ياسين أكتاي  - صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

لقد ازدادت أحداث العنف التي تستهدف كرامة الناس وأرواحهم في سورية بحيث أصبحت تستحق أن تكون مادة للإحصاء بعد مدة , وقد أصبحت حوادث العنف التي يعيشها الناس بشكل يومي من الكثرة بحيث لم يعد بالامكان الوقوف عندها بشكل مفصل. بل إنها كثيرة لدرجة أنه لم يعد هناك أهمية حتى لذكر أعدادها.

كم هو عدد الأشخاص الذين تم قتلهم منذ بداية الاحتجاجات الشعبية ضد الحكومة في سورية في شهر مارس من عام 2011 ؟ كم هو عدد الأشخاص الذين خسروا منازلهم وأوطانهم؟ كم مر على الزمن منذ أن تجاوز هذا الرقم الأربعمئة ألف؟ إلى كم وصل الرقم الآن؟ هل يوجد في العالم من لا يرى هذه الأحداث؟

لقد أدت التحالفات الأخيرة بين قوى المعارضة إلى البدء بهجمات مؤثرة جداً. وبفضل ذلك فقد استولوا على إدلب وبعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام قبل وقت قريب. والآن يضغطون على حلب. ولكن النظام يهاجم المناطق التي يحررونها بواسطة الطيران ويستخدم في تلك الهجمات أسلحة محرمة دولياً. حيث يؤدي القصف بالبراميل المتفجرة إلى دمار كبير في الأماكن التي تسقط فيها تلك القنابل دون التمييز بين طفل أو راشد أو مدني أو عسكري.

حتى أنه قُتل أمس في حلب وأدلب العشرات من الأطفال نتيجة قصف النظام بالبراكيل المتفجرة وبالكلور والتي يعد استخدمها جريمة حرب حتى في الحروب. أصبح من الممكن القول أن الحرب في سورية تسببت في قتل مليون إنسان وتهجير أكثر من عشرة ملايين شخص. كم مجزرة تساوي هذه الأرقام قياساً بالمجازر التي يدعى أنها ارتكبت ضد الأرمن؟

لا ترى الولايات المتحد الأمريكية التي تعد الأسلحة الكيميائية خطاً أحمر أن أياً من الخطوط قد تم تجاوزها على الرغم من هذا العدد الكبير من الضحايا. والعالم أيضاً يتعامل مع القضية كما تتعامل الولايات المتحدة. وصل عدد الذين قتلهم النظام السوري في الحرب التي بدأها ضد شعبه إلى مليون شخص وعدد الذين هجرهم إلى عشرة ملايين شخص وبالرغم من ذلك لا أحد يرى أن هناك ما يستدعي وصف ما يحدث بالمجزرة أو أن يحاسب أحداً عليها. علماً أن هؤلاء الذين يتعامون عن المذابح التي تحصل أمام أعينهم يستطيعون بكل سهولة أن يصفوا أحداثاً قيل أنها حدثت قبل مئة عام بأنها مجزرة.

وفي البوسنة التي شهدت أحداثاً راح ضحيتها 250 مليون مسلم وكانت تلك الأحداث حرباً عنصرية بكل وضوح قررت المحكمة الدولية بعد محاكمات طويلة أن ما حصل هو إبادة جماعية ولكنها قالت أنها لم تجد الفاعل لتلك الأحداث. أي أنها استطاعت القول بوضوح بأن هناك ذنب ولكن لا يوجد مذنب. علماً أن الجميع يعرف مرتكبي تلك الجرائم. ولا بد أن هناك أسباباً تجعلهم يتعامون عن الأحداث التي تجري أمام أعينهم ويتصفون بحدة البصر فيما يخص أحداثاً تاريخية. وقد أشرنا سابقاً أن هذه الأسباب تتمثل في الاسلاموفوبيا وهي آخذة بالازدياد يوماً بعد يوم.

لقد مثلت الولايات المتحدة والغرب دور من يمنع تراجيديا إنسانية من الوقوع بعد أن اكتشفت أن داعش هي أخطر تنظيم إرهابي في العالم وقامت بتشكيل ائتلاف دولي عاجل لضربها في عين العرب, ولكنها تتابع العمى والطرش تجاه الأحداث اليومية التي تجري في سورية والعراق والتي تفوق في خطورتها ما عاشته عين العرب. وفي حين يتم عرض الأفعال الوحشية التي تقوم بها داعش على الشاشات لا نسمع أي شيء عن الأفعال الوحشية التي تقوم بها الميليشيات الشيعية ضد أهل السنة والتي تجعلنا نترحم على ما تقوم به داعش لشدة وحشيتها. ونتيجة لهذه الأحداث فإن الاسم الحقيقي لما تعيشه المنطقة اليوم هو عملية تطهير عرقية . ولا يسترعي أي من هذه الأحداث اهتمام الإعلام الغربي. ولكن من أجل عين العرب فقد تحرك العالم بشكل سريع علماً أن من قام بالمساعدة الفعلية للأكراد هناك هي تركيا.

وفي حين أن كل هذه الأحداث تتميز بالتشابه إذا ما نظر إليها من ناحية أنها جرائم حرب , فلماذا هذا التحيز الواضح؟

وبعد كل هذه الأمثلة يمكننا الآن القول بأن تعريف المذبحة بالنسبة للغرب هو محدود بالمذابح التي ترتكب ضدهم أو ضد العناصر الذين يدعمونهم. حيث يستطيعون أن يوجهوا الداعم اللازم للحركات التي تتوافق مع أفكارهم تحت بند حقوق الإنسان ويمكن لهم أن يفعلوا كل شيء من أجل الوصول إلى ذلك. ولكن المفهوم أيضاً أنهم لا يهتمون بالبشر الذين لا يتشاركون نفس الأفكار معهم مهما حصل لأولائك البشر.

وترتكب الإرهابيات المنتسبات إلى أحزاب PKK- PYD واللاتي يعشن في الجبال مع الرجال بدون أي وازع أخلاقي الأعمال الإرهابية المتنوعة ولكن يتم إظهار تلك الأعمال على أنها حرب من أجل الحرية. ويتم تصوير ردات الفعل التي تحدث تجاههم على أنها أعمال تساهم في توتر المنطقة. حيث لم يعد أولائك الناس ينتسبون إلى الثقافة الإسلامية بل أصبحوا يمثلون الثقافة الغربية بكل سلوكهم.

ويمكننا قول ذلك أيضاً بالنسبة لنصيريي سورية. حيث أن الأسد قتل ما يقارب المليون شخص ولم يذكر أحد أنه يقتل السنة , ولكن عندما تتقدم المعارضة في بعض المواقع يبدأ الجميع في الحديث عن مخاوف من مجازر محتملة ضد العلويين.

كانت تركيا منذ البداية تقف ضد عمليات القتل بغض النظر عن الفاعل أو الضحية. وبالنظر إلى المواقف التي يتخذها الغرب من تلك المواضيع والتي تتسم بالانتقائية والكيل بمكيالين يتضح لنا أن مواقف الغرب تلك تصدر في معظمها عن الاسلاموفوبيا. 

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس