محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس

بدأت بواكير العلاقات السعودية الروسية (الاتحاد السوفيتي) في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود على أساس التفاهم المشترك بعد أن بادرت الأخيرة بالاعتراف بالمملكة عام 1926م.

وأعطت زيارة الملك سلمان إلى روسيا الاتحادية عام 2017 دفعة جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين، بعد أن تجدّد عهدها في 17 أيلول/ سبتمبر1990م عبر صدور بيان مشترك أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما على أسس ومبادئ ثابتة.

يأتي ذلك فيما يتواصل التفاهم المشترك بين المملكة العربية السعودية وروسيا الاتحادية ويتطور إلى مراحل متقدمة دعمتها الشراكة الدولية التي جمعتهما في مجموعة العشرين التي تضم 20 دولة من أقوى اقتصادات العالم، إذ حرص البلدان على استثمارها في إجراء المزيد من التشاور نحو الارتقاء بالعلاقات المتبادلة.

بالطبع تخللت تلك العلاقة رغم الجوانب الإيجابية فيها فتور أشبه بالتصدعات بسبب الموقف الشيوعي السوفيتي من بعض الدول العربية إضافة إلى ابتعاد السعودية تماما عن المحور الشيوعي وتقربها من المحور الغربي الأمريكي والأوربي، ومع ذلك لم تكن تلك التصدعات عائقا في أي وقت لاستئناف محادثات ثنائية تخص مصلحة البلدين والمنطقة بصورة عامة.

في الماضي القريب كانت التغييرات الكبيرة في خطوات الكرملين والتي أثرت بشكل سلبي على مجمل علاقات الدب الروسي مع معظم الدول العربية والإسلامية بعد احتلالها لدولة أفغانستان المسلمة حتى انسحاب آخر جندي سوفيتي من تلك الدولة الفتية المسالمة.

بعد عقود من ذلك الاحتلال تدخلت روسيا من جديد في سوريا وبطلب من حاكمها وبتمهيد من طهران لنصرة بشار الأسد ضد المعارضة السورية فغاصت في المستنقع السوري وما برحت الولايات المتحدة وفرنسا أن قامت بدخول ذلك المضمار للحصول على جزء من الكعكة السورية وكذلك لتحويل أراضي الدولة السورية إلى ساحة لتصفية الحسابات بين القوى العالمية.

ولذا فإننا إن ناقشنا ماهية العلاقات السعودية مع روسيا وتطورها يتحتم علينا معرفة عوامل الانسجام في مجمل القضايا العربية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك وكذلك معرفة الأمور التي تكون عائقا ومانعا تماما من استئناف مواضيع تخص التطوير المشترك للعلاقات الثنائية بين البلدين.

ومن أهم العوامل:

أولا: الموقف الروسي من قيام إيران بالتدخل في شؤون الدول العربية مثل العراق ولبنان.

ثانيا: موقف روسيا من تدخلات إيران في الشأن السوري بقوة وعلى نطاق واسع.

ثالثا: الموقف الروسي من دعم إيران لميليشيات الحوثي في اليمن.

رابعا: وهو الأهم التدخل الروسي في سوريا وقيام قواتها وطائراتها بتدمير المدن السورية دعما لنظام بشار الأسد.

ورغم أن في الجبهة السورية تقف روسيا مع إيران في صف واحد لمناصرة النظام إلا أن البلدان تتقاطع أهدافهما ومصالحهما وتأثيرهما، ولا شك أن الكثير من الأمور الفنية والاستراتيجية أيضا كانت عامل خلاف حقيقي بينهما لم تتسع الأراضي السورية الشاسعة ملعبا لهما وضاقا ذرعا من بعضهما البعض.

وعلى كل حال فإن المصالح الروسية في المنطقة لا تستوجب اختزالها في علاقات روسيا مع طهران أو وقوف موسكو إلى جانب النظام السوري بل إن الكثير من فرص تطوير علاقات الروس مع الدول العربية قد تأجلت أو تجمدت بسبب موقفها من أحداث سوريا وأطماع إيران بالمنطقة تضمينا للتحالف المعلن بين العواصم الثلاثة.

بوصول بايدن إلى المكتب البيضوي في البيت الأبيض تيقنت معظم قيادات المنطقة العربية والشرق الأوسط وحتى الروس أن الرئيس بايدن سيسير في ذات الرمال التي وطأتها أقدام سلفه الديمقراطي أوباما والتي تعني التواصل مع إيران من جديد كعهد الشاه وربما أكثر ومن خلال ذلك التقارب والتواصل سيجعلون منها ندا ضد الروس لتحجيم دور موسكو في المنطقة ومنعه من الوصول للمياه الدافئة بعد حل قضية سوريا عبر آليات ومقررات الأمم المتحدة وانسحاب الروس من الأراضي السورية إذعانا لمقررات الهيئة الدولية.

وبمعنى أدق أن علاقات الروس مع النظام الإيراني ستتغير تماما وخصوصا إذا تم التوقيع على اتفاق البرنامج النووي بين أطراف 5+1 والطرف الإيراني لأن الاتفاق سيحمل في طياته شروط سرية ومن أهمها تحجيم علاقات الأخيرة مع موسكو.

والاتفاقية الأخيرة بين الرياض وموسكو والذي من شأنه أن يتوج علاقاتهما التاريخية هي الأكثر تشابها من علاقات أنقرة مع موسكو فقد أدركت قيادة أنقرة مبكرا بأن البقاء تحت خيمة ورحمة الإدارة الأمريكية مثل المتأمل للعثور على الماء من السراب رغم وجود علاقة تحالف بينهما كعضوين في حلف الناتو.

وباختصار إن تنويع علاقات الدول وخصوصا دول العالم الثالث مع أطراف عالمية هو السبيل الوحيد لمنع الاستغلال والابتزازات وفرض الرأي من أي طرف ولمنع إخماد تطلعات الشعوب نحو الاستقلالية السياسية والاقتصادية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس