إيمري غومين - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

ليس من السهل أن تحلل من الخارج شفرة الأنظمة الاستبدادية التي تخضع للرقابة الشديدة والسيطرة الحكومية. ينطبق هذا أيضًا على البلدان الكبيرة مثل الصين، إذ على الرغم من الوجود الهائل للشركات الأجنبية، فإن التطورات السياسية ضبابية ويكاد يكون من المستحيل التنبؤ بها.

مع ظهور ثورة حقيقية في الاتصالات والمعلومات، أصبحت الرقابة على التطورات في بلد ما بالغة الصعوبة، حيث يمكن لأي شخص يمتلك هاتفًا محمولًا أن يصبح مراسلًا شاهدا وأن ينقل الأخبار على الإنترنت في فترة زمنية قصيرة بشكل لا يصدق إلى ملايين الأشخاص.

على أن اتصالات الإنترنت والهاتف المحمول ما تزال خاضعة لسيطرة السلطات الحاكمة التي تستطيع تقييد استخدامها. هذا ما يحدث في إيران الآن، حيث اندلعت موجة واسعة من الاحتجاجات في كثير من المدن الكبرى وفي العاصمة طهران.

أثارت زيادة أسعار النفط والغاز غضبًا عارمًا. ومن الجدير بالذكر أن أسعار الغاز منخفضة للغاية في إيران، وتعد أحد العوامل الرئيسية في حصول الحكومة على دعم شعبي مستدام. ولذلك فإن رفع أسعار المحروقات بـ50٪ خبر بالغ السوء لعدد كبير من السكان فعبروا عن سخطهم في الشوارع.

تُظهر الصور القليلة والمعلومات الواردة من إيران مشاهد التخريب والاحتجاجات الكبيرة والسيارات والمباني المشتعلة ومعارك الشوارع بين المحتجين وقوات الأمن. تتحدث المصادر الرسمية عن اعتقالات تصل إلى المئات، وربما الآلاف في أماكن مختلفة. ووفقًا للأرقام الرسمية قتل حتى الآن أربعة أشخاص (الأرقام ير الرسمية أكثر من ذلك بكثير).

وجه حسن روحاني، الرئيس "المعتدل" لإيران، كلمة إلى الشعب، متهمًا أعداء النظام من جماعة مجاهدي خلق أو غيرهم من أنصار النظام الملكي بإثارة الجماهير. في الوقت الحالي، لم يدل أصحاب النفوذ الحقيقيون للسلطة السياسية في إيران، آية الله خامنئي والحرس الثوري، بأي تعليقات. لقد أصبح الاتصال بشبكة الإنترنت في إيران أكثر صعوبة، مما يدل على أن النظام يشعر بالذعر وسوف يلجأ إلى استخدام القوة المفرطة في الأيام المقبلة.

المشكلة هي أن إيران كانت في حالة حرب منذ ما لا يقل عن ثماني سنوات، سواء في حروب بالوكالة في اليمن (أو في غزة مؤخرًا) أو تورط مباشر للقوات الإيرانية بالعمل في إطار جيوش أخرى، كما هو الحال في سوريا.

هذه الحروب تصبح غير مجدية اقتصاديًا إذا لم يظهر أي حل ملموس بعد فترة. لا يقدم الاقتصاد الإيراني الذي يئن تحت وطأة الحظر ما يكفي لدعم احتياجات القطاع الكبير من الشباب، بينما يقدم في الوقت نفسه الدعم لوكلاء إيران. يناهز سكان إيران عدد سكان تركيا تقريبًا، مع احتياطيات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، لكن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني يصل بالكاد إلى نصف مستوى الناتج المحلي الإجمالي التركي. وبالمثل، لا تمتلك إيران ولا الاتحاد الروسي القوة الاقتصادية لدعم أهدافها العسكرية والاستراتيجية في الشرق الأوسط.

إن إصرار إيران على تصدير عدم الاستقرار يساعد سياسات الولايات المتحدة التي تعد الدولة الوحيدة في العالم التي لا تدفع ثمن أخطائها وزلاتها. تسببت سياسة المحافظين الجدد الإجرامية في الشرق الأوسط في فوضى هائلة ، لكن الاقتصاد الأمريكي لا يعاني من نتائج تلك السياسيات؛ حيث انسحب الجيش الأمريكي إلى حد كبير من المنطقة، ولم يفسح الاضطراب في الشرق الأوسط (أو ما تبقى منه) المجال أمام أي توبيخ رسمي أو إدانة للولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى النفط المستخرج في الشرق الأوسط بعد الآن، وتستطيع أن تتحدى ارتفاع الأسعار. لذلك عندما بدأت إيران في زرع عدم الاستقرار في المنطقة لتحدي السياسات الأمريكية، فإنها لم تقيّم حقًا ثمن مساعيها على المدى الطويل.

هذا ما يحدث اليوم. وكما هو الحال في أي نظام شمولي، لا يمتلك الشعب الإيراني الوسائل الديمقراطية لإظهار استيائه؛ لذلك اتخذت الاحتجاجات أبعادا شديدة الانفعال عندما اندلعت. لكن هذا لا يعني أن النظام على وشك السقوط ، ولكن ما يحدث ليس مجرد صرخة ستنسى في غضون بضعة أسابيع.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس