ترك برس

عاد الجدل مجدداً في تركيا، حول مشروع قناة إسطنبول الذي تعتزم الحكومة بزعامة رئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، شقّه ليكون بديلاً عن مضيق البوسفور.

وفي تصريحات أدلى بها، قبل يومين، في إسطنبول، قال أردوغان إن مراسم بدء بناء قناة إسطنبول، من المقرر إجراؤها في أواخر يونيو/حزيران.

وأوضح أنه "في نهاية يونيو/ حزيران المقبل، سنضع الحجر الأول في بناء قناة إسطنبول."

وتعتزم تركيا شق "قناة إسطنبول المائية" في الجانب الأوروبي من المدينة، بعد أن تحول مضيق البوسفور في إسطنبول، إلى أحد أكثر المضائق البحرية حساسية بالنسبة لسفن شحن البضائع، نتيجة الازدحام المروري الحاصل فيه.

وتربط القناة البحر الأسود شمال إسطنبول ببحر مرمرة جنوبا، وتقسم الجزء الأوروبي من المدينة إلى قسمين جاعلة من الجزء الشرقي من القسم الأوروبي جزيرةً وسط قارتي آسيا وأوروبا.

وتهدف تركيا إلى تخفيض الضغط على قناة البوسفور التي يعبرها ما بين 40 و42 ألف سفينة سنويا، رغم أن طاقتها تسمح بعبور 25 ألف سفينة فقط.

وسبق لرئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو -التابع لحزب الشعب الجمهوري المعارض- أن قاد حملة معارضة شرسة لمشروع القناة، كما أشار في تصريح له إلى أن شق القناة ينتهك 7 اتفاقات دولية أهمها اتفاقية مونترو.

وفي هذا الإطار، نشر موقع "الجزيرة نت" تقريراً يتضمن إجابات حول أبرز الأسئلة المتعلقة بالمشروع:

1- ما طبيعة قناة إسطنبول المائية وحدودها؟

هي مجرى مائي مواز لمضيق البوسفور، على بُعد 30 كيلومترا منه، وتمتد في غرب البلاد لتربط البحر الأسود في الشمال ببحر مرمرة في الجنوب، بطول 45 كيلومترا، وعمق 25 مترا، ويبلغ عرضها حوالي 400 متر، ويصل في إحدى النقاط إلى كيلومتر واحد.

وتبدأ القناة من بحيرة كوتشوك شكمجة، وهي بحيرة طبيعية في بحر مرمرة، إلى الغرب من إسطنبول، وتمتد شمالا إلى سد سازليديري، ثم قرية شاملار، وصولا إلى البحر الأسود.

2- ما أهميتها الاقتصادية، ودورها في دعم التجارة التركية مع الخارج؟

ستحوّل قناة إسطنبول مضيق البوسفور التاريخي إلى خط ثانوي للتجارة البحرية مقارنة بالقناة الجديدة التي ستجتذب السفن والناقلات العملاقة.

ووفقا للمعلومات فإن القناة ستمنح تركيا أفضلية تنافسية كبيرة في تجارة النقل الدولي التي يمر أكثر من 75% منها عبر البحار.

ويبدو أن هذا المشروع سيغير من وجه النقل البري والبحري في تركيا، ويخفف من الضغط على قناة البوسفور في الشرق، التي تعتبر من أكثر الممرات المائية ازدحاما وتشهد كثافة ملاحية هي الأعلى على الصعيد العالمي.

وفي عام 2019 وحده، مرت من خلال مضيق البوسفور 53 ألف سفينة مدنية وعسكرية، مقارنة بـ17 ألف سفينة مرت عبر قناة السويس، و12 ألف سفينة مرت في قناة بنما.

وتبلغ قيمة المشروع 25 مليار دولار بواقع 15 مليارا لشق القناة و10 مليارات دولار للإنشاءات المجاورة له.

وأثرت خطط المشروع على أسعار الأراضي المحيطة بالقناة، حيث ارتفع سعر المتر المربع من الأرض في قرية شاملار من 6.5 إلى 184 دولارا، وفي مناطق أخرى وصل سعر المتر المربع إلى 800 دولار، من أصل 25 دولارا.

3- ما الإيرادات المنتظرة منها؟

تظهر تقديرات اقتصادية تركية أن مشروع قناة إسطنبول المائية ستدر أرباحا مالية كبيرة على تركيا تعوّضها عن الأموال التي حرمتها اتفاقية مونترو من تحصيلها.

وتقول التقارير الرسمية التركية إن القناة الموازية ستدرّ على تركيا نحو 8 مليارات دولار سنويا، تسهم في تعويضها عن 10 مليارات دولار حُرمت منها بفعل تسعيرة المرور المخفضة عن السفن التي تعبر مضيق البوسفور.

وتشير البيانات إلى أن عائدات القناة الجديدة ستغطي خلال عامين فقط تكاليف المشروع، وتنبع القيمة الأهم للقناة من عدم خضوعها لاتفاقية مونترو، مما يسمح لتركيا بتحصيل 5.5 دولارات عن كل طن من البضائع وحمولات السفن التي تعبرها يوميا.

4- ما علاقتها باتفاقية مونترو؟

القناة لن تخضع لاتفاقية مونترو التي تنص على حرية الملاحة في مضايق البحر الأسود، ومن بينها البوسفور.

وترجع الاتفاقية لعام 1936، وتسمح للسفن التابعة للدول المطلة على البحر الأسود بحرية المرور والوجود في حوض البحر الأسود، أما السفن التابعة لدول خارج حوض البحر الأسود، فيُسمح لها بالوجود لمدة 3 أسابيع.

وتتحمل تركيا المسؤولية المباشرة عن مرور السفن الأجنبية لحوض البحر الأسود، وعبرت مرارا عن رغبتها في فرض إجراءات أكثر صرامة، تمكنها من التحكم في حركة سفن نقل البترول وغيرها كونها "تشكل خطرا على البيئة".

وطالما كان مرور السفن الحربية سببا في مشادات بين تركيا والدول الموقعة على الاتفاقية، وخاصة روسيا.

وحسبما نقلت وكالة رويترز عن الدبلوماسي التركي السابق سنان أولغين، فإن قناة إسطنبول تثير مخاوف موسكو بشأن استخدامها لأغراض عسكرية، وقد تفتح الباب لوجود السفن الحربية الأميركية في البحر الأسود.

5- لماذا يصر الرئيس رجب طيب أردوغان على القناة، وما علاقتها بخطة العدالة والتنمية الاقتصادية؟

تعد القناة أحد المشاريع العملاقة التي واكبت ظهور "رؤية 2023" التي اعتمدها حزب العدالة والتنمية كخطة متوسطة المدى، تهدف تركيا من خلالها إلى احتلال مركز بين أقوى 10 دول في العالم بحلول الذكرى السنوية الـ100 لتأسيس الجمهورية الحديثة.

وكان أردوغان قال "يلجؤون إلى كل الوسائل لمنع تحقيق هذا المشروع الذي يحظى بأهمية إستراتيجية والذي سيترك بصمته على القرن المقبل في إسطنبول وبلادنا"، مضيفا "لم ولن نسمح لأي قوة بالحيلولة دون تنفيذ مشروع القناة".

ويؤكد خبراء أن إصرار الرئيس أردوغان على القناة ينبع من اعتقاده وخططه بضرورة التخلص التام من الهيمنة على بلاده، وخير دليل العمل بجد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية، فقناة إسطنبول ستتحكم تركيا بها بشكل كامل اقتصاديا وسياسيا على عكس مضيق البوسفور

6- ماذا عن التحذيرات منها والخلافات حولها؟

رغم أن الحكومة التركية تقول إن القناة الجديدة ستخفف من العبء الملاحي عن مضيق البوسفور، وتقلل من الانبعاثات والمخلفات التي قد تضر بالمناطق الأثرية والتراثية المحيطة، فإن المعارضة ترى أن القناة ستعزل المنطقة الأثرية في إسطنبول وتحولها إلى جزيرة.

ويعارض رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، خطط حفر القناة، ووصفها بأنها "مشروع كارثي سيتسبب في مجزرة بيئية".

ويخشى المعارضون من أن عمليات الحفر ستخل بتماسك التربة على جانبي القناة، ويلحق الضرر بمخزون المياه الجوفية، مما قد يتسبب في انهيارات أرضية واحتمال حدوث زلازل.

كما ذكرت دراسة أُجريت في جامعة "حجي تبة" التركية أن قطع أشجار الغابات في الشمال عند ساحل البحر الأسود لحفر القناة سيحد من مستويات الأكسجين في المياه ويزيد الملوحة، التي ستصب في النهاية في بحر مرمرة، فتؤثر على توازن الحياة البحرية وتملأ هواء إسطنبول برائحة الماء العفن.

ومن المتوقع أن تتسبب الاستثمارات حول القناة في زيادة تعداد إسطنبول بحوالي 1.2 مليون نسمة، وهو ما يتعارض مع الخطط الحكومية بإبقاء تعداد المدينة المكتظة عند 16 مليون نسمة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!