محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

تلبية للدعوة الكريمة الموجهة إليها، زارت الأستاذة ژاله النفطچي رئيسة حزب الإرادة التركمانية والنائبة السابقة في مجلس النواب العراقي (الدورة النيابية الثانية)، خلال تواجدها في العاصمة التركية أنقرة مركز دراسات الشرق الأوسط التركي "أورسام".

واستقبلت النفطچي بحفاوة بالغة من جانب البروفيسور د. أحمد أويصال رئيس المركز وعددًا آخر من السادة العاملين في المركز، حيث عقدت ورشة عمل مصغرة بحضورالبروفيسور د. أويصال ومشاركة كل من السادة بيلگاي دومان منسق شؤون العراق في المركز المذكور، ود. شمس الدين كوزه چي، ومحمد قدو أفندي أوغلو، وعادل زين العابدين، وسرجان چالشكان وهم من الباحثين المتخصصين في الشأن التركماني في المركز المذكور.

وجرى خلال ورشة العمل المصغرة الاستماع إلى رأي وتقييم الأستاذة النفطچي لجملة من القضايا السياسية المتعلقة بالشأن الدولي والإقليمي وكان من أبرزها تطورات الوضع السياسي في العراق، وعملية نبع السلام التي تقوم بها القوات التركية المسلحة في شرق الفرات داخل الأراضي السورية للقضاء على خطر التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن وسلام المنطقة، كما تم الاستماع إلى تقييم الأستاذة النفطچي للوضع الحالي لتركمان العراق وأفكارها ومقترحاتها الكفيلة بإيجاد خارطة طريق تكون السبيل لإخراج الحركة السياسية التركمانية في العراق من أزمتها الراهنة.

وتزامنًا مع الزيارة أجرينا لقاءً مع الأستاذة النفطجي حول مجمل القضايا التي تهم الشأن التركماني بصورة عامة والحركة التركمانية المتمثلة بالأحزاب والجبهة التركمانية لغرض تسليط الضوء على المعاناة الحقيقية للتركمان والحركة التركمانية.

فمنذ سنوات وسنوات وعهود  يسعى التركمان في العراق للحصول على حقوقهم المهدورة، ومشاركتهم الضرورية في إدارة الدولة العراقية، وتسلمهم مناصب سيادية وممارسة حقوقهم الإدارية، والسياسية، والثقافية، والتعليمية، وإزالة الغبن والتهميش، وتحويل أقضيتهم الكبيرة مثل تلعفر وطوزخورماتو وخانقين إلى محافظات، وعدم تكرار التجاوزات على أراضيهم وممتلكاتهم.

ومن أبرز الجوانب اللافتة للانتباه في التشكيلة الوزارية الأخيرة، عدم منح التركمان ـ الذين يعتبرون المكون الثالث والأصيل والمؤسس في العراق ـ أي حقيبة وزارية، في خطوة تتنافى مع وحدة وتعاضد العراق، وتدحض الادعاء بأن العراق بلد ديمقراطي وفيه مساواة.

ورغم أن التركمان كان بيدهم وزارة "واحدة" على الأقل في كل الحكومات المشكلة منذ عام 2003، لكن حكومة العبادي في 2016 ألغت وزارة حقوق الإنسان الوحيدة التي كانت بيد التركمان، دون منحهم أي وزارة أخرى.

فعدم تمثيل التركمان بالحكومة رغم امتلاكهم 10 نواب بالبرلمان، يلقي بظلاله على الوحدة الوطنية بتجاهله التركمان، وبهذا المعنى يكون التركمان أكثر الفئات تضررًا خلال المرحلة التي أعقبت ما بعد الاستقرار وتحرير المدن والقصبات من داعش وباتوا خارج العملية السياسية في البلاد. وقد يكون بعض أسباب عدم تمثيلهم هي ضعف فعالية الجهات التي تسمي نفسها أحزاب في الوسط السياسي العراقي وكذلك عدم استطاعتها احتضان مختلف أوساط الشعب التركماني وتزكيتهم من قبل التركمان بصورة واسعة.

منذ تأسيس الجبهة وحتى الآن لم تستطع الجبهة التركمانية تكوين قيادة تركمانية جامعة وقادرة على تمثيل المكون التركماني في العراق.

سؤالنا الأول باختصار كان: كيف يمكن تطوير عمل الجبهة التركمانية حتى تكون ملاذًا آمنًا للأحزاب تلجأ إليها وتستظل بظلها وتدعم نفسها وتدعم التركمان، وأيضًا تتوحد في طرحها وتنظيمها؟

الجواب: دعنا نطرح السؤال كالآتي:

كيف يمكننا تطوير عمل الحركة السياسية الراهنة التي تعاني بحق من أزمات عميقة متجذرة تستوجب إيجاد حلول عاجلة لها.

مشكلة الحركة السياسية التركمانية ونقصد هنا بالطبع الأحزاب والحركات التركمانية ومن ضمنها حزب الجبهة التركمانية هي افتقادها للرؤية الاستراتيجية الموحدة وعدم اتفاقها حول رؤية موحدة تعكس الموقف التركماني الموحد لدى مراكز القرار المحلية والإقليمية والدولية.

وأبرز مشكلة تعاني منها الحركة السياسية التركمانية بأحزابها وحركاتها السياسية عمومًا غياب النهج الديمقراطي وتفرد بعض قياداتها في اتخاذ القرارات المصيرية التي تمس مصير ومستقبل الشعب التركماني في العراق.

مشكلة أخرى تواجهها الحركة السياسية بأحزابها وحركاتها ومن ضمنها حزب الجبهة التركمانية هي سعي البعض منها إلى التفرد في الساحة مستفيدةً من الامتيازات الممنوحة لها من سنين طويلة. وعوضًا عن أن تبادر إلى الاستثمار في تقوية وتوحيد الصف التركماني، نراها تسعى إلى تهميش وإبعاد الآخرين كي تنفرد بالساحة السياسية لوحدها دون أن تمتلك المقومات اللازمة لذلك.

مشكلة أخرى يجب أن ننظر إليها بكل اهتمام وجدية أن البعض من القيادات السياسية التركمانية وأحزاب تركمانية لها ثقلها ووزنها الشعبي والسياسي عمدت إلى تسخير مقومات وإمكانيات حزبية لمصلحة تلميع أشخاص وتحويلهم إلى رموز لتركمان العراق والقائد الأوحد لهم من دون أن يمتلك أبسط مقومات القيادة، إضافة إلى تسخير إمكانيات الحزب لحشد الأتباع من الجهلة والمتملقين الذين يماشون أزمته النفسية باعتباره مصابًا بجنون العظمة ويحرق البخور في حضرته ويكرس هذا المفهوم الخاطئ في داخله أملًا في نيل المغانم والمكاسب المادية.

وبموازاة ذلك تم إبعاد وتهميش أغلب الكوادر الحزبية المتمكنة من حملة الشهادات العليا ومن أصحاب التجربة والخبرة السياسية الواسعة لأنهم لم يماشوا القائد الضرورة في نهجه الخاطئ هذا.

 مشكلة الأحزاب والحركات التركمانية أنها تمارس السياسة فيما بينها وأقصد أنها منعزلة عما يجري في الساحة المحلية والإقليمية من تطورات متسارعة.

ومعظم الأحزاب والحركات التركمانية فشلت في الاتفاق فيما بينها على مشروع قومي تركماني موحد مثل تشكيل مجلس لتركمان العراق على سبيل المثال.

ورغم أهمية هذا المشروع القومي إلا أن هناك أحزاب وحركات تركمانية سعت لوأده رغم كل محاولات إحيائه عبر محاولات عدة طيلة السنوات الماضية لأنها تتعارض مع مصالحها الحزبية الضيقة والمصالح الشخصية لقيادات بعض تلك الأحزاب.

وفي الانتخابات الأخيرة قام 11 حزبًا تركمانيًا بالتسجيل للاشتراك في الانتخابات، وقد اتفقت الأحزاب السياسية التركمانية في محافظة كركوك على دخول الانتخابات تحت قائمة "جبهة تركمان كركوك" بقيادة رئيس الجبهة التركمانية العراقية أرشد الصالحي. لقد مثلت هذه الحالة تطورًا مهمًا للغاية من حيث الوحدة السياسية للتركمان والحفاظ على هويتهم. إضافة لذلك شارك في الانتخابات 32 مرشحًا تركمانيًا من خمس قوائم مختلفة في كركوك. إن عدم اتخاذ الأحزاب السياسية التركمانية قرارًا بشأن المشاركة في الانتخابات بقوائم مشتركة في محافظات أخرى عدا كركوك شكل ثغرة كبرى في إمكانية الحديث عن وجود الهوية التركمانية في المناطق الأخرى.

... شكرا على الاجابة الأولى الصريحة.

كتب الأستاذ بلكاي دومان من مركز الدراسات الاستراتيجية في أنقرة (أورسام):

- يجب على الشعب التركماني برمته أن يأخذ بزمام المبادرة بدءًا من القادة والسياسيين التركمان والمثقفين وانتهاءً برجل الشارع العادي. فكلما وقف التركمان صفًا واحدًا ازدادت صعوبة إقصاءهم، وخير مثال على ذلك هو ما فعله التركمان بعد الانتخابات حيث اعترض التركمان على الانتخابات في كركوك وخرجوا موحدين إلى الساحات للدفاع عن شعبهم طوال 28 يومًا، ونتيجة للمظاهرات أعيد فرز الأصوات يدويًا. وحتى لو لم يكن هناك فرق كبير في النتائج إلا أن ذلك أصبح الحجر الأساس التاريخي في التأكيد على أن الوحدة هي الطريق الأصوب نحو شعور التركمان بوجودهم وحمايتهم. ويمكن القول في إطار ذلك بأنه في حال تمكن التركمان من تحقيق الوحدة فلن يمكن تجاهل حقوق التركمان في أي مجال كان.

سؤالنا الثاني: ما هي الكيفية التي تجعل التركمان مرتبطين مع الأحزاب التركمانية ومن ضمنها الجبهة التركمانية؟

الجواب:

هذا الأمر يتم من خلال عملية إعادة بناء الثقة التي تحطمت أواصرها بين الفرد التركماني والأحزاب التركمانية عبر صياغة مشروع قومي تركماني متكامل يشكل خارطة طريق سياسية لتركمان العراق للوقت الحاضر والمستقبل المنظور ويكون مستندًا على طروحات واقعية ممكنة التحقيق.

الفرد التركماني سئم طيلة السنوات التي مضت من الفشل والإخفاق السياسي التركماني بسبب جملة عوامل كرست روح الفرقة والاختلاف بين القوى السياسية التركمانية لأنها وضعت مصالحها الحزبية الضيقة فوق المصلحة القومية العليا لتركمان العراق.

ومن أبرز الإخفاقات الفشل المتتالي في تحقيق نتائج انتخابية محترمة تعكس حجم وثقل تركمان العراق خاصة في دورتين انتخابيتين متتاليتين (2014-2018) ونقصد الانتخابات البرلمانية رغم الإمكانات الكبيرة التي كرست لذلك سواء من الناحية المادية أو المعنوية من حيث حجم الدعم المقدم من جانب الشعب التركماني للمرشحين التركمان.

باختصار لقد مل الفرد التركماني من الوعود الكبيرة الوهمية التي دأبت بعض القيادات السياسية التركمانية على إطلاقها طيلة السنوات الماضية ولم يتحقق منها أي شيء، الأمر الذي جعله على قناعة تامة بأن البعض من تلك القيادات السياسية التركمانية تمارس أسلوب الخداع السياسي له وهو ما جعله ينفر منها ويقرر الابتعاد عن الحركة السياسية التركمانية عمومًا كرد فعل على ذلك.

الحل برأيي يكمن في تشكيل مجلس لتركمان العراق يضم كافة القوى السياسية التركمانية بمختلف توجهاتها التي تتطابق بالطبع مع ثوابت الحركة التركمانية التي هي بمثابة خط أحمر لا يمكن تجاوزه.

وحين يتم تشكيل هذا المجلس الذي سيضم ممثلين عن كافة شرائح شعبنا التركماني حينها فقط سنتمكن من إعادة بناء الثقة مع الفرد التركماني مع وجود قيادات سياسية تركمانية محترمة نزيهة كفؤة على رأس هذا المجلس.

لأنه ومع تشكيل هذا المجلس سنتمكن من كسر عملية الاحتكار الذي تمارسه بعض قيادات الأحزاب التركمانية للقرار السياسي التركماني والتي تسببت بإلحاق أبلغ الضرر بمصالح شعبنا التركماني بسياساتها الخاطئة وعدم امتلاكها لبعد النظر والخبرة السياسية وتفضيلها للمصالحة الحزبية الضيقة ومصالحها الشخصية على حساب المصلحة القومية العليا لشعبنا التركماني.

ولكي نكون منصفين يجب علينا أن نذكر أن النواب التركمان ومن مختلف الكتل السياسية البرلمانية التي ينتمون لها لم يتمكنوا حتى اليوم من الاتفاق على رؤية موحدة لأنهم بالطبع يخضعون لتوجهات قادة كتلهم التي قد تتقاطع توجهاتها مع توجهات تركمان العراق.

في نهاية اللقاء نشكر الأستاذة جالا نفطجي رئيسة حزب الإرادة التركمانية على صراحتها المعهودة بالإجابة على تساؤلاتنا والتي هي الشغل الشاغل لكل التركمان في العراق.

 

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!