د. علي حسين باكير -  تلفزيون سوريا

قدّم وزير الداخلية سليمان صويلو استقالته الى رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان مساء أمس الأحد، وذلك على خلفية تطبيق قرار حظر التجوّل العام يومي ١١ و١٢ أبريل ضمن إجراءات احتواء فيروس كورونا. أثار القرار آنذاك ردود فعل عنيفة وانتقادات واسعة من قبل السياسيين وشريحة واسعة من الشعب نظراً للطريقة الخاطئة التي تمّ تخريجه بها والتي هدّدت بإضاعة كل الجهود التي تمّ بذلها سابقاً لمواجهة وباء كورونا في البلاد.

ركّزت الانتقادات الموجّهة لوزير الداخلية على نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى تتعلّق بتوقيت الإعلان عن القرار والذي تمّ في الساعة العاشرة من مساء يوم الجمعة الماضي أي قبل حوالي ساعتين فقط من دخوله حيّز التنفيذ. أدّى الإخطار المفاجئ إلى نشر حالة من الهلع لدى شريحة من المواطنين لأنّه لم يتح لهم الوقت الكافي لتأمين ما يلزمهم ليومين -على الأقل لناحية الخبز-، فاندفع حوالي ٢٥٠ ألف شخص إلى الشوارع خلال ساعتين خارقين بذلك كل البروتوكولات والقيود التي تمّ اعتمادها خلال الأسابيع الماضية للوقاية من الفيروس.

أمّا النقطة الثانية، فهي تتعلق بالتنسيق بين الجهات المعنيّة بتطبيق قرار حظر التجوّل. وفي هذا السياق بالتحديد، فقد انتقد العديد من المسؤولين الطريقة التي تمّ فيها اتّخاذ القرار على اعتبار أنّه لم يتم التنسيق معهم بشأنه أو حتى إخطارهم بالأمر قبل وقت كافٍ لاتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لتنفيذه على أكمل وجه. أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول التي يقطنها ما يزيد على ١٥ مليون نسمة، قال إنّ البلدية لم يكن لديها علم بهذا القرار وبالتالي لا تعرف ما هي الخدمات التي ستقدّمها خلال حظر التجوّل.

المفارقة أنّ الانتقادات في هذه النقطة بالتحديد لم تشمل المعارضين الذين عادة ما يُعارضون القرارات التي تتخذها الحكومة بغض النظر عمّا إذا كانت صحيحة أو خاطئة وذلك بسبب الاستقطاب العالي الذي تشهده البلاد خلال السنوات القليلة الماضية، وإنما شملت أيضاً هذه المرّة أطرافاً من الحكومة ومن المحسوبين عليها كذلك. بعض المعلومات أشارت الى أنّ وزير الصحة فخر الدين كوجة لم يكن على اطّلاع مسبق  بالقرار وأنّ الهيئة العلمية أو المجلس العلمي الذي تمّ تشكيله في الوزارة لم يتم إبلاغه بالأمر ما دفع الأعضاء إلى تقديم استقالاتهم للوزير الذي ردّها مشيراً إلى أنّ ذلك يعني التخلّي عن تركيا في أوج معركتها مع الوباء.

وزير الداخلية كان قد دافع عن نفسه في البداية لافتاً إلى أنّه من المفترض ألا يكون ردّ فعل الناس بهذا الشكل لأنّه ليس هناك نقص في أي من الخدمات مُلمّحاً في نفس الوقت إلى أنّ القرار وإدارة العملية بهذا الخصوص تمّت بتعليمات من الرئيس رجب طيّب أردوغان. بغض النظر عمّا إذا كان ما قاله سليمان صويلو صحيحاً أم لا، فهو بتصريحه هذا يكون قد ورّط معه رئيس الجمهورية. بعض المعارضين تلقّف الأمر وبدأ أيضاً يشير إلى مسؤولية الرئيس عمّا جرى. أمام حجم الانتقادات المتدحرج ككرة الثلج، قدّم وزير الداخلية استقالته. وقد جاء في تغريدة الوزير التي أعلن فيها الاستقالة أنّ مسؤولية ما جرى تقع على عاتقه تماماً بما في ذلك تطبيق القرار وأنّه انطلاقاً من خبرته الطويلة ما كان يجب لمثل هذا الأمر أن يحصل.

هناك عدّة أمور يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عند الحديث عن حيثيات الأزمة:

أولاً، ليس هناك علاقة لما جرى ببعض الادعاءات التي تشير إلى أنّ الموضوع يتعلق بتنافس حزبي أو بصراع تيارات داخل حزب العدالة والتنمية كان صويلو كان قد قدّم استقالة غير معلنة سابقاً بسببها. مثل هذه الادعاءات غير صحيحة بتاتاً، ففي حزب العدالة والتنمية لا يوجد تيّارات على مستوى القيادات. التيار الوحيد الموجود هو تيّار رئيس الجمهورية الذي هو في نفس الوقت رئيس الحزب، وغياب أو بالأحرى تغييب التعدّدية هو الذي أدى إلى انشقاق الكثير من الشخصيات المعروفة ذات الوزن من الحزب أو ابتعادها عن المشهد.

ثانياً، صويليو من الشخصيات الرسمية المقرّبة جداً من رئيس الجمهورية وهو من القلّة القليلة التي يثق بها بشكل مطلق. اصطدم مرات عديدة مع صهر أردوغان حول أمور تتعلّق بالفصل بين السلطات وتنفيذ التعليمات وحدود الصلاحيات، وقد مكنّه قربه من الرئيس أن يخرج من هذه الإشكاليات دون أي تبعات دوماً.

ثالثاً، استطاع سليمان صويلو أن يبني شعبية له خلال السنوات الماضية شملت شرائح واسعة على رأسها جمهور حزب العدالة والتنمية وجمهور حزب الحركة القومية حتى أنّه قام بتوظيف بعض العشائر الكردية في صراع الدولة مع حزب العمّال الكردستاني. لكن لم يكن صويلو الوحيد الذي استطاع تحقيق شعبية، إذ ارتفعت مؤخراً أسهم شخصيات عديدة لعل أبرزها وزير الصحّة فخر الدين كوجة الذي يثني الجميع على قدراته وكفاءته بما في ذلك المسؤولين رفيعي المستوى في المعارضة. لمثل هذه الشعبية حساباتها على المستوى السياسي لا سيما عندما يحصل هناك خلاف أو تضارب في الصلاحيات أو المسؤوليات. 

رابعاً، طريقة إدارة أزمة كورونا مهمّة جداً بالنسبة إلى رئيس الجمهورية للمرحلة المقبلة. النجاح في تطبيقها سيمنحه والحزب دفعة إلى الأمام في مواجهة أحزاب المعارضة والأحزاب الجديدة التي تمّ إنشاؤها من رحم حزب العدالة، أمّا الفشل في إدارة الأزمة فمن شأنه أن يزيد من تراجع الحزب. وذلك فمن غير المسموح حصول أخطاء من هذا النوع لا سيما مع نتائج الاستطلاع الذي نشرته مؤسسة متروبول لاستطلاعات الرأي مؤخراً عن شهر مارس الماضي وأظهر لأوّل مرّة منذ أغسطس ٢٠١٦ ارتفاعاً في نسبة مؤيدي طريقة عمل الرئيس إلى ٥٥،٨ %.

خامساً، أنّ هذا القرار الصحيح الذي تمّ تنفيذه بشكل خاطئ يشير إلى وجود مشكلة تواصل وتنسيق مع المعنيين في الأزمة. البعض يشير إلى أن ذلك مرّده القيود التي فرضها الوباء على طبيعة عمل المسؤولين ولقاءاتهم، والبعض الآخر يشير إلى الاختلافات الحاصلة في وجهات النظر بين المسؤولين حول تكتيكات التصدّي للوباء. بغض النظر، هناك اعتراف بأنّ خطأً قد حصل على الأقل على مستوى تطبيق القرار. ولذلك، فإنّ تمرير خطأ بهذا الحجم دون أن يكون هناك محاسبة أو تكاليف سيعقّد من وضع رئيس الجمهورية ويقلّص من شعبيته، وسيزيد من الخلافات داخل طاقمه الحكومي من جهة ومع المعارضة التركية من جهة أخرى، لا سيما وأنّ مثل هذا الخطأ له تبعات لا تميّز بين الناس على أساس سياسي أو حزبي، ويقوَض جهود وزير الصحة الحثيثة لاحتواء الوباء في أسرع وقت. 

لكن في المقابل، وبخلاف سيناريو إقالة وزير النقل الذي تمّ بسلاسة نهاية الشهر الماضي، فانّ قبول استقالة وزير الداخلية بما لديه من وزن كما ذكرنا أعلاه من شأنها أن تسدد ضربة إضافية لتماسك الحكومة والحزب ولمعادلة الولاء القائمة وتخلق مشاكل إضافية للرئيس في وقت حسّاس جداً. أمام هذه المعطيات، فإنّ قيام وزير الداخلية بتقديم استقالته (سواء بإرادته الذاتية أو بدفع من الرئيس)، وقيام الرئيس بردّها لاحقاً يعتبر بمثابة الحل الأمثل من وجهة النظر المؤيدة للحكومة. فبهذه الطريقة يكون قد تمّ الاعتراف بالخطأ وتحمّل مسؤولية وقوعه لكن بأدنى التكاليف السياسية الممكنة.

وكما أنّ للحكومة حساباتها، فإنّ للمعارضة حساباتها أيضاً. البعض حاول الاستثمار في الأزمة لناحية ربط الملف بالصراع السابق الذي أشرنا إليه بين صويلو وصهر أردوغان براءة ألبيرق، والبعض الآخر قام بالترويج لرواية تقول إنّ رئيس الجمهورية قبل الاستقالة في بداية الأمر لكنّه تراجع عنها لاحقاً تحت ضغط من حليفه زعيم الحركة القومي دولت بهتشلي وشخصيات من حزب العدالة والتنمية. مثل هذه الرواية لا يمكن أن تصمد لمن يدرك طبيعة التركيبة النفسية والشخصية لرئيس حزب العدالة والتنمية.

في جميع الأحوال، فإنّ تداعيات الوباء لن تقتصر على ما يبدو على البُعد الاجتماعي أو الاقتصادي وهي آخذة في التمدد لتطال المشهد السياسي كذلك. الاحتواء هو خيار الجميع حالياً، لكن ما أن ينجلي الغبار حتى يتكشّف المشهد بصورة أوضح ويتبيّن إلى أين ستتجه البلاد على الصعيد السياسي والاقتصادي خلال المرحلة المقبلة. 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس