د. علي حسين باكير  - عربي 21

في السنوات القليلة الماضية، ارتفع منسوب العنصرية في الغرب بشكل كبير، وذلك بالتوازي مع موجات أخرى كالشعبوية والإسلاموفوبيا. وغالباً ما كانت مثل هذه الموجات تكتسب أهمّية أكبر مع قدوم موسم الانتخابات، حيث تصبح مواضيع مثل اللاجئين والإسلام مادة إنتخابية وورقة لإقناع الناخبين للتصويت في ظل صعود اليمين المتطرّف. ولا تخرج تركيا عن هذا السياق أيضاً، فأحزاب المعارضة دأبت على استخدام مثل هذه المواضيع كورقة إنتخابية نظراً لعجزها عن تقديم البديل المناسب الذي يقنع الناخب بالتصويت لها بشكل يقلب المعادلة السياسية في البلاد. 

لقد أدى استخدام ورقة اللاجئين من قبل المعارضة التركية في السنوات الأخيرة إلى توترات سياسية واجتماعية وصدامات خطيرة هددت أمن واستقرار البلاد، لكن سرعان ما كان يتم احتواء مثل هذه الحملات وتنفيسها. أمّا اليوم، فقد عادت المعارضة ممثلة بحزب الشعب الجمهوري إلى نفس الموّال لكن مع مراهنة أكبر على أنّ ورقة اللاجئين ستُؤتي أكلها هذه المرة. ويراهن حزب الشعب الجمهوري على توظيف سخط الناس من الموضع الاقتصادي وتحويله إلى نقمة على اللاجئ السوري على اعتبار أنّه جزء من المشكلة. 

لا تقف المشكلة عند حد التحريض على اللاجئ، وإنما تمتد لتطال اختلاق أكاذيب لا أساس لها من الصحّة والعمل على ترويجها كحقائق. فإقناع الناخب ببرنامج انتخابي أمر صعب للغاية خاصة إذا لم تكن تمتلك برنامجاً أصيلاً بالفعل، لكن تحريض الناخب على "الآخر"، والتلاعب بعواطفه وغرائزه، وحثّه على الكراهية والعنف أسهل بكثير. لذلك، فإنّ استخدام حزب الشعب الجمهوري للأكاذيب تعدى موضوع اللاجئين حيث إنه بدأ يستخدم نفس الأسلوب في مواضيع أخرى من بينها ما يطال العلاقة بين تركيا وقطر.

موقع T24 على سبيل المثال، كان قد نشر خبراً كاذباً الشهر الماضي مفاده أنه تمت الموافقة على بروتوكول يسمح للشباب القطريين بدراسة الطب في تركيا دون إجراء امتحانات الدخول، بحسب زعمها. وانتشر هذا الخبر كالنار في الهشيم سيما أنّه جاء قبل مدّة قصيرة من امتحانات عامّة للشباب التركي.

زعيم حزب الشعب الجمهوري أعاد نشر الخبر وعلّق عليه مُتهما الحكومة بإهمال الشباب التركي وتحقيق مصالح الآخرين على حسابهم. الموقع اعتذر فيما بعد إثر حملات مكثّفة لتبيان كذب الخبر. وبالرغم من التراجع عن الخطأ، فلم يعتذر زعيم المعارضة على فعلته. ليس هذا فقط، بل قام الناطق باسم الحزب في البرلمان بتدوير نفس الكذبة في تصريح رسمي له فيما بعد!

الأسبوع الماضي، قام كليتشدار أوغلو بإعداد فيديو مصوّر يمكن اعتباره بمثابة افتتاح مبكّر للحملات الانتخابية التي من المفترض أن تجرى بعد عامين. يعد زعيم المعارضة في الفيديو الناخبين الأتراك بأنّه سيحل مشكلة السوريين خلال عامين. لكنّه مهّد لهذا الوعد الانتخابي بتحميل السوريين مسؤولية بطالة الأتراك والخلل الديمغرافي في بعض المناطق والمشاكل الاجتماعية والأمنيّة. وبعد أن نفى عن نفسه صفة العنصريّة، قال كليتشدار أوغلو إنّ الحل سيكون بإعادة اللاجئين إلى سوريا وإعادة العلاقات مع نظام الأسد. 

عدا عن كون إعادة اللاجئ إلى مكان فر منه خوفاً على حياته وعرضه وماله جريمة تعارض القانون التركي والدولي بالإضافة إلى حقوق الإنسان، فإنّ إعادة العلاقات مع نظام الأسد ليست حلاً. هذا الطرح يعطيك فكرة عن مدى ضحالة فكر أكبر أحزاب المعارضة ولماذا لم يستطع حتى الآن إلحاق الهزيمة بحزب العدالة والتنمية بالرغم من تراجع شعبية الأخير في السنوات الماضية. المخيف هذه المرّة في حملات المعارضة العنصرية أنّها تأتي مبرمجة بشكل أكبر، وتتجاهل الدعوات لتصحيح المعلومات أو دحض الأكاذيب وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى مشاكل أكبر مستقبلاً على المستوى الاجتماعي والسياسي والأمني في البلاد.

المفارقة أنّ وسائل الإعلام الدولية، الهيئات غير الحكومية والمنظمات الحكومية بالإضافة إلى المواقف الرسمية للحكومات الغربية تتجاهل تماماً الخطاب العنصري للمعارضة التركية، وهو ما يثير بدوره تساؤلات عما إذا كان هذا الأمر جزءا من برنامج أكبر يتطلب التغاضي عن مثل هذا الخطاب طالما أنّه موجّه لإسقاط الحكومة.

بغض النظر عن الموقف من الحكومة، فعدا عن أنّ استخدام مثل هذه السياسات خطير للغاية ومن الممكن أن يترك آثارا طويلة المدى على سلامة المجتمع، فإنّه نادراً ما يكون وسيلة فعّالة للوصول إلى السلطة فضلاً عن البقاء فيها.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس