ترك برس

تسبب وباء كوفيد 19 باختلال التوازن ليس فقط بالشوارع وأماكن العمل ولكن أيضا في المنازل، فقد شهدت مكاتب المحامين زيادة بمعدل دعاوى الطلاق في جميع أنحاء العالم بعد تعقد العلاقات الأسرية في عام 2020، ولم تكن تركيا في وضع مختلف عن العالم. في الآونة التي ارتفعت فيها معدلات دعاوى الطلاق، ارتفعت أيضا معدلات زيارة الأسر إلى المعالجين النفسيين للحفاظ على روابط أسرهم من الانفصال.

تعاني الأسر من العزلة عن الحياة الاجتماعية، بسبب بقائها في المنزل 24 ساعة، كما أدى ضغط تعليم الأطفال عن بعد وضغط العمل من المنزل إلى صعوبة تعامل أفراد الأسرة فيما بينهم تحت ظل هذه الظروف الوبائية، ولا سيما بين الأزواج المتعرضين للأزمات الناجمة عن الوباء والتي غيرت حياتهم في منازلهم.

علق دكتور علم الاجتماع لطفي سونار، عن فترة الوباء التي شهدها العالم قائلا: "تواجهنا صدمات كبيرة خلال فترات مكافحة الوباء الطويلة، التي تكشف لنا متانة  ضعف البنية الاجتماعية في داخل الأسرة، هل هي هشة أم متينة؟ قد يبدو الزجاج سليما في بعض الأحيان لكن لو رميت عليه حبة حمص صغيرة ينكسر كما يذوب الثلج بالملح، لأنه مليء بالخدوش والكسور صغيرة".

وتابع قائلا: "يمكننا رؤية الاضطرابات والهشاشة من هذا النوع عبر الصدمات في مثل هذا الهيكل المجتمعي، وبالطبع سنرى انعكاسها أولا على العلاقات الأسرية، ثم العلاقات الشخصية والعلاقات الاجتماعية، قد يبدو هيكل الأسرة منيع جدا من الخارج، للأسف شهدت تركيا العديد من الاضطرابات المختلفة خلال فترة الوباء، كان أهمها زيادة التقديم لدعاوى الطلاق بمؤشر سريع، لذلك سنرى نتائجها وستبدو واضحة بشكل أكبر بعد عامين، محتمل جدا أن تنخفض عدد طلبات الزواج، سيسجل التاريخ هذه الفترة كفترة زيادة حالات الطلاق".

يعتقد المحامون أن المبرر الأكبر لطلبات الطلاق هو "الكورونا"، فهل سيسجل التاريخ أن فترة الوباء هي حقا فترة زيادة حالات الطلاق؟ وقد أكدت بيانات علماء الاجتماع الحالية هذه المقولة، من هذا المنطلق تشير توغتشه كاباوغلو، التي تعمل محامية في دعاوى الطلاق بإسطنبول، إلى أن عدد المتقدمين بدعوى طلاق في مكتبها ارتفع ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2019، وكان المسبب لمعظمها فيروس كورونا.

أضافت كاباوغلو: "ارتفعت طلبات الطلاق في مكتبنا ثلاثة أضعاف، ولم ينعكس هذا بعد على الإحصاءات، فحالات الطلاق عادة ما تستغرق من عام إلى عامين إذا لم يتم التفاهم فيما بين الطرفين، يأتي إلينا أزواج شباب وأيضا أزواج متزوجين منذ فترة طويلة، لكن ما نراه شائعا عدم قدرة الشباب على التحمل، كما أن المنزل يستخدم كمنزل ومكتب وحضانة أيضا، وفي الحياة يعمل كلا الزوجين، لذلك يعانون من العديد من المشاكل في تنظيم حياتهم العملية والمنزلية وذلك أهم أسباب الطلاق، فمن الممكن سماع صوت بكاء طفل أو صرخته في أثناء اجتماع عمل على سبيل المثال، مما قد يؤثر سلبيا على استمرار الحياة. قدم لي أحد العملاء طلب طلاق لأن زوجته تسببت للأسرة بعدوى الوباء بسبب عملها خارج المنزل وعدم التزامها بتدابير التعقيم والمسافة الاجتماعية، فهي بنظره لم تتحمل المسؤولية اللازمة لحماية أسرتها وعرضت حياتهم للخطر".

سعت الكثير من الأسر لتقوية أواصر علاقاتها الأسرية في هذه الأزمة، لذلك زادت الطلبات لمعالجي الأسر، من قبل الكثير من الأسر التي وصلت إلى حافة الانهيار والانفصال لذلك بحثت عن معالجي الأسر ولجئت لهم لإنقاذها من التفكك.

 أشارت نسرين ديلباز، الطبيبة النفسية والخبيرة في معالجة الأسرة، إلى معاناة الأزواج من الشعور بعدم القيمة والاهتمام في فترة الوباء، وقالت: "يشعر الأزواج بأن لا قيمة لهم لعدم شعورهم بالحب والتقدير، لأن الطرف الآخر لم يعد يهتم بهم وهم مسؤولون عن أنفسهم، كما نرى أن طرفًا واحدًا يتحمل كل مسؤوليات المنزل والأطفال لوحده. والشكوى المتكررة (أستاذتي، أعتقد أن الحب انتهى فيما بيننا). زاد أيضا التوتر لعدم القدرة على التحمل والتسامح لأن العمل من المنزل والأطفال في المنزل والأزواج في المنزل".

تابعت ديلباز قائلة: "يقع الناس في أزمة لأسباب كانت تافهة بالنسبة لهم من قبل ولم يعيروها أي اهتمام، وفي الواقع أكثر شكاوى الأزواج تأتي من معاناتهم من مشاكل أكبر من قبل لأنهم لم يلاحظوها عندما كانت صغيرة، فالمشاكل الصغيرة ستكبر أيضا ولن تسير على ما يرام، وأعتقد أن علاقاتهم لم تعد رومانسية مثل الماضي، ومع الوصول إلى نقطة عدم الشعور بالتقدير والقيمة فيما بينهم".

خاطبت دلباز القرّاء قائلة: "على سبيل المثال، هل تبدو مشاكلكم الحالية كبيرة بالنسبة لكم، وهي نفسها التي كنتم تقولون عنها صغيرة من قبل؟ وهل أنتم مضطرون لتحمل فترة قضاء أوقاتكم في المنزل؟ إذا كنتم كذلك فمن المفيد لكم الاستماع إلى توصياتنا بهذا الخصوص".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!