محي الدين أتامان - ديلي صباح - ترجمة و تحرير ترك برس

مع أن جائحة الفيروس التاجي هيمنت على أجندة السياسة الدولية، فإن الأزمة الليبية تحتل مكانة عالية في تلك الأجندة. كان العالم يراقب نجاح الحكومة الشرعية المدعومة من تركيا في مواجهة الجنرال الانقلابي خليفة حفتر. حررت الحكومة الليبية قاعدة الوطية ذات الأهمية الاستراتيجية من ميليشيات حفتر والمرتزقة. ودمرت القوات الحكومية أيضا العديد من أنظمة الدفاع الجوي بانتسير الروسية الصنع في الأسبوعين الماضيين. بالنظر إلى التغيير في ميزان القوى على الأرض، أود أن أناقش سياسة الولايات المتحدة تجاه الأزمة الليبية.

إن موقف الحكومة الأمريكية حاسم فيما يتعلق بمستقبل الأزمة الليبية. في بداية الأزمة، كانت الإدارة الأمريكية تدعم حفتر إلى جانب جميع الدول العالمية والإقليمية الأخرى. ثم  بدأت الولايات المتحدة بالتراجع عن دعم حفتر. أدى التردد أو سياسة المشاركة الانتقائية للولايات المتحدة إلى التدخل الروسي في الأزمة الليبية ومركزها المهيمن في الشرق الأوسط. ونظرًا لأن ممانعة أو عدم تدخل الولايات المتحدة خلق فراغًا في القوة في النظام الدولي، بمجرد أن يرى اللاعبون العالميون أو الإقليميون الآخرون هذا الفراغ، فإنهم يحاولون ملأه. في الآونة الأخيرة، حشرت روسيا نفسها في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط ​، في حين أن الصين نشرت جائحة الفيروس التاجي على نطاق عالمي.

كان الجنرال حفتر وكيلاً للولايات المتحدة، أكثر منه وكيلا لروسيا. كان حفتر ضابطا شهيرا في عهد معمر القذافي وأسر خلال معركته في تشاد في أواخر الثمانينيات. سافر حفتر بعد ذلك إلى الولايات المتحدة حيث قضى ما يقرب من عقدين، وتوصل إلى اتفاق مع المخابرات الأمريكية وحصل في نهاية المطاف على الجنسية الأمريكية.لكنه في الوقت الحاضر مدعوم بالكامل من روسيا ومن ثم تنصرف عنه الولايات المتحدة.

دعت الحكومة الأمريكية نهاية الأسبوع الماضي حفتر إلى وقف هجماته على العاصمة الليبية طرابلس، التي تسيطر عليها  الحكومة الشرعية برئاسة فايز السراج، وبدء المفاوضات. رحب السفير الأمريكي ريتشارد نورلاند بالمساهمات المهمة للحكومة الليبية في هزيمة الإرهاب وتحقيق السلام.

على الرغم من بعض التفسيرات التي قدمها المسؤولون الأمريكيون، يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تزال لا تملك سياسة واضحة بشأن ليبيا، لأنها لا تزال تؤمن بتحقيق السلام والاستقرار من خلال المفاوضات السلمية بين القادة الليبيين، بمن في ذلك حفتر. من الواضح للجميع أن حفتر لن يجلس ويناقش السلام في ليبيا، لكنه يتوقع أن تتنحى الجماعات السياسية الأخرى وتسمح له بحكم البلاد. ولما كان ما يزال مدعومًا بمجموعة كبيرة من الدول، يعتقد حفتر أنه سيكون قادرًا على السيطرة على البلاد بدعم دولي ومرتزقة أجانب. لن تقوم الولايات المتحدة حتى بتعبئة نفوذها السياسي والدبلوماسي ضد الداعمين الرئيسيين لحفتر، أي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر.

تدعو الولايات المتحدة إلى إنهاء "التدفق المزعزع للاستقرار للمعدات والمرتزقة العسكريين الروس وغيرهم من الأجانب إلى ليبيا"، لكنها من ناحية أخرى، لا تتبع سياسة رادعة فعالة تجاه الدول التي تدعم حفتر. يمكن أن تعاقب واشنطن على الأقل الدول الداعمة لحفتر... بالإضافة إلى ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة أي مساعدة عسكرية ذات معنى لحكومة الوفاق الوطني الشرعية في ليبيا. ولا تقدم أي دعم سياسي أو عسكري فعال لتركيا أو غيرها من الدول الداعمة لحكومة الوفاق الوطني.

جرت محادثتان هاتفيتان بين المسؤولين الأمريكيين والأتراك، الأولى بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس دونالد ترامب ، والثانية بين المتحدث الرئاسي التركي إبراهيم كالين ومستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت سي أوبراين، حول مستقبل الأزمة الليبية، كانت هذه الاتصالات مهمة في تحسين التعاون بين تركيا والولايات المتحدة، إذ اتفق الجانبان على مبادئ معينة: أولا أن البلدين متفقان على دعمهما لحكومة الوفاق الوطني الشرعية في طرابلس. ثانياً، يصف البلدان الهجمات على حكومة الوفاق الوطني بأنها غير شرعية. ثالثاً، يطالب البلدان الدول التي تدعم حفتر بوقف تدفق الأسلحة إليه. هذه المبادئ المتفق عليها ستساهم في إدارة الأزمة.

على أن هناك العديد من العوامل التي ستؤثر في أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة في الأزمة الليبية. بادئ ذي بدء، ما دامت الولايات المتحدة لم تغير تصورها الحالي لأنقرة وتتوقف عن تهميش تركيا، فإن تأثير الولايات المتحدة سيكون محدودًا، ليس فقط في ليبيا ولكن أيضًا في الأزمات الإقليمية الأخرى. ثانيًا، بالنظر إلى التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناشئة التي تضر بأي مبادرة متعددة الأطراف في أوروبا، سيستمر الخلاف المستمر بين الولايات المتحدة وتركيا في إعاقة تأثير الناتو في المنطقة.

 وقع حفتر اتفاقيات حصرية تسمح للروس بإنشاء قواعد عسكرية في ليبيا، وهو ما سيمكن موسكو من تطويق أوروبا من الجنوب. وبعبارة أخرى، إذا واصلت الولايات المتحدة اعتبار أي تطور أو سياسة تضر بتركيا أولوية، فستستمر في فتح مساحة أكبر لروسيا، ليس فقط في الشرق الأوسط ولكن أيضًا في شرق البحر  المتوسط. ثالثًا، قد يكون من المكلف للولايات المتحدة دعم الجهات الفاعلة - ميليشيات حفتر والمرتزقة - التي تتهمها منظمات غير حكومية دولية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بارتكاب جرائم حرب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس