حمزة تكين - أخبار تركيا

في السادس والعشرين من شباط/فبراير عام 1954 ولد رجب طيب أردوغان في مدينة إسطنبول التركية من أبوين فقيرين، لا في عائلة تمتلك مليارات الدولارات أو آبار من النفط والغاز هنا أو هناك.

الوضع الاقتصادي المتردي لعائلة المولود الجديد، لم يمنع الأخير من خوض غمار هذه الحياة الدنيا ككثير من الفقراء الذين استطاعوا أن يثبتوا أنفسهم ويحققوا نجاحات باهرة في هذه الدنيا، ليكونوا بمثابة نماذج إيجابية للآخرين.

 لن نخوض في تفاصيل مسيرة هذا المولود الذي تحول فيما بعد إلى قائد فذ ورمز للنجاح في هذه الحياة الدنيا، سنكتفي الآن بسرد قصة واحدة من بين مئات قصص أردوغان، المحفذة على العمل والاجتهاد، الطاردة للاكتئاب وأفكار الفشل والخنوع.

هي حادثة مفصلية في حياة هذا القائد الذي تجاوزت شعبيته اليوم حدود جغرافيا الجمهورية التركية، حادثة كان لها الأثر الكبير في مسيرة رجل يمكننا أن نستفيد منها ونتعلم منها لخدمة حياتنا اليومية كأفراد وليس كدول وأحزاب ومؤسسات فحسب.

في 12 كانون الأول/ديسمبر من العام 1997 سُجن أردوغان بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، بعد أن ألقى أبيات شعرية خلال خطاب جماهيري في مدينة سيرت التركية، ليُصار إلى فصله أيضًا من رئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.

ومن هذه الأبيات :
 قبابنا خوذاتنا
 مآذننا حرابنا
 والمصلون جنودنا
 هذا الجيش المقدس يحرس ديننا

وفي يوم توجهه إلى السجن في إسطنبول، أبى مئات الآلاف من أبناء مدينة إسطنبول إلا أن يرافقوه من أمام منزله إلى محبسه في موكب مهيب لن تنساه هذه المدينة أبدًا، التي طالما خدمها هذا الرجل من قبل.

أكثر من 1500 سيارة شكلت موكب أردوغان خلال توجهه إلى السجن، حيث كانت تنتظره أيضًا حشود ضخمة قبل وصوله بساعات.

هنا يكمن الدرس في هذه الحادثة... فأمام السجن، خطب المربي بالجماهير قائلًا :"أودّعكم أيها الأحباب، وأحيي من هنا أهالي إسطنبول والشعب التركي والعالم الإسلامي، أنا سأقضي وقتي خلال أشهر السجن بدراسة المشاريع التي توصل بلدي إلى الازدهار والتقدم، سأعمل بجد داخل السجن".

 لم يكتف أردوغان بالحديث عن نفسه فالخطاب ليس خطاب عواطف وتمجيد بل خطاب سجله التاريخ ليكون درسا لكل شاب وشابة قد يدخل اليأس إلى قلبه أو قلبها.

تابع أردوغان مخاطبا الجماهير أمام السجن :"وأنتم اعملوا من خارج السجن كل ما تستطيعون فعله، ابذلوا جهودكم لتكونوا معماريين ناجحين وأطباء مبدعين وحقوقيين متميزين... أنا ذاهب لتأدية واجبي وأنتم اذهبوا لتؤدوا واجباتكم... أستودعكم الله تعالى وأرجو أن تسامحوني وأن تدعوا لي بالصبر والثبات".

والدرس الأخير الذي أعطاه أردوغان ليس للشاب فحسب بل للعالم أجمع أيضا، هذا العالم الذي يؤيد الديكتاتوريين اليوم ويدعمهم على حساب الشعوب المظلومة المضطهدة.

فتابع الرئيس مخاطبا المتجمهرين أمام السجن :"كما أرجو منكم عدم الاحتجاج أمام مقرات الأحزاب الأخرى، بل استعدوا لتترجموا خياراتكم في صناديق الاقتراع".

 لم تحبط هذه الحادثة المفصلية في حياة هذا الرجل، عزيمته على الاستمرار بمسيرته السياسية وخدمته لوطنه، فلم يعلن اعتزاله العمل العام، ولم تتحطم طموحاته ولم يشعر باليأس أبدًا، بل حوّل السجن إلى فرصة من أجل الانطلاق من جديد وتحقيق ما فيه الخير لوطنه وأمته.

هذه الحادثة، وصاحبها الذي يعيش بيننا وأمام أعيننا اليوم بعمر الـ65 عاما، والتي لا تعتبر قصة من قصص كتب التاريخ، يجب أن تكون محفزة لشباب أمتنا الذي يشعر بالإحباط واليأس بسبب ما آلت إليه أوضاعنا في العالم كأمّة واحدة.

يجب أن نتعلم من هذه القصة التي دارت وقائعها وأحداثها في زماننا لا منذ قرون مضت، أنه لا يأس مع الله تعالى أبدًا، وأن العزيمة والإصرار مع صدق النية لابد وأن تثمر خيرًا ونجاحًا وتوفيقًا من الله.

وها هي أثمرت مع هذا الزعيم، الذي كتبت عنه الصحف التركية في تلك الفترة أن "حياته السياسية انتهت"، ولكنه خرج من السجن وأصبح اليوم رئيسًا للجمهورية بل وزعيمًا في قلوب ملايين المسلمين في كل أنحاء العالم.

 بعد 4 أشهر من السجن، خرج الطيب أردوغان ليؤسس فيما بعد مع رفاقه حزب العدالة والتنمية في 14 آب/أغسطس من العام 2001.

 يمكننا القول وبكل جرأة وفخر أن أردوغان رئيس وزعيم حقق الكثير لأمته ووطنه، وأعاد لنا الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء لهذه الأرض وهذه الأمة، وهو الرجل المكافح الذي غير وجه تركيا الحديثة وأنقذها مما كانت فيه من دمار اقتصادي وترد سياسي واضطهاد ديني... إنه الكابوس الذي يلاحق أعداء تركيا والأمة في نومهم ويقظتهم.

 إنه بشهادة أعدائه قبل محبيه، الزعيم الذي يتابعه العالم ليل نهار، يدعو له محبوه بالتوفيق والنجاح والحفظ، ويحيك أعداءه له المكائد التي تتحطم في كل مرة على صخرة الإيمان بالله تعالى والثقة بالشعب.

 إن مسيرة أردوغان مستمرة ولن تتوقف بعون الله تعالى، هي مسيرة شعب، نابعة من تاريخ عظيم، وليست مجرد مسيرة شخص، هو يقول عن نفسه في إحدى اللقاءات التلفزيونية :"قد يبقى أحدُنا في الحُكم سنوات وسنوات، ولكن في النهاية الكل سيذهب وكلنا سنموت... طيب أردوغان سيموت، والمكان الذي سيذهب إليه طيب أردوغان هو قبر من مترين... ولا يبقى إلا وجه ربنا الكريم".

فلنتعلم الدرس من هذه القصة... لما فيه خير حياتنا ثم خير أمتنا.

عن الكاتب

حمزة تكين

كاتب وصحفي تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس