اجتمعت هذه الصفات كلها في جيفارا سوريا، أو بلبل الثورة، أو حارس الثورة كما أطلق الناشطون على عبد الباسط ، وأصبح أيقونة عالمية للثورة السورية عندما نعته أكبر الصحف العالمية على صفحاتها الأولى، ومنها صحيفة نيويورك تايمز، وموقع ميدل إيست، وهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، ولوموند الفرنسية، ولو بارسيان، ويورو نيوز، وغيرها من الصحف.

تأثير استشهاده على الثورة السورية والسوريين

أعلن أحد الناشطين في إدلب أن نحو 100 شاب سوري يقيمون في تركيا يرغبون بالعودة إلى سوريا لمواصلة العمل العسكري والتحرير، وهذا جزء بسيط جدا من الأثر الذي أحدثه استشهاد عبد الباسط على السوريين والثورة السورية.

لقد احيا الساروت الثورة من جديد في قلوب السوريين في الداخل والخارج باستشهاده مقبلا غير مدبر في ساحات المعارك.

وكنت أتحدث إلى أحد الإخوة قبل أيام عن الإحباط واليأس الذي أصابنا فكان استشهاد هذا البطل الأسطورة هو من وحد السورين من جديد وأعاد لثورتنا الحياة.

وقد نعاه الإسلاميين واليساريين والفنانين والعسكريين والناشطين والإعلاميين  والكتاب والشباب والفتيات والسيدات الكبيرات ولم يختلف فيه إلا أتباع الأسد والمرضى النفسيين الذين فرحوا بموته أولا، ثم جن جنونهم عندما رآوا تفاعل الناس وحبهم له وانتشار اسمه وصوره في العالم أجمع.

لقد احيا الساروت ثورتنا وقلوبنا وأملنا في أن نكمل المسير ونحرر بلادنا من النظام المجرم الذي جلس على صدورنا 40 سنة يقمعنا ويسرقنا ويحمي حدود إسرائيل.

هنيئا لعبد الباسط الشهادة.

وهنيئا للثورة السورية حياتها الجديدة.

وهنيئا للعالم برمز ثوري جديد جميل وصادق وشجاع.

عن الكاتب

عبير النحاس

كاتبة وروائية سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس