فهد الرداوي  - خاص ترك برس

يقفُ الشعب السوري صامدًا في ذكرى ثامنة لثورة خرج فيها منتفضًا ومطالبًا بحقوقه المسلوبة والمنتهبة، بمشهدٍ لا يخفى فيه على أيّ متابعٍ لقاطرة هذه الأحداث اللامتناهية، حيث توالت الكبوات لأحلام الشعب السوري المناشدة بالخلاص من هذه العصابة الأسدية المجرمة التي استباحت البشر والحجر، وفي سردٍ بسيطٍ يُظهرُ الواقع الذي آلت إليه حال البلاد، سيلاحظ الجميع بأنَّ شيئًا دوليًا مرغوبًا به وتغييرًا فرضيًا تم إسقاطهُ ومزجهُ في الهدف الفكري لهذه الثورة المباركة، تمثل بتغليب سياسة "حماية الأفق الإقليمي" الذي يَدعم بقاء بشار الأسد ليرعى المصالح الدولية ويضمن لهم خصومة الصراع الحضاري، لتتحول بذلك البوصلة شيئًا فشيئًا وتنحرف وجهتها كليًا بمشهدٍ دوليٍّ هزلي، يتحدى المنطق الأخلاقي وقيم الإنسانية على حساب شلالات من الدم السوري، التي أراقها النظام الأسدي المجرم بمباركة أممية وصلت بلامبالاتها حدَّ الافتعال الشنيع، لإسكات صوت الحقيقة وتمييع محاسبة المجرم وعصابته وإحداث واقعٍ جديد يُعاكس رغبة الشعب السوري في نيل حريته.

الثورة والرهانات الفاشلة

عمد النظام الأسدي منذ أن وصل لسدة الحكم في سوريا في بداية سبعينيات القرن المنصرم، عمد إلى إفراغ الواقع السياسي من مضمونه، فأمسك سوريا بقبضة فولاذية استطاع من خلالها بسط سيطرته على جميع مفاصل الدولة ومؤسساتها ونقاباتها، واستمرت هذه السيطرة قرابة الخمسة عقود غابت فيها الرؤى الوطنية والمشاريع السياسية باستثناء سياسية البعث الحاكم، وحين انطلقت ثورة الشعب السوري المباركة وتم تشكيل المكونات السياسية والعسكرية بظرفية زمانية ومكانية طارئة، ثم الذهاب على عجل إلى التحالفات الإقليمية والدولية دون أوراقٍ ضاغطة أو ناظمٍ فكري وأيدلوجي أو ارتكازٍ محوري (سياسي أو إدراي) لتضمن به ما يُسمى بالسياسة الحمائية لتلك الدول.

ومن هنا بدأت سلسلة الانكسارات والتلاعب وضياع الهدف، فتحولت ورقة المعارضة إلى استثمارٍ بيد بعض الدول، لتُسخرها بمشروعٍ قذر، لا يتعدى في مضمونه حدود الضغوطات على النظام الأسدي لأجل مكاسبٍ سياسية أو تمدد جغرافي، حصلت عليها هذه الدول في ماراثون المفاوضات السورية، ويكمن السبب في الاستغفال والاستعمال هذا، لأنّ مكونات المعارضة السورية هذه اعتمدت على الارتهان الخارجي وليس التمثيل الثوري الذي يعتمد في جميع مفاصله على الشراكات المصالحية والتي لا تملك هذه المكونات أصلًا إدارتها فضلاً عن وجود حالات عديدة من التسلّق والارتزاق بين صفوف هذه المكونات.

ولهذا كانت طبيعة المتغيرات في المواقف الدولية تحصيلًا حاصلًا، فالحمولة السياسية الهزيلة هذه لا تضمن حميمية العلاقات ولا تصنع توازنًا في السياق الإقليمي ولا الدولي، فكان الفشل هو الحاضر الأكبر، لتُدفَعَ بعدها الأمور نحو هوة الجحيم المستقبلي الذي كلّف الشعب السوري فيما بعد، مئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين وملايين المهجرين.

الثورة السورية والواجب الفوري

ربما تكون ثمانِ سنوات كافيةً جداً للاستفادة من التجارب السابقة، وواقع الماضي الضريبي المرير الذي دفعته هذه الثورة المباركة ما زال شاهدًا حيًا، وأما الواجب الفوري لهذه الثورة العظيمة والذي يُحتّم عليها القيام به عاجلًا، هو ضبط إيقاعها السياسي والمصالحي وموازنة أهداف التقارب الإقليمي والدولي، من خلال إنتاج أوراقها السياسية الوطنية والعمل بانسجام وتوافق بين مكوناتها الثورية، لخلق رأي سوري ثوري ضاغط، تستطيع من خلاله فرض التغيير المطلوب في المزاج الدولي.

عن الكاتب

فهد الرداوي

الأمين العام لتيار التغيير الوطني السوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس